26 - 06 - 2024

حتى على الموت .. لا أخلو من الحسد

حتى على الموت .. لا أخلو من الحسد

(أرشيف المشهد)

20-3-2014 | 16:59

هِىَ الأَرضُ تَعرِفُ أَشْجَارَهَا، تُجَلِّلُ بِالغَارِ ثُوَّارَهَا، وَمَنْ يَنْشُدُونَ المَدَى أَخْضَرَ، وَمَنْ يَعْشَقُونَ القُرَى حُرَّةً، وَمَنْ يُوقِدُونَ الثَّرَى ثَوْرَةً، تُقَبِّلُ تِلكَ الجُذُورَ الَّتِى، تَمُدُّ العَنَاقِيدَ صَوْبَ الذُّرَى.
هِىَ الأَرضُ تَعرِفُ مَنْ أَخْلَصُوا، وَيَخْطُرُ أَبْنَاؤُهَا الخُلَّصُ، وَيَمْشُونَ هَوْنَاً عَلَى عِزَّةٍ، فَيَشْرَحُ وِجْدَانَهَا مَا تَرَى.
هِىَ الأَرْضُ صَلْصَالُهَا يَرْتَقِى، لَهَا الطَّمْىُ يَسْطَعُ فِى المَشْرِقِ، وَيَغْدُو تَبَارِيحَ أَوْ يَغْتَدِى، كِيَانَاً جَمِيلاً صَفَا جَوْهَرَا.
أعترف أمام قرائى جميعاً بأننى تورطت تورطاً شديداً فى ذلك الذنب الذى كان يشير إليه الشاعر العربى حين يقول:
إن يَحْسـدُونِي عَلَى مَوْتِي فَوَا أَسَفِـي
حَتَّى عَلَى المَوتِ لاَ أَخْلُو مِنَ الحَسَـدِ
ربما فقط أود أن أغير لفظ الحسد هنا بلفظ الغبطة تأسياً بحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذى يأمرنا فيه بأن نغبط إخوتنا وألا نحسدهم.
نعم أعترف بأنى أغبط صديقى الأديب الجميل، الثائر النبيل، الاشتراكى الحقيقى -وسط كون من الأدعياء- على موته الذى جلله بتاج فريد من النبل؛ لأنه نجا به من الوقوع فى فخاخ التناقض، أو السقوط فى هوة الخيانة التى سقط فيها كثيرون ممن خانوا مبادئهم وتناقضوا مع قضاياهم.
نعم أغبط عزازى على عزازى أن يمضى هكذا دون أن يتناقض مع كلمة قالها يوماً، دون أن يتناقض مع فكرة تبناها يوماً، دون أن يخون مبدأ اعتقده يوماً، بل ظل متسقاً مع كلماته، مخلصاً لأفكاره ومبادئه حتى النفس الأخير فى رئتيه.
لن أتحدث عن حفلات (الفول) التى كانت تجمعنا فى ليالى صحبتنا حتى قبل سفره إلى الصين بشهر أو أقل، ولن أتحدث عن حالة الاحتراق الذاتى التى كان يمارسها إلى جوارى وهو يكتب مقالاته بكل خلجة من خلجات نفسه، ولن أتذكر عشقه الخاص للبكائين من قراء القرآن الكريم، ولن تستوقفنى ضحكاته المجلجلة مع أبسط خلق الله وأفقر خلق الله ممن كان يرى فيهم ويرون فيه أخوة إنسانية حقيقية تخلع عن كاهلها كل أثر للتواضع المتكلف أو الاشتراكية المدعاة، ولن أستعيد حواراتنا الخاصة حول الصدق الإنسانى العميق فى الأدب وفى الحياة على حد سواء، ولا الاحترام المدعى فى كليهما، ولن ألتفت إلى ذلك الذكاء الروحى الذى يعتبر أن الغباء ليس فى انغلاق العقل وعدم القدرة على الفهم وإنما فى انغلاق القلب وعدم قدرة الروح على التسامى فى ملكوت خالقها بتسامح حقيقى وسماحة نبيلة، لن أتحدث عن أى من هذا كله حديث المتذكر لما مضى، لأنى أوقن أن الناس يموتون فقط حين يموتون فى قلوب أحبائهم، وعزازى على عزازى لا يمكن أن يموت فى قلوب أحبائه، ولا فى قلب الحياة.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان