30 - 06 - 2024

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

(أرشيف المشهد)

5-12-2014 | 19:44

 هل المطلوب هو أن نصمت ؟ .. هل نستطيع ذلك حتي إن اردنا ؟ .. ثم ما هي المصلحة التي تتحقق من الصمت ؟..

 أصدر القاضي الجليل حكمه ببراءة مبارك من كل التهم التي اسندت إليه ، وخرج مبارك علي الناس من خلال إحدي الفضائيات كي يتحدث إلي شعبه !! ، وهذه الفضائية بالذات تحصل دائماً علي تغطية حصرية للرئاسة ، بل أنها كانت وحدها التي سمح لها بدخول منزل القاضي الجليل كي تصور أضابير الدعوي وجلسات المحاكمة ، أي أنها فضائية حازت رضا عهدين : عهد مبارك ، وعهد السيسي!! .

 وهتف المذيع الذي لا يخفي ولاءه لعهد مبارك السعيد :" مبروك يا سيادة الرئيس " ، وأظن أن المشاهدين كلهم قد شعروا لوهلة أننا لا نزال في عام 2010 ، والرجل الكبير يتحدث ساخراً ولسان حاله يقول : " خليهم يتسلوا " ، وبعد ذلك كان المذيع يكرر محذراً أي مخلوق من التحدث عن ما يسمي ثورة 25 يناير لأنه سوف يضربه بـ " الجزمة" !! ..

 حسناً .. لقد تحدث الدستور المصري نفسه عن ثورة 25 يناير ، وتحدث آخرون ، ولذا أتصور أن السيد المذيع المذكور لا بد أن يشتري عدداً كاف من الأحذيه لقذفها علي رؤوس عديدة..

 لم يكتف المذيع بذلك اللقاء الحصري مع مبارك ، بل وسارع للحديث مع المتهم الهارب حسين سالم كي يكون أول من يهنئه بالبراءة ، ورغم أنه حاول أن يحصل منه علي تصريح يشتم فيه ثورة 25 يناير ، إلا أن المتهم الهارب ظل يردد فرحاً : " تحيا مصر .. تحيا مصر" ..

 ونقلت كاميرات الفضائيات فواصل من الرقص والزغاريد أمام المحكمة ، وخاصة تلك اللقظة لسيدة بدينة تخرج لسانها لأمهات الشهداء!! ..

 وبينما فتحت أجهزة الأمن ميدان التحرير قبلها بيوم واحد للمتظاهرين الذين دخلوه كي يرقصوا فرحاً لمرور يوم 28 نوفمبر بسلام ، ولا أظن أنهم طلبوا تصريحاً لذلك ، قامت نفس الأجهزة بإغلاق الميدان أمام من أراد التعبير عن غضبه لحكم البراءة الذي حصل عليه نظام الحكم الأسبق ، بل وانقضت علي مجموعة من الشباب وقفوا يعبرون عن ذلك الغضب بشكل سلمي في ميدان عبد المنعم رياض ، ولم تمر الليلة إلا بسقوط شهيدين ، واصابة عدد كبير ، وإعتقال عدد آخر..

 " لا صوت يعلو علي صوت المعركة " ، هكذا يصرخ الحكماء وهم يحذرون الشعب من مخاطر الإرهاب والفوضي ، وأنه ينبغي علي الجميع الإصطفاف في الطابور خلف العلم حتي ننتهي أولاً من الحرب ضد الإرهاب ، ثم نفعل بعد ذلك ما نريد..

 عدت إلي دفاتري القديمة كي استعيد بعض مذكراتي التي كتبتها في شتاء 1968 ، وبالتحديد يوم الثلاثاء 20 فبراير 1968 ، وهو اليوم الذي صدر فيه حكم المحكمة العسكرية ضد قادة سلاح الطيران : الفريق أول صدقي محمود قائد القوات الجوية ورئيس أركانه الفريق أول جمال عفيفي وآخرين ، ففي هذا اليوم كانت الصدمة للشعب المصري ، ولجيل من الشباب حين اكتشف أن صدقي محمود تم عقابه بحكم 15 سنة فقط ، رغم هول النكسة وما قيل وقتها عن مسئوليته المباشرة عن تدمير سلاح الطيران المصري بالكامل.

 في مساء نفس اليوم التقيت بمجموعة من أصدقائي وقررنا تأسيس " اتحاد الطلبة الأحرار " وأعددنا منشورات كتبناها بخط اليد ، وفي صباح اليوم التالي انضممنا للمظاهرات التي اتجهت إلي مجلس الأمة ( مجلس الشعب الحالي ) ، وأتذكر وجه رئيس المجلس وقتذاك أنور السادات وهو يطل من بعيد ويطلب تشكيل وفد من الطلبة كي يلتقي بهم ، كنا نهتف مطالبين بالحساب والعقاب والتغيير ، بالحرية والديمقراطية ، وأتذكر أننا تجرأنا علي عبد الناصر نفسه الذي كنا قد خرجنا قبل ذلك بشهور كي نطالبه بالبقاء في موقعه .. كنا نقول:

 " لا صدقي ولا الغول .. عبد الناصر المسئول" ..

 وسارعت القيادة السياسية بالتراجع ، وقررت إعادة محاكمة قادة الطيران ، والتقي عبد الناصر بالطلبة وتحدث إليهم من القلب .. وذلك موضوع آخر..

 ما أريد أن أركز عليه هو أن " صوتنا " قد علا فوق صوت " المعركة " بالفعل ، وقد كانت الإصلاحات السريعة التي تمت سبباً في أن عدداً كبيراً من الشباب ( منهم كاتب هذا المقال ) تركوا دراستهم الجامعية والتحقوا بالقوات المسلحة كي يخوضوا المعركة ، التي خاضوها وانتصروا فيها بعد ذلك عام 1973..

 أن تأجيل تحقيق مطالب الثورة بذريعة " الحرب ضد الإرهاب " وبأنه " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " يفقد هذه الحرب مشروعيتها ، لأن هناك حروب أخري ضد جذور هذا الإرهاب ، هناك حرب يجب أن نخوضها فوراً ضد الفساد ، ونتساءل لماذا لم يتصدي أحد للتحقيق في الإتهامات التي وجهها المستشار هشام جنينة علناً ؟ .. هناك حرب ضرورية ضد الفقر ، لأن شرعية النظام الحالي المستمدة من ثورة 25 يناير تكون منقوصة إذا لم يتحقق أمل العدالة الإجتماعية التي كانت أحد أهم أهداف الثورة .. هناك أيضاً حرب ضد فكر الإستبداد والتخلف ، يقتضي التوسع في مساحات الحرية لا تضييقها بحجة " لا صوت يعلو " ، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في العديد من القوانين التي صدرت خلال العام الماضي ، وخاصة قانون التظاهر ، وقانون الإنتخابات..

 لقد تراجع عبد الناصر وانحني لإرادة الشعب في شتاء 1968 ، وأعيدت محاكمة قادة الطيران ، فقد استلهم من شعب مصر العظيم رسالته كي ينتصر ، فلم يكن ممكناً لشعب من العبيد أن يعبر فوق جسور النار والدم والبارود كي يحرر أرضه ، لأن الأحرار فقط هم من يضحون من أجل الحرية والتقدم ، ولم يكن ممكناً التعلل بأنه " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " ، علماً بأن حصيلة الخسائر في مظاهرات 1968 لم تتجاوز إصابات في صفوف الطلبة والشرطة..

 أردت بهذا المقال أن أسلط الضوء علي هؤلاء الذين يحاولون خداع الرأي العام ، هؤلاء الذي سبق أن طردهم الشعب من الباب ويريدون التسلل من النوافذ ، فالمسألة لم تكن أبداً شخص مبارك ، وإنما نظام مبارك الذي يزحف الآن كي يستعيد مواقعه مدعياً أن حكم " البراءة " هو غسيل لأربعين عاماً عاثت فيها دولة الفساد والمحاسيب حتي دمرت الشعب وأفقرته ، ولا أدري ما هو موقف " قانون الغدر " أو حتي قضية " العدالة الإنتقالية " التي تتولاها وزارة تبدو بلا عمل حتي الآن!!! .

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان