21 - 06 - 2024

وأنت هناك

وأنت هناك

(أرشيف المشهد)

7-4-2014 | 18:45

وأنتَ هناكْ، بِقلبكَ حاملٌ منفاكْ، تَرى من ركنِكَ المذعورِِ معجزةً تضىءُ الكونَ، كلَّ ظلامِه، إلاكْ، ذكرتُك، كيفَ؟ لا أدرى، وإن الحقَّ أن أنساكْ.

عيونُ الشِّعرِ ترمُقنى، تُعاتبنِى، ويُشقى سمعَهُ معناكْ، ويسألُنى : أتهجوهُ؟ فأُقسمُ : لستُ واللهِ، وليسَ الهجو لى درباً، فيهتفُ : ما تُراهُ دهاكْ؟؟ يقولُ: مججتَهُ حياً، وكنتَ تذبُّ طلَّته، عن الإطلالِ وسطَ رُؤاكْ، فكيفَ تُدنسُ الكلماتِ تُثقلُها بوطأَتِهِ، وكيفَ لمثلِهِ يأتِى إلى دُنياكْ.

وأنتَ هناكْ، تُراكَ رأيتَ كيفَ مضيتَ، لم تتركْ بنا أثراً يُرددُ فى الحياةِ صَداكْ، كأنكَ لم تكن حيَّا، كأنك لم تكن شَيَّا، زَفيراً كُنتَ، نَنفُثُهُ، نُبددُ فى الهواءِ هَواكْ، ونَقْشاً كنتَ فوقَ الماءِ، يُذهبُهُ نسيمُ العصرِ فى وطَنى، فما أَوهاهُ، ما أوهاكْ.

وأنتَ هناكْ، تُراكَ رأيتَ كيفَ مُحيتَ، لمْ تصمدْ لوقفتنَا، وكيفَ سُنونكَ الشوهاءُ، رغمَ القهرِ، قد ذابتْ بشمسٍ أذهبتْ عنَّاجليدَ دُجاكْ.

وأنت هناكْ، تُراكَ طَرِفتَ للشهداءِ، إذْ لاحتْ على الشاشاتِ أوجُهُهُمْ، تُذيبُ الصَّخرَ، هلْ طلبتْ دماؤهُمُ شُهودَ دِماكْ، وهل أصغيتَ للأُمِّ التى هَتفتْ: فِداءُ خَلاصِنَا ولدِى، إلى الجناتِ أرفعُهُ، لتعلوَ رأسُ أُمتنا، وترحلَ أنتَ عن بلدِى، تُراكَ فهمتَ ؟ هل أحسستَ؟ هل أبصرتَ وجهَ اللهِ فيما أبصرتْ عيناكْ ؟؟؟؟؟ 

لقد حمل لنا الأسبوع الماضى مفاجأة مقيتة كريهة، لم يكن ذلك فقط لأن وجها تيقنا أنه قد تلاشى من حياتنا، بكل ما يمثله هو وما تمثله سنواته من ظل ثقيل الوطأة وظلمة كثيفة الوجود، عاد ليطل عليها من جديد، ولكن لأن من كان له (شرف) استدعاء ذلك الوجه بكل قدرته على أن يستنفد ما فى هواء الوطن من أنسام، قد قدم له كل آيات التقدير والتبجيل والاحترام، وراح يستفتيه فى الطريق الذى ينبغى أن نسير فيه اليوم، بل ويترحم على قدرة جلاده على ضبط البلاد وتركيع العباد، فى أمنية صارخة آثمة بأن تستعيد مصر جلاديها لتستعيد عظمتها التى فقدتها برحيله عن المشهد.

بدا صديقنا الصحفى مفتقدا لحكمة الرجل الجبارة، وبدا الرجل مزدهيا بقدرته الخارقة على تحجيم الأمريكيين، وبدوت أنا غارقاً فى ذهولى المطبق: أيمكن أن تصل الرغبة فى سبق صحفى شائه إلى هذا الحد؟! أيمكن أن تتلاشى كل المعايير الوطنية والأخلاقية والعقلية إلى هذه الدرجة؟! هل كان صديقنا الصحفى مقتنعا بما يقول مصدقا له؟! هل وصلنا جميعا إلى هذه الحال من الجنون المطبق؟!!!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان