26 - 06 - 2024

د. هشام مصباح يكتب : المثقف

د. هشام مصباح يكتب : المثقف

(أرشيف المشهد)

  • 1-6-2016 | 21:47

نشر 450 كاتباً أمريكياً  -من بينهم مشاهير مثل ستيفن كينج وديف إيجرز- خطاباً مفتوحا للشعب الأمريكي ضد دونالد ترمب الذي يسعي إلى الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، وانضم الآلاف للتوقيع على هذا الخطاب المحدود في عدد كلماته والعميق في تحديده لدور المثقف وحرصه على الحرية والعدل. يقول هؤلاء الرائعون:

لأننا نحن الكتاب ندرك أن الكلمة يمكن أن يساء استخدامها باسم السلطة

ولأننا نعتقد أن أي ديمقراطية حقيقة بهذا الاسم يجب أن تستند على أغلبية، وأن ترحب بالاختلاف، و أن تصل إلى الاتفاق من خلال حوار منطقي

ولأن التاريخ الأمريكي - برغم ما اعترى بعضه من عنصرية - كان تجربة في تأليف الناس على اختلافهم، لا تأليبهم ضد بعضهم البعض

ولأن تاريخ الديكتاتورية هو تاريخ من التلاعب بالناس وتفريقهم.. تاريخ من اللعب على العواطف وترويج الأكاذيب

ولأن البحث عن العدالة يستند على احترام الحقيقة

ولأننا نعتقد أن أي قائد يجب أن يتحلى بالمعرفة والخبرة والمرونة والوعي بالتاريخ

ولأنه لا الشهرة ولا الثروة تؤهلان أي أحد ليمثل الولايات المتحدة  وأن يقود جيشها ويحتفظ بتحالفاتها

ولأن صعود المرشح السياسي الذي يستميل أكثر العناصر عنفا وحيوانية في المجتمع، ويحضهم على العدوان، ويسكت منافسيه بصراخه، ويرهب منتقديه، ويزدري النساء والأقليات هو صعود يحث كل واحد منا على أن يتحرك بسرعة وقوة...

فإنه لكل هذه الأسباب نعارض - نحن الموقعين أدناه - بدون أدنى تردد، وبوحي من ضميرنا، ترشح دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة.

انتهى كلام كتاب أمريكا، لكن تأثيره لا يجب أن ينتهي، على الأقل بالنسبة لي، لأنه يكشف كيف يكون المثقف ضميراً من أجل الحق والعدل والحرية، وصرخة في وجه أي استعلاء أو عنصرية. إنه يؤكد ما آمنت به وآمن كثيرون حول المكان الصحيح الذي يقف عنده المثقف من السلطة، وهو مكان الناقد والمصوب والرافض لأي ظلم أو إساءة استخدام للسلطة. وتذكرت ما كتبه إدوارد سعيد عن المثقف: إنه ذلك الموهوب الذي يطرح اسئلة محرجة ويصعب على الحكومات والشركات استقطابه... وإلا تحول -حسب وصف أيمن عبد الرسول- إلى مثقف روبابيكيا.

المثقف الواقف على يمين السلطة يبرر فعالها، ويجمل أخطاءها، ويسبح بحمدها وذكائها ونبوغها، هو أسوأ من تجار الكيف، لأن المخدر يذهب وعيك مؤقتاً، ويجعلك خطراً على نفسك، أما هؤلاء المتثاقفون فإنهم يمسحون الوعي، ويبثون سموماً تجعل الناس في رضاها كالأنعام، وفي سخطها كالجوارح أو الوحوش الكاسرة. إنه المثقف الجاهز بكلمة "آمين" بعد كلام الزعيم، والجاهز بالمسيرات، والخطب النارية، والكتب الملونة والخرائط العمولة من أجل إحقاق ما قاله أو فعله الزعيم.

قال هؤلاء الكتاب: إن الديمقراطية تخاطب العقل، والطغيان يتلاعب بالمشاعر... قالوا: إن الديمقراطية توحد الناس، والديكتاتورية تقسمهم وتحولهم شيعاً... قالوا: إن من يجهل التاريخ ويفتقر للمعرفة لا يصلح لأن يكون قائداً... قالوا ما يتمناه أي شعب لنفسه، ورفضوا ما يرفضه أي شعب في مثقفيه... المثقف الحقيقي يرفض أنصاف الحلول، وأنصاف الحقائق، وأنصاف الآلهة. المثقف الحقيقي ضمير لأمته إن غفا ضميرها، ومجاهر بالحق إن جار حكامها... لا أعلم كم مثقفاً لدى أمتنا، لكن حاول أن تعدهم، وعند انتهائك من الحساب - الذي لا أظن أن به أرقاماً كبيرة - سوف تدرك إلى أين تسير أمتنا، وآه ياخوفي من آخر المشوار.

مقالات اخرى للكاتب






اعلان