26 - 06 - 2024

يا شيماء .. " كله بالقانون " !!

يا شيماء ..

(أرشيف المشهد)

3-2-2015 | 15:27

يقول العقلاء : " أنه إذا لم تكن هناك معارضة ، لأخترعناها !! " ، ويقول المنافقون : " أن المعارضة خيانة للوطن وتشجيعاً للإرهاب " .. ويقولون لنا " كله بالقانون " ، ولكن " أي قانون " ؟؟!! ..

عندما سقطت الشهيدة شيماء الصباغ ، سارعت أصوات النفاق بادعاء أن الشهيدة قد اخترقت قانون التظاهر ، بأن حملت باقة زهور ومعها عدد لا يزيد علي خمسين فرداً متوجهة إلي ميدان التحرير كي تضع تلك الباقة في ذكري شهداء ثورة 25 يناير ، رغم أن أضعاف هذا العدد تسير كل يوم في ميدان طلعت حرب دون أن يطلق أحد عليهم الرصاص ، ورغم أن هؤلاء الذين حملوا الزهور لم يهتفوا ضد أحد ، لم يقذفوا حجراً ، لم يشتموا أحداً ، بل ورغم أنهم كانوا قد اتفقوا علي الرجوع حال أن طلبت الشرطة منهم ذلك ..

دعونا نفترض جدلاً بأن شيماء قد خالفت قانون التظاهر ، فهل يتضمن هذا القانون عقوبة القتل لمن يخالفه ؟! ، ثم لماذا لم يلتزم قائد القوة المهيبة التي قامت بالهجوم بنصوص هذا القانون التي تلزمه أن يقوم أولاً بإنذار المتجمعين بالإنصراف ، وأن يكرر ذلك حتي إذا أيقن إصرارهم علي التظاهر فأنه يقوم باستخدام المياه لفضهم ، فإذا تعذر ذلك يقوم باستخدام قنابل الغاز ، وبالطبع لا يلجأ إلي الخرطوش والطلقات إلا إذا شعر بتهديد علي حياة قواته ..

لم يفكر قائد تلك القوة التي احتلت حواف ميدان طلعت حرب ، بثلاث عربات مدرعة وعربات نقل جنود وقوات كثيفة ، لم يفكر في ان ذلك العدد البسيط من المواطنين لا يشكل أي خطر ، وأنه يمكنه أن يصحبهم بنفسه بل ومحاطين بالقوات كي يضعوا زهورهم ثم ينصرفوا في أمان .. لم يفكر القائد في ذلك الحل البسيط الحكيم الأمثل ، لأن هناك حمي في إعلام الوطن تطنطن بضرورة "الضرب في المليان " ، لم يفكر ذلك القائد " الشجاع " في أن شيماء ربما في عمر ابنته ، وأن وجهها البريئ المبتسم لا يمكن أن تكون ملامحه ملامح قاتل إرهابي ، لقد انقض بجنوده وسط إطلاق دخان كثيف وطلقات للخرطوش كي يطبق " القانون " !! ..

وفي نفس اليوم ، في ميادين أخري ، تجمعت أعداد أكبر ممن يطلق عليهم " المواطنين الشرفاء " يرقصون ويغنون وهم يحملون صورة القائد البطل بملابسه العسكرية دون أن يتعرض لهم أحد ، وكأن تلك الصورة هي إستثناء من تطبيق "القانون " المزعوم ، وربما لو وضعت شيماء تلك الصورة بين باقة الزهور التي حملتها للشهداء ، ربما ظلت حتي الآن علي قيد الحياة !! ..

أي قانون هذا وقد أجمع كل أهل فقه القانون والسياسةعلي معارضته ، بل عارضه المجلس القومي لحقوق الإنسان ، ذلك المجلس الذي عينته الحكومة نفسها كي يفتيها في مسائل حقوق الإنسان ، أي قانون هذا الذي يرخص للدولة أن تقتل مواطنيها إذا تجمعوا سلمياً ؟ ، أي قانون هذا الذي يحرم الوطن من زهرة رائعة مناضلة مثل شيماء الصباغ ؟؟ ..

أنه القانون الذي يتيح  أن تصبح الراقصة " مناضلة " ، بل وأن تمتلك محطة فضائية تتأود فيها وتناضل بهز الوسط وبالألفاظ الخارجة بل وتتأهب لدخول البرلمان القادم وفقاً لقانون آخر أجمعت القوي السياسية علي انتقاده دون أن يسمع لها أحد ، أنه القانون الذي لم يعد مستهجناً فيه أن تفرد الساعات الطوال لتسريبات تفضح مكالمات خاصة بغض النظر عن الأصول المعروفة للقانون والأخلاق والحد الأدني لقواعد الذوق السليم ، أنه القانون الذي  لم يعد فيه  ما يخجل رؤوس الفساد وكهنة النفاق أن يبرزوا برؤوسهم مرة أخري كي يسخروا من دماء الثوار الشهداء الذين أصبحوا فجأة متآمرين خونة ، أنه القانون الذي سمح بأن يخرج مبارك وأقطاب حكمه من خلف القضبان بينما يحتجز الآلاف من شباب الثورة خلف تلك القضبان ، والمدهش أن ذلك كله يحدث بلا اعتراض أو امتعاض ..

لقد كنا نظن أنه أخيراً تحقق حلم الأجيال وهدف النضال الطويل .. تحطم جدار الخوف والرعب من السلطة ، أي سلطة .. كي توقظنا دماء الشهيدة شيماء علي حقيقة مؤلمة ، لندرك أننا مرة أخري في المربع الأول ..

كان الخوف ولا يزال مرضاً إجتماعياً كافحنا جميعاً للقضاء عليه ، فقد أتاح لدولة الظلم والفساد أن تتسيد علي حساب معاناة الفقراء والضعفاء ، وقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته ، وتسبب في شلل وعجز روح الإبداع والإبتكار والمغامرة التي تقتحم المستقبل لتحقيق غد أفضل من الأمس واليوم .. ولم يكن ممكناً تحرير الوطن قبل أن يتحرر المواطن من هذا الخوف ..

أما القانون فهو الدرع الإتفاقي الواقي للمجتمع من شرور هوي النفس ، وهو الضابط الضروري لحماية المجتمع من نفسه .. فعندما يحترم الإنسان إشارة المرور الحمراء ، فهو  يفعل ذلك حماية لنفسه وللآخرين من حوادث الطرق ولحسن إنتظام المرور .. وهو في ذلك لا يعد مجرد خائف أو خاضع لإشارة ضوئية أو لعسكري المرور ، وإنما مقر بإحترامه لقاعدة قانونية أو لائحة شارك هو في وضعها بشكل مباشر أو غير مباشر ..

 

ربما ما تمر به مصر حالياً من إختلاط وخلط وتشتت ليس غريباً أو مخيفاً باعتبار أن تلك هي سمات المرحلة الإنتقالية ،ولكن الغريب هو استمراء البعض لهذه الحالة ، والمخيف هو إقتران إنكسار نفوس الناس مرة أخري ، بحملة إعلامية تعبوية تكرس ذلك وتهلل له ، مع استمرار التخويف من الإرهاب ، بينما تشتبك النخب المعتبرة في صراع الديكة حول غنائم وفتات موائد السلطة .

لا جدال في أن العديد من الممارسات الأمنية كانت تفتقد إلي أبسط معايير العدالة ، وتنتهك أبسط حقوق الإنسان ، إلا أن ذلك لا يعني أنه ينبغي الإنقضاض علي الجهاز الأمني وتقويضه ، بل كان يجب في ظل إطار ثوري منضبط أن تنتقل العصا الأمنية من يد نظام فاسد أساء استخدامها ، إلي نظام جديد يضع المعايير الدقيقة وأسلوب للرقابة والمحاسبة تضمن ألا تستخدم هذه العصا إلا في إطار سيادة القانون ..وذلك هو ما لم يحدث حتي الآن ..

من الضروري أن تكفل الدولة كافة الحقوق والحريات التي أقرتها كل الأديان والقوانين والأعراف الدولية ، وهي لا تتفضل بهذه الكفالة ، بل هي ملتزمة بها باعتبارها أهم مواد العقد الإجتماعي ، ولا ينبغي أن يستخدم القانون لفرض القهر علي المواطن لأن تلك بالضبط توليفة صناعة الخوف من جديد ، وهي الصناعة التي تخلق الديكتاتور .

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان