22 - 06 - 2024

فشل أمام الإرهاب .. وعبث بالقضاء

فشل أمام الإرهاب .. وعبث بالقضاء

(أرشيف المشهد)

17-2-2015 | 20:27

إن صح انه لم يكن هناك تنسيق بين الجيشين الثاتي والثالث، فهذا خطأ رئيس الجمهورية في المقام الأول باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي المقام الثاني، خطأ وزير الدفاع باعتباره القائد العام، وفي المقام الثالث خطأ رئيس الأركان المسئول الأول عن التنسيق بين الجيوش وجميع أفرع القوات المسلحة. في مؤسسة عسكرية تتميز بالحسم والمبادئ الأصولية كان يتعين أن يحاسبوا ثلاثتهم لحفظ التقاليد العسكرية الصحيحة والأداء العسكري المنضبط والسليم. ولكن مساءلة القادة عن الأخطاء والإهمال، الواجبة في التقاليد العسكرية السليمة، لم تعد ضمن التقاليد العسكرية في مصر حيث يشتغل الجيش بالسياسة ويتصرف كأنه يمتلك الدولة، خاصة وأن رئيس الأركان المسئول الأول عن التنسيق بين جميع أفرع القوات المسلحة ليس إلا صهر الرئيس الحاكم.

***

ويغيب عن الرئيس ومن يساندونه ويدعمونه حقيقة رابعة. وهي أن خنق الحقوق والحريات والبطش الأمني والقانوني بالقوانين الجائرة والقضاء الظالم أهله لن يحققوا الأمن والاستقرار للحكم وبالتأكيد لن يضمنوا القضاء على الإرهاب، بل قد يمد في عمره ويغذيه ويقويه، ناهيك عن أنه يمهد لقيام، بل يستدعي، موجة تالية من الثورة الشعبية العظيمة لعلها لاتستكين لمن يسرقها او يمتطيها لمصالحه النفعية الدنيئة إهدارا لغايات الثورة الشعبيةالأصيلة. 

وقد ترافق الفشل في مكافحة الإرهاب داخل مصر مع حالة من فقدان البوصلة. فالسلطة الحاكمة يبدو فقدت توازنها من تكرار الجرائم الإرهابية، وفشلها في مكافحته داخل الحدود، فشهد يوم الثلاثاء 3 فبراير، وفق مصادر صحفية، حدثا تاريخيا آسيفا حين أطلقت القوات المسلحة المصرية النار عبر الحدود على موقعين في غزة. يحدث هذا بينما تعلن دوائر إسرائيلية أن التسيق الأمني بين مصر الرسمية والكيان الغاصب للحقوق العربية لم يكن أبدا أقوى منذ إنشاء دولة الاحتلال العنصرية.

ثانيا: تقويض الدولة لمصلحة استبداد المؤسسة العسكرية بالحكم والبلد

كثيرا ما قال الرئيس الحاكم في معرض الدفاع عن حكمه أن ليس هناك من نظام حكم ولكن دولة ذات مؤسسات في مصر. 

والحق أنه يحكم بنسخة مهترئة وفاسدة من الدولة المدنية الحديثة جرى التلاعب بيها وإفساد بعض أهم مميزاتها لتناسب حكم فرد أوحد. 

أولا هو يختزل الدولة في آلة البطشن من ناحية باستخام القوة العسكرية المنظمة من خلال الجيش والشرطة، ومن ناحية اخرى باستخدام القانون الجائر والمخالف للدستور الذي يطبقه قضاة غير عدول، من أجل العصف بجميع المعارضين لحكمه وبحقوق جميع المواطنين. ولهذا فإنه حتى في هذه الصورة المختزلة من الدولة الغشوم ينحرف بكل مؤسسة عن دورها الصحيح في الحكم الديموقراطي السليم. دولته إذن مبتسرة ومشوهة، وتسعى لأغراض تناقض الغاية من الدولة المدنية الحديثة أي تحقيق الصالح العام للشعب والوطن.

ومن تجليات هذه الدولة المهترئة والمشوهة أن تغدق السلطة الحاكمة على الجيش والشرطة والقضاء الموالي بينما تتفنن في قهر وإفقار باقي المواطنين مؤسسة بذلك لاشتداد الظلم المجتمعي وهو أب أسباب إندلاع الثورات الشعبية

**********

أصولا، تقوم الدولة المدنية الحديثة على تعدد السلطات المؤسسية واستقلالها النسبي عن بعضها وقيام توازن دقيق فيما بينها يضمن أصول الإدارة العامة السليمة (الكفاءة ،والشفافية والإفصاح ومشاركة أصحاب المصلحة في إتخاذ القرارات والمساءلة الفعالة للمكلفين بالإدارة). 

فالدول المدنية الحديثة تقوم على ثلاث سلطات تتبلور في مؤسسات راسخة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، مستقلة عن يعضها إلا فيما يخص مراقبة السلطتين التشريعية والقضائية لأداء السلطة التنفيذية لضمان الصالح العام، وتخضع جميعها لسيادة القانون، المنصف والحامي للحقوق والحريات، والذي يطبق على الجميع من دون أي إستثناء، بواسطة قضاء مستقل تماما عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي النظم الديموقراطية السليمة تخضع السلطات جميعا للمساءلة الشعبيىة دوريا في اتخابات حرة ونزيهة وشريفة (خالصة من تأثير المال السياسي وتلاعب الإدارة). وقد يندهش البعض، خاصة القضاة المتواطئين مع السلطة القمعية الباطشة حاليا، من مبدأ إخضاع القضاء للمساءلة الشعبية دوريا. ولكن هذا أمر مستقر في النظم الديموقراطية السليمة عن طريق إخضاع المناصب الحرجة الأهمية في السلطة القضائية، مثل النائب العام وكبار القضاة، لموافقة ممثلي الشعب في المجلس التشريعي المنتخب وأحيانا للانتخاب المباشر من الشعب. فالشعب اصلا، أو بالإنابة من خلال الانتخاب الحر النزيه، هو صاحب السيادة الوحيد ومصدر السلطات جميعا.

ولأهميتها الفائقة في الحكم الديمقراطي السليم كما أشرت في مطلع المقال أبدأ بمؤسسة القضاء.

1- عبث السلطة التنفيذية باستقلال القضاء وجرائره

بغض النظر عن الأحكام الجائرة مثل تلك التي أشرت لها في بداية المقال والتي تشير إلى تواظؤ بعض القضاة مع السلطة التنفيذية الباطشة بالحقوق والحريات، بسبب تلاعب السلطة التنفيذية ببعض القضاة بالمحاباة ومزيج الترغيب والترهيب السلطويين، أود التركيز على منصب النائب العام باعتباره أصولا محامي الشعب.

لنتخيل إن كان القضاء مستقلا تماما في مصر، هل كان يمكن أن يستغل كل رأس للسلطة التنفيذية في جميع أنظمة الحكم الاستبدادية التي تتالت على مصر في السنوات العشر الماضية منصب النائب العام، ووكلائه، في البطش بالحقوق والحريات وضياع العدل وإهدار سيادة القانون المنصف والساري على الجميع على السواء؟ بالقطع لا. ومن هنا نفهم اندفاع رئيس كل سلطة حكم من هذه التسلطية الفاسدة إلى عزل النائب العام الذي عينه سلفه وتعيين آخر موالٍ له وخادم لسلطته ولو بالعصف بالحقوق والحريات.

************

ولعل أفدح مثل على التوظيف السياسي للقضاء هو تواطؤ نائبين عاميّن متتاليين على تضييع حقوق شهداء الثورة الشعبية العظيمة ومصابيها، والمتجسد في أن تقرير لجنة تقصى الحقائق الثانى فى موقعة الجمل قد إختفى أو على الأرجح أخفيّ عمدا، وفي النهاية ضاع بين نائبين عامين عينهما رئيس من جماعة الإخوان وآخر من المؤسسة العسكرية بعد أن عزل سلفه في الرئاسة. 

التقرير الذى يحمل فى طيّاته اتهامات واضحة لأشخاص بعينهم وبأدلة قاطعة، بحسب أعضاء اللجنة، يتسبب إخفاؤه فى خسارة وضياع الحقوق فى الكثير من القضايا منها قضية موقعة الجمل، التى حصل فيها 24 متهمًا على البراءة لعدم كفاية الأدلة، بحسب حيثيات الحكم. الاتهامات فى القضية المغلقة منذ 9 مايو 2013، بحكم نقض نهائى وبات، طالت أسماء كبيرة تنتمى إلى الحزب الوطنى ومنهم بعض من الصف الأول من رجال الطاغية المخلوع مبارك مثل صفوت الشريف، فتحى سرور، وقيادات معارضة مثل رجب حميدة ووزراء مثل عائشة عبد الهادى ومرتضى منصور رئيس نادى الزمالك. وقد جاء الحكم بالنقض بعد رفض المحكمة النقض المقدّم من النيابة شكلاً، لتأخر النيابة فى تقديمه عن الميعاد المحدد فى القانون، وهو 90 يومًا من صدور الحكم، مما يعنى أن دفع النيابة بالطعن، لم يدرس من قبل محكمة النقض أصلاً، وهى سابقة لم تحدث فى تاريخ النيابة أبدا، ورغم ذلك، لم يُحقق فى ملابساتها من قبل النائب العام وقتها، طلعت عبد الله أو ممن تلاه في المنصب بعد إسقاط حكم الإخوان.

في النهاية، تفرق دم الشهداء فى الموقعة بين الاتهامات التى تراشقتها الأطراف السياسية بعضها البعض عبر وسائل الإعلام، فقد اتهم الصحفى عبد الرحيم على المعروف تأييده للرئيس عبد الفتاح السيسى جماعة الإخوان بالمسؤولية المباشرة عن موقعة الجمل، فى حين اتهم القيادى الإخوانى محمد البلتاجى الرئيس عبد الفتاح السيسى نفسه بتدبير موقعة الجمل، واتهم القيادى سابقًا بحزب الغد رجب حميدة قيادات إخوانية مثل البلتاجى وقائد المنطقة المركزية سابقًا حسن الروينى بالوقوف وراء الموقعة. إذن الاتهامات تطال المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان، أي من تناوبوا على السلطة منذ فبراير 2011. 

في النهاية، تقرير لجنة تقصى الحقائق الوارد به أسماء متهمين جُدد، على الأرجح جرى إخفاؤه عمدا، ولا أحد يعلم مكان النسخة الموقعة حتى الآن، حيث طالب محمد مرسى رئيس الجمهورية وقتها مُّعدوه بإعداد نسخة واحدة فقط وعدم نسخها، ما يثير الاستغراب وربما ينطوي على سوء نية مبيت. وبعد انتهاء اللجنة من إعداد التقرير تم تسليم تلك النسخة الوحيدة منه لمرسى آنذاك وللمستشار طلعت عبدالله، النائب العام السابق، ولا أحد يعلم أين ذهب وفى يد من أصبح هذا التقرير، وأين المستندات والشهادات المصورة المرفقة معه، والتي تشكل في مجملها 800 صفحة؟!

*******

بعض صحف سربت بعض أجزاء من هذا التقرير التي تضمنت على لسان أحد أعضائها اتهاما لقوات الجيش بتحمل جزء من المسؤولية بعدما سحبت مدرعاتها وفتحت الطريق أمام مؤيدى الرئيس المخلوع مبارك للمرور من كورنيش النيل إلى ميدان التحرير، كما اتهم ضباط المباحث بأقسام الشرطة بمحافظات الجمهورية، لافتاً إلى أنها شاركت بشكل أساسى فى موقعة الجمل من خلال الدفع بعناصر معتادة الإجرام. كما حمّل الجزء المسرب من التقرير المسئولية الكاملة للمخلوع مبارك لأنه كان يتابع كل ما يجرى داخل ميدان التحرير نظرا لامتلاكه قناة مشفرة تبث ما يحدث لحظة بلحظة داخل الميدان.

إلا أن مكان التقرير الآن مجهول، ولم يطلع عليه الرأى العام وهو ما يعتبر أكبر جريمة فى حق الثورة الشعبية 

النائب العام الحالى هشام بركات، اكتفى بوضع بلاغ قدمه بعض المحامين بالتحقيق فى هذا الشأن بالأدراج رغم أهمية القضية، وتخاذل فى التحقيق بها. ويتهم مقدمو البلاغ النائب العام الحالى بتضييع حق الشهداء والمصابين، لأنه لم يتخذ إجراء جديا بهذا الشأن، لذا فالنائب العام هذا، كما سابقه، يجب أن يتحملا المسئولية كاملة.

ولن تنتهي هذه التجاوزات في حق العدالة ما دام رأس السلطة التنفيذية يعين النائب العام ويستطيع أن يعفيه.

مقالات اخرى للكاتب

والذكرى تنفع الثوار





اعلان