26 - 06 - 2024

السفارة الأمريكية ونهاية مبارك

السفارة الأمريكية ونهاية مبارك

(أرشيف المشهد)

  • 5-6-2015 | 23:39

تعبت من التخمينات، وسئمت الاستنتاجات، وكلما استمعت للخبراء زاد عدم فهمي... هل كان ماحدث له معنى؟ هل كان مقصوداً، أم متوقعاً، أم مأمولاً؟ كيف سقط مبارك ولم تسقط دولته؟ هل نجح اعتصامٌ في إخراج مبارك من السلطة؟ أم أنه كان خارجاً مع انتظار التنفيذ؟ صحيحٌ أنني عشت هذا التاريخ، لكنني احتاج أن أقرأه كى أفهمه، احتاج أن اقرأ توثيقاً، لا تأليفاً، ولذا قررت أن أقرأ رسائل السفارة الأمريكية في القاهرة إلى واشنطن قبل ثورة يناير وتنحي مبارك، تلك الرسائل السرية التي نشرها موقع التسريبات الشهير "وكيليكس،" وترصد الأحداث في مصر وتحدد أهم اللاعبين على مسرح الأحداث.

اخترت رسائل عام ٢٠١٠ التي تم تصنيفها "سرية" وتتناول الشأن الداخلي المصري، في محاولة لمعرفة كيف كانت سفارة القطب الأوحد تحدد اللاعبين الأساسيين لصانع القرار في واشنطن قببل ثورة يناير، وعلى غير ما كنت اتوقع، وجدت أن مبارك وابنه جمال كانا خارج دائرة الاهتمام أو التركيز، ولم يكن لأخبارهما أو تحركاتهما نفس الأهمية التي أولتها الرسائل للاعبين آخرين في هذا العام السابق على الثورة! وعندما أتت الرسائل على أخبار مبارك كان يتم إبراز أوجه ضعفٍ فيه، فتحدثت إحدى الرسائل عن خطابه في عيد العمال، وعلقت على أن الشيء الوحيد الذي يستحق الذكر في الخطاب هو تعليق مبارك على إضرابات العمال وتحذيره من أن ذلك خروج على القانون.

أما اللاعبون الأساسيون في تلك الرسائل السرية فكانوا: الإخوان المسلمون، والحكومة والشرطة المصرية، والمدونون وعلى رأسهم وائل عباس، ونشطاء حركة ٦ أبريل وأهمهم أحمد ماهر أو أحمد صالح كما كان يرد اسمه أحياناً في الرسائل. 

كانت السفارة الأمريكية تنظر إلى الأخوان على أنهم المعارضة المنظمة الوحيدة في مصر، وأنهم يتظاهرون بأعداد كبيرة، وقادرون على الحشد الكبير، كما حدث في حملات التبرع بالدماء وقوافل الإغاثة إلى غزة، كما ذكرت الرسائل أخباراً عن الاعتقالات والتعذيب الذي كانوا يتعرضون له، وذكرت أيضاً أنه قد تم تنظيم أكثر من لقاء مع قيادتهم.

أما الحكومة وعلى الأخص الشرطة فكانت تأتي في سياق سلبي دائماً، وأكثر الأفعال المصاحبة لها هي "عذبت" أو "تعاملت بعنف ووحشية" أو "ألقت القبض على"...ودائماً ما كانت الحكومة المصرية توصف بأنها غير قادرة على أن تتغير، وأنها تستخدم خطاباً مهترئاً عفا عليه الزمن، وأبرزت الرسائل اعتراض السفارة على ترشح فاروق حسني لرئاسة اليونسكو على أساس أنها لا ترغب في ترشيح "شخص مثير للجدل." لكن الجيش كان الوحيد في الحكومة الذي أتي في سياق مختلف، حيث ذكرت الرسائل أنه من المقبول على نطاق واسع في مصر أن يكون للجيش قوة اقتصادية وسياسية.

اهتمت رسائل السفارة السرية إلى واشنطن بأخبار المدونين، وبالفيديوهات التي ينشرونها على مدوناتهم عن التعذيب في الأقسام، ودعواتهم للإضراب، وذُكرت مدونة "الوعي المصري" لوائل عباس في رسائل كثيرة، كما كان خبر اعتقال المدون "ضياء جاد" محل اهتمام وتعليق السفارة، وكان خبر الإفراج عن أيمن نور محل اهتمام، وحظي أحمد ماهر (صالح) باهتمام واضح، وذكرت الرسائل اتصالاته مع السفارة ورغبته في السفر إلى أمريكا ومقابلة أعضاء الكونجرس لشرح أهمية التحول إلى الديمقراطية في مصر. لكن الرسائل وصفت جماعات المدونين والنشطاء بأنهم غير منظمين وغير قادرين على إحداث أي تغيير!

ما الذي يعنيه كل هذا؟ السفارة الأمريكية هي أهم مصدر للمعلومات عن السياسة في مصر لصانع القرار في واشنطن، والرسائل كانت تشدد على أهمية الإصلاح السياسي والتغيير في مصر، وكانت ترصد أهم البدائل المحتملة. كان التغيير منشوداً، وكان البحث عن بديل قائماً، لأن نظام مبارك تكلس وغير قادر على التغير أو التغيير، لكن جماعات المعارضة -بحسب الرسائل- كانت لا تزال غير جاهزة لقيادة حركة احتجاجات شعبية، ومن ثم فإن انتقال السلطة في مصر كان عصياً على التكهن، أما مبارك وابنه فظهر أنهما خرجا من الحسابات، قبل أن يُدفعا للخروج من القصر، لتبقى كتلٌ ثلاث: الإخوان المسلمون، والنشطاء (الذين صاروا ثواراً بعد ذلك) والجيش، وهي الثلاثية التي ظلت مهيمنة على مسرح السياسة حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

في تحليل عجيب لجورج فريدمان على موقع مؤسسة "ستراتور" المتخصصة في الدراسات الجيوسياسية الاستخباراتية في ٣٠ يناير ٢٠١١ في أوج الثورة، راهن الكاتب على أن نظام مبارك سينجح في تثبيت دعائمه، لكن مبارك سيرحل، وذلك بسب ضعف المتظاهرين وانقسامهم، وقد كان! 

أياً ما كان التحليل، فإن الرغبة في تغيير نظام مبارك لم تكن داخلية فقط، لكن يبدو أنها كانت رغبة الجميع، أو هكذا اتضحت العبارة من رسائل السفارة، أما عن السبب فهذا ما لم تحدده الرسائل، وكما قلت لك في البداية، أنا ما ليش في التخمين! 

ذهب مبارك لكنه لم يذهب بعيداً، وتغيرت السياسة لكن لم يتغير وجه الحياة بعد. وكثيراً ما تغيرت القمة في مصر، لكن ظل قاعها راكداً.

مقالات اخرى للكاتب






اعلان