26 - 06 - 2024

المحارب لا يستريح وسط المعركة

المحارب لا يستريح وسط المعركة

(أرشيف المشهد)

11-3-2014 | 12:16

أَسْمَعُ لُغَةَ النِّيلِ الآَنْ، صَوتَ خَرِيرٍ فِى الوجْدَانْ، حِينَ تَوَضَّأَ قَلْبُ بِلادِى، صَلَّى فَاقْتَدَتِ الأَوْطَانْ، مَاءُ النِّيلِ إِذَا مَا رَوَّى .. جِذْعَ الشَّجَرَةِ والأَغْصَانْ، سَكَبَ العِزَّةَ فِى أَفْرُعِهَا، وَتَحَدَّثَ مِنْ غَيْرِ لِسَانْ، لُغَةُ النِّيلِ حَدِيثُ يَسْرِى، تَعْرِفُ نَبْرتَهُ الأَزْمَانْ، فِى هَتْفَتِهِ تَسْكُنُ مُدُنٌ، يَسْطَعُ تَارِيخُ الإِنْسَانْ، فِى الصَّمْتِ النِّيلِىِّ حَدِيثٌ، كَونٌ مُكْتَمِلٌ رَيَّانْ، وَأَنَا أَصْمُتُ أُنْصِتُ أُصْغِى، أَسْمَعُ لُغَةَ النِّيلِ الآَنْ.
لا أحد يمتلك رفاهية أن يعطى ظهره لما يحدث فى مصر  فى هذه اللحظة الملتبسة من تاريخها الحديث، ولا أحد له الحق فى أن يختبىء فى غيمة رومانسية الأحلام، أو فى خيمة فلسفية الأوهام، ولا أحد يسوغ له أن يلوذ بالصمت الفكرى، مدعياً أنه إنما يمارس استراحة محارب، لأن المحاربين الحقيقيين لا يستريحون وقت احتدام المعارك، ومصر تخوض اليوم معركتها الكبرى، لذلك فكلنا مدعوون لأن نكون حاضرين بقوة فى صوغ المشهد المصرى ، لأنه ليس مشهدا آنياً عابراً، وإنما هو المشهد الذى سينبنى عليه مستقبلها لعقود طويلة قادمة.
لذلك، لا أتوقع من قارئى أن يتصور أن حديثى عن النيل، الذى يستحيل صوته خريرا فى دمى، وتتوضأ منه مصر فتصلى إماماً للعالمين، لا أتوقع أن يتصوره حديثاً رومانسى النغمة، وهمى التصور، انسحابى الموقف، وإنما هو فى حقيقته تذكير لنا جميعاً بأن نجعل رؤيتنا أرحب، وأن نتواصل ونحن نخوض معركة مصر الكبرى مع ثوابتها الخالدة ومفرداتها الثابتة، فكما أن للحياة ثوابت ومتحولات، فإن لمصر ثوابتها التى لابد من استحضارها فى لحظاتها الفارقة.
لا يسوغ لأى منا أن يغرق فى التفاصيل الضيقة التى تنسينا جوهر صراعنا الحضارى من أجل أن نكون، لا يمكن لأصحاب الرؤية أن يتورطوا فى تفاصيل الواقع المشتبك الملتبس إلى حد الغرق، الذى لا يتيح لك إلا أن تهوى إلى القاع جاذباً كل يد تمسك بك فى محاولة لإنقاذك، ولا يحل لهم أن يعطوا ظهورهم لهذا الواقع فيحيوا فى أبراج من صنع أحلامهم أو أوهامهم، لابد أن نرى الصورة كاملة بتفاصيلها الكبرى ونتخذ مواقفنا بناء على هذه الرؤية الرحبة المكتملة.
مصر أكبر من كل الجدل السقيم، أكبر من كل المعارك الصغيرة، أكبر من كل الأصوات الزاعقة التى تتصور أنها تسهم فى الانتصار لمصر، بينما هى فى الحقيقة تخوض معارك صغيرة ضيقة، ربما من صنع ذاتها هى، لأنها غرقت فى التفاصيل واستغنت بها عن الرؤية الشاملة المكتملة، وكم منا ينتصر لذاته فى مناقشاته وحواراته ومواقفه، وهو يزعم أنه إنما ينتصر للحق والمبدأ ويدافع عن مستقبل الوطن؟!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان