26 - 06 - 2024

أيهما الجنون؟

أيهما الجنون؟

(أرشيف المشهد)

13-1-2014 | 12:03

رِحْلَةٌ لَمْ تَكُنْ كَالَّذِى تَأْلَفُونْ، لَمْ يَكُنْ دَرْبُهَا كَالَّذِى تَعْرِفُونْ، هَبَّةٌ صُبْحُهَا رَاعِدٌ بِالبُرُوقْ، وَالضُّحَى وَثْبَةٌ فِى أَعَالِى الطَّرِيقْ، خَيْلُهَا شَعْبُهَا قَدْ صَحَا كَى يَكُونْ. رِحْلَةٌ لَمْ تَكُنْ كَالَّذِى تَأْلَفُونْ، كَمْ نَسِيمٍ سَرَى، شَقَّ قَلبَ الرُّعُودْ، كَمْ جِدَارٍ هَوَى، مَا لَهُ أَنْ يَعُودْ، كَمْ عَلَتْ حِكْمَةٌ فِى يَقِينِ الوجُودْ، فَانْظُرُوا واذْكُرُوا ، كَيفَ لا تَذْكُرُونْ؟! 

رِحْلَةٌ لَمْ تَكُنْ كَالَّذِى تَأْلَفُونْ، لَمْ تَكُنْ نُزْهَةً فِى سِيَاقِ الزَّمَنْ، إِنَّهَا ثَورَةٌ كَىْ يَعُودَ الوَطَنْ، وَمْضَةٌ فِى النُّهَى، لَمْعَةٌ فِى العُيُونْ. رِحْلَةٌ لَمْ تَكُنْ كَالَّذِى تَأْلَفُونْ.

فى مرحلة سابقة أيقنت أنى أحتاج إلى طبيب نفسى لأنى تشبث بالتفاؤل فى وقت استسلم فيه الجميع للتشاؤم والإحباط، والآن أعتقد أنى صرت بحاجة إلى طبيب للأمراض العقلية لأننى أتشبث بلحظتنا الثورية فى وقت تعلو فيه نبرة تتهم المتشبثين بهذه اللحظة بالجنون.

وأنا الآن أسأل: أيهما الجنون؟ أن يتشبث الإنسان بلحظتنا الثورية الخالدة التى انطلقت فى الخامس والعشرين من يناير، وموجتها التالية التى انطلقت فى الثلاثين من يونية، حين هزت جموع الشعب ميادين تحرير مصر من أقصاها إلى أقصاها، مؤذنة بطى عهد، وسقوط ديكتاتوريات، وتهاوى أصنام وأقنعة، وتمزيق أورقة وتواريخ فاسدة مفسدة، والانطلاق نحو المستقبل بآمال لا حد لها، وطموحات لا تعرف المستحيل؟

أم الاستسلام لفكرة أن التغيير الفجائى مستحيل حتى لو كان انطلاقا من ثورة، وأن الشعب الذى عانى كل هذه المعاناة قد ورث من التشوهات الاجتماعية بل وحتى الأخلاقية ما يصعب تغييره فى ثمانى عشرة ليلة أو حتى فى ثلاثة أعوام، وأن القوة الجاذبة أقوى كثيرا من القوة الطامحة الثائرة، وأن بعض الواقعية أجدى من الشطط فى الأحلام والأمنيات؟!

أيهما الجنون؟ هذا أم ذاك؟ أن نثق بثورتنا وبأنفسنا وبشعبنا العظيم، ونستنهض همته أكثر وأكثر، ونقوم ما اعوج من مسيرته قدر ما نستطيع؟ 

أم أن نسارع إلى إحباطه وإحباط أنفسنا، وتضييع لحظتنا الثورية، بل رحلتنا الثورية بكل نبلها المستحيل، حين صارت أبعد الغايات أقربها، وأعقد المطالب أبسطها، والمستحيلات المتصورة وقائع ممكنة؟

أيهما الجنون المحض أيها العاقلون؟!

أن نعود إلى حكمتنا الزائفة المزيفة، التى أخرستنا عقوداً، وأخرتنا قروناً، وأدخلتنا التوابيت أحياء ميتين؟

أم أن نتشبث بالجنون النبيل الذى علمنا إياه أبناؤنا الذين أفلتوا من غواية حكمتنا الرديئة، ونعى الدرس الذى علمنا إياه أبناؤنا وإخوتنا الشهداء الذين دخلوا التاريخ شهداء أحياء؟

أيهما الجنون المطلق المطبق أيها الحكماء العاقلون؟؟؟!!!!


مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان