30 - 06 - 2024

البحث عن المتاعب

البحث عن المتاعب

(أرشيف المشهد)

2-9-2012 | 11:40

"لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده، ولا الصبابة إلاّ من يعانيها"، وقد يكابد المرء ويعاني الصبابة، ولا ينال حُسن الوصال مع المحبوبة التي تظل تتدلل وتتمنع على طالب الود والاقتراب، الذي يظل يداور ويناور حبًا وكرامة، فإذا صاحبة القصد والنية تطلب المزيد من البراهين والأدلة على أن المشتاق يعانى حُمّى العشق الحقيقي.
من طين هذه الأرض خرج الفتية قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا بنبوغ علمي وطموح لا يسعه حدود، بعد أن قذف بهم قطار الثانوية العامة من القرى والنجوع والمدن الصغيرة من دلتا مصر وصعيدها القاسي، إلى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، متعلقين بأبواب الأمل في صنع غد أفضل لوطنهم، من خلال الخدمة التى ستصل حد "المرمطة" في بلاط صاحبة الجلالة "الصحافة".
منذ اليوم الأول لوصولهم من بلداتهم الصغيرة بدت المهمة أكبر من أن تتحملها أجسادهم النحيلة، فقد تحلقت حولهم الذئاب التي تتخفى في أثواب فكرية وأيديولوجية شتى، كل يريد أن ينال حصته من العقول النابهة، والقلوب الغضة، والحالمة بإصلاح الكون بعد أن تأتي بما لم يأتِ به الأولون.
كنتُ واحدًا من هؤلاء وكان رفيق دربي - مع آخرين - الزميل مجدي شندي الذي يعد أكثرنا حلمًا، ورغبة في المغامرة بعناد يحسد عليه، دافعه رغبة صادقة في العطاء والإشعاع على من حوله بروح الشاعر المناضل، الذي يذوب خجلا لحظة ان يلمس المحيطون به الرومانسي الكامن بداخله.
تخرج معظمنا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ونحن أكثر إصرارًا على تحقيق أحلامنا رغم ما تكشف فى سنى الدراسة من صعوبة ما ترمي اليه، " فالإعلام في مدرجات الدراسة شىء، والواقع شىء آخر" كما قالها لي ذات يوم أستاذنا الدكتور سامي عزيز، رئيس قسم الصحافة في ذلك الوقت".
راح كل منا يبحث عن فرصته في بلاط من أرادوا لها عدم العطف على القادم الجديد إلا إذا كان بهلوانًا قادرًا على المشي على الحبال، وأكل النار، وطاعة "الصغار قبل الكبار"، هكذا كانت صدمتنا الحقيقية، ولأننا لم نكن نملك إلا موهبة متوقدة، كان طبيعيًا أن نجد طريقا مفروشًا ليس بالأشواك فحسب بل بالحفر العميقة الكفيلة بالقضاء على من يسقط فيها.
أكثر من عشر سنوات نواجه العواصف والأعاصير بصدور مفتوحة، من دون أن ننال رضاء صاحبة الجلالة، فقررنا – ليس يأسًا وإنما إحباطً من أوضاع مختلة - الهجرة إلى بلاد النفط مُكرَهين بعد أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وهناك كنت ألمس يوميًا كيف كان مجدي شندي يدفع ثمن هجرته.
اليوم يرقد مجدي شندي في مستشفى قصر العيني الفرنساوى بقلب معتل، وأمشي أنا الآخر في الطرقات بقلب عليل، حيث يكابد كلانا نتائج رحلة البحث عن المتاعب.
وفي الأخير: شفاك الله وعافاك صديقي ذى القلب الرقيق.

مقالات اخرى للكاتب

روح مصر





اعلان