29 - 06 - 2024

"مرحباً بعودة الحزب الوطني !"

(أرشيف المشهد)

30-12-2014 | 16:03

يصعب الإفلات من المفارقة ، لأن من أختاروا قاعة المؤتمرات الكبري لم يأخذوا في اعتبارهم ، أو ربما لم يهتموا ، بما يمكن أن تعكسه صورة هذه القاعة في وعي الإنسان المصري ، ليس هذا فحسب ، بل أن الديكور والأضاءة الكاسحة ، وحركة رجال الأمن ، ووجوه بعض الحضور الشمعية .. كل ذلك يستعيد بقوة صورة مؤتمرات الحزب الوطني ، خاصة وأن أغلب الوجوه كانت حاضرة في تلك المؤتمرات السالفة ، وعودتها إلي صدارة المشهد بعد غياب أعوام ثلاث ، له دلالته في ظل الحاضر المصري المسكون بالألغاز ..

لقد كان لهم ما أرادوا .. انفجار إعلامي موقوت ، تصعد فيه إلي منصة الخطابة ، شخصيات دينية وسياسية وعسكرية ، وزراء سابقون ، أعضاء مجلس شعب سابقون ، محافظون سابقون .. ألخ ، الهيئة الإجتماعية التي كم تزاحمت أمام الأضواء في نفس القاعة كي تنال نظرة من الرئيس مبارك ، ونالت من العطف والمناصب والمكاسب ، ما لا يزال خافياً علي جهات التحقيق ..

وسرت الشائعات في أروقة المجتمعات السلوفانية أن " البوربون " قد عادوا ، مؤكدين علي ذلك بشكل قاعة المؤتمرات الكبري التي ساد الشعور لوهلة أن الذي كان ينقصها هو أن يدخل الرئيس الأسبق مبارك وسط التهليل والتصفيق كالعادة ، وهو يتبسم لرعاياه الذين ملأهم الحماس وتعكس ملامحهم آيات الولاء .. بل أن شائعة قوية تسربت من بين بعض الشخصيات الشمعية اللامعة ، مؤداها أن ذلك الجمع الكريم قد توصل إلي مرشح توافقي لرئاسة مجلس النواب القادم ، وأنهم يجهزون لقذف إسمه إلي الجماهير المتعبة التي سوف تتلقفه كمخلص ومنقذ من حالة الحيرة والضياع التي يعيشها المجتمع .. بل وتوقع البعض ان فتحي سرور هو المؤهل الوحيد لذلك الموقع لولا انه يستشعر الحرج في الوقت الحالي .

والمدقق لن يجد في أغلب هذه الوجوه وجهاً واحداً من وجوه ميدان التحرير ، سواء في نسخته 25 يناير أو تعديلها في 30 يونيو ، وإن كان بعضها بالطبع قد تسلل علي حذر في التعديل الأخير ، والمدهش أن الجميع في تلك القاعة المهيبة كان يشعر في قرارة نفسه ومنطوق خطابه أنه أبو الثورة والثوار ، وصاحب الحل والعقد في هذا البلد الذي يأكل بعضه..

وفي خارج القاعة الدافئة ، كان البرد يحطم عظام ملايين الجائعين الذين يحومون كالذباب علي هوامش المدن الكبري في العشوائيات ، يتطلع بعضهم إلي شاشة التلفزيون في المقهي ويفرك عينيه وكأنه لا يصدق أن أعواماً ثلاثة لم تكن سوي حلماً جميلاً بالتغيير ، أو كابوساً أفاق منه ليجد أن السادة قد عادوا بعد بياتهم الثوري ، كي يسدوا عين الشمس مرة أخري ، ويلقنوا الشعب المغلوب علي أمره كيف يعيش أو يموت .. لا فرق ..

تساءلت عن وزير العدالة الإنتقالية المتعطل ، فهذه فرصته كي يمسك بالجناة متلبسين ، أنهم هناك بسياراتهم الفارهة ، وحراسهم ، وتكاد الثروة التي نهبها بعضهم تسيل من سلوكهم .. هاهي ملفات الفساد تتحرك علي قدمين كي تستعيد مواقع فقدتها ، وهي تتدثر بادعاء حماية الثورة والدستور ، دون أن تنسي مداعبة الجيش وملاطفته .. انها نفس الوجوه التي تزاحمت في لجنة السياسات ومؤتمرات السيرك الوطني الديمقراطي ، وحيث أن بعضها قد فقد حمرة الخجل ، فمن واجب وزير العدالة الإنتقالية أن يتخذ ما يلزم كي يجبرها علي سداد الفواتير القديمة ..

صرخت فتاة عشرينية في وجهي : " ماذا يريدون ؟ .. أنهم كهول يخرجون من كهوفهم كي يختاروا كهلاً توافقياً من بينهم كي يؤم صلاة الجنازة علي روح الثورة المصرية .. " ، قالت غاضبة : " الموحة القادمة للثورة سوف تزيحهم جميعاً ، وحينها سوف تصل الثورة إلي مقاعد الحكم "  ..

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان