26 - 06 - 2024

تعا اشرب شاي : سنة حلوة يا مطلعة عنينا

تعا اشرب شاي : سنة حلوة يا مطلعة عنينا

(أرشيف المشهد)

  • 22-3-2016 | 22:37

عندما اجتمعنا كى نحتفل بعيد اﻻم مع ست الحبايب ، كانت كل علامات الإجهاد تبدو جلية على وجهها الصبوح.

جلس اخى الكبير الى جوارها ، بينما اعتلى اخى الصغير مسند الكرسى الذى تستند عليه وقد مال عليها بدﻻل ، و اختار أخى اﻻوسط مكانا بعيدا عنا إلى حد ما ، اما انا فقد اخترت أن أجلس أمامها على الأرض بينما اتكيء بيدى على وسادة عالية وقد وضعتها على خدى وانا اتأملها بإعجاب وحب.

نظرت الينا بريبة ، ثم هزت رأسها بلا اكتراث ، وهى تقول : خير إن شاء الله، أكيد فلوسكم خلصت.

رد اخى الصغير بعتاب: جئنا للاحتفال بعيدك يا جميلة.

نظرت اليه بضجر بالغ وهى تقول: وماذا تفعلون طوال العام إﻻ اﻻحتفال !! هل انتهيتم من دروسكم ، هل اشتغل المتخرجون منكم؟ انظروا الى الأوﻻد حولكم لتعرفوا كيف صاروا ، بينما أنتم ما زلتم عبئا على حتى الآن.

حاولت ان اشغل نفسى بالنظر الى السقف والثريات النفيسة التى تدلت منه و قد اعتلاها الغبار والأتربة ، فأنا أعلم جيدا أننى قد أتهور بكلمة عن غير قصد ولكن لم يطل صمتى كثيرا، فقد تناهى الى سمعى صوت أخى الكبير وهو يلقى اللوم على أنى لا أهتم بنظافة البيت ، وهو يشير إلى الأرضية التى يكسوها رخام نادر وثمين وقد امتلأت بالمناديل المستعملة وأكياس الشيكوﻻته وقشر اللب والفول السودانى ، عندها لم أتحمل ، اسم الله عليك يا خويا ، مقطع النظافة أوى ، مين اللى رمى المناديل دى ، مش المحروس ابنك؟ ، كان صوتى عاليا وغليظا حتى خلت للحظة انه للأستاذ عباس فارس وصادر من التلفاز الذى كان مدارا فى تلك اللحظة، إﻻ انه كان بعيدا عنا حتى اننا نسمعه بالكاد.

حاول أخى الصغير ان يتدخل للإصلاح بيننا ، فرمقته هو الآخر بغل بالغ و كلت له اﻻتهامات ، فتجلى بدوره فى فاصل غير قصير من الردح المتواصل ، حتى وصل به الأمر أن عايرنى بأن فمى متسع كبهو البيت، وليس لزورى قرار كنفق اﻻزهر ، وأرنبة انفى أكبر من حمارة ترغب فى عمل (دايت) ، و لم أرث عن ابى رحمه الله إﻻ شاربا يشبه شارب عبد الفتاح القصرى، وأتمتع بأذنين تشبهان مآذن المساجد الطولونية.

وهنا لم أتحمل السكوت خاصة ان الكلام قد طال أنوثتى وراق أخى الكبير وظل يضحك كنقار الخشب ، وحين هممت بالرد وجدت أخى الصغير قد بادره بوابل من اﻻتهامات هو الآخر، حتى أننى نسيت إهانته لى وأخذت أضحك حتى افترشت اﻻرض التى كنت أجلس عليها ، وإذا بى أتلقى لكمة من أخى الكبير على وجهى طارت على إثرها نظارتى الطبية ، وقبل أن أستوعب ما حدث ، وجدت شقيقى الصغير يصيح فيه بحدة فقلت فى نفسى أحسنت ، فقد ظننت أنه يريد أن يقتص لى ، فإذا به ينبهه أنه أصيب هو أيضا على إثر تلك اللكمة وحين واصل تطاوله، ركله فى ساقه بعنف ، وبدأت الوسائد تتطاير فى الهواء ، وفجأة تكلم أخى اأوسط وهو شارد، قائلا بلا اكتراث ودون أن ينظر إلينا : ياجماعة على سبيل إنكم اخواتى يعنى ، ماتوحدوا الله فى نفسكو كده وتعرفونا حناكل امتى؟

وكأنه قد تكلم فى الوقت المناسب ليصب كل منا جام غضبه عليه ، حتى قال له أحد إخوتى : ما تقعدلنا على جنب وتسمعنا سكاتك ، فتمتم فى سره وهو ينظر فى اتجاه آخر : ياعم مانا قاعد أهو ، وﻻ إنت شايفنى برغوت ﻻبد فى كم قميصك؟

فما كان منا إﻻ أن تجاهلناه ثم أكملنا العراك بمنتهى الحماس، بينما كانت أمى ترمقنا من حين لآخر بحسرة وألم.

وفجأة انتفضت من مجلسها وأخذت تعايرنا بأوﻻد الجيران مرة ثانية ، فاتفقنا جميعا ولأول مرة منذ أن بدأت الجلسة ، لنقول فى نفس واحد : وانتى بتصرفى علينا زى ما هى بتصرف على عيالها !! ما تشوفى اتعلمنا فين؟ ﻷ وحاسبى بقى عالمستشفيات اللى بتشحنينا فيها أما حد فينا بيفيص ، و ﻻ الفسح ، كبيرك تاخدينا مراجيح مولد ابو حصيرة وأهو طلع يهودى عشان تستريحى.

 ضحك أخى اﻻوسط بصوت مبحوح وهو يسعل بشدة : أيوة فاكره ،سيدنا أبو كليم ، مرة حاول يقنعنى أدبح له ارنبة عشر فى المولد، بس أنا قلتله : إوعاك تفتكر إننا عشان ما قعدنا مع بعض وعملنا حق عرب حنبقى أصحاب، ﻻ يا عم كوهين.

تجاهلت أخى وأكملت حديثى : وتمرجحينا ليه أساسا واحنا بنتمرجح كدة كدة على دكة الفصل المتهالكة ؟ فعقب أخى الصغير قائلا : ﻻ .. إزاى !! نسيتو جنينة الحيوانات؟ دا القرد أما شافنى اخر مرة قاللى كبرت يا حمادة وبقيت راجل ما شاء الله، روحنى بلدى أبوس رجلك ، زهقت من أشكالكم .... .. حسرة علينا ، فإذا بأخى اﻻوسط يضحك ككفار قريش فى اﻻفلام القديمة وقبل أن ننظر اليه بادرنا قائلا : فعلا جنينة الحيوانات دى كنت باحبها أوى ، مرة النور اتقطع وأنا متعلق فى الكابينة فوق لوحدى زى العرسة اللى فاتها الجواز ، فقاطعه أخى قائلا له : دوكها الملاهى يا أهبل ، وبعدين مش أنا قلتلك تقعدلنا فى حته ، فتمم فى نفسه ثانية وهو عابس : هو أنا قدرة فول ، كل شوية كبسة كبسة!!

قاطعتنا امى بحدة بالغة وهى تقول : لقد انفقت عليكم كما انفقت على اخوتكم الغائبين ، ومع ذلك انظروا أين أنتم منهم الآن!!

نظرنا اليها بغيظ بالغ لنقول معا : نعم أجيبى أنت ، أين هم الآن؟ طفشوا من البلد بسبب عمايلك اللى ما يعلم بيها إﻻ ربنا .......طب واخوكم اللى ما شاء الله بقى عنده عزبة وبدل العربية عشرة، أنا طفشته هو كمان؟ رد أخى الكبير بغيظ : وفخورة أوى بيه!! مانتى عارفة إنه حرامى وسرق ورث المرحوم بابا ، ياترى عاقبتيه؟ أبدا دا انتى كمان بتعايريتا بيه.

قالت وهى تصرخ : مازلت أصرف عليكم وعلى أوﻻدكم رغم كثرتكم.

قاطعناها بملل : يادى العدد !! ستات كتير حوالينا عيالها ادك مرتين وزى الفل ، بس إنت طول عمرك خيرك لغيرك ، طب سميتى نفسك أم الحته ليه أما إنت مش مكفيانا؟ اوووووووف بقى يا امى.

بدأت أمى تئن من الحزن وتتهمنا بالجحود ، وأننا سنشوى فى نار جهنم لأننا قلنا لها أف، وهنا بدأنا نذرف دموعا حقيقية ونبدى أسفا بالغا ، ثم تجمعنا حولها نقبل رأسها ويديها لترضى عنا.

ابتسمت رغما عنها وبدا على وجهها الحب واﻻمتنان ، فانتهزنا الفرصة و بدأنا اﻻحتفال ، أدرنا اﻻغانى المبهجة ، ورحنا نضرب بالدفوف ونرقص حولها بفرح ونحن تغنى بحماس : (يامامى ياست البنات يامامى، فداك انا والوﻻد يا مامى) ....(فكرت تغنيلها ، طب ما شربتش من إيدها؟) ..... .الخ

تأملتنا برضا وتمنت لنا سنة سعيدة هى اأخرى ، بينما كل منا ينظر الى التورتة الموجودة على الطاولة ويخطط ليفوز بها وحده دونا عن الباقين ، أما أمى فقد كان كل ما يشغل تفكيرها فى هذه اللحظة هو كيف ستقنعنا بدفع فواتير المياه و الكهرباء ، أما أخى اﻻوسط فقد تبخر لحظتها ليلحق برفاقه المنتظرين على القهوة.

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف





اعلان