27 - 09 - 2024

ذكريات عبد الناصر " الديكتاتور" !

ذكريات عبد الناصر

(أرشيف المشهد)

7-1-2015 | 18:15

بينما كنت أتصفح بعض أكوام أوراقي القديمة ، وقع بصري علي دفتر قديم يرتبط بذكرياتي التي كنت أكتبها بعد النكسة مباشرة ، فرغم عمق الصدمة وفداحتها ، إلا أنني عكفت علي الإستزادة من القراءة ربما في محاولة واعية أو غير واعية لإدراك حقيقة ما أصابنا ، وكنت أنقل أحياناً بعض ما تقع عليه عيني دون خطة معينة أو ترتيب مسبق ، وحين كنت أعود إلي بعض تلك الفقرات التي اكتظت بها أوراقي القديمة ، سواء بالنقل أو بالإبداع ، كنت أكتشف أعماقاً أخري لم تتح لي حين خططتها سواء لقلة الخبرة أو لإيقاع الحياة السريع ، حتي أصبح ذلك المخزون الضخم ثروة كامنة بين صناديق أوراقي ، أغترف منها من حين إلي آخر ، وأستعيد أزماناً مضت ، وأتأمل حاضراً يجري من حولي ، وأستشرف مستقبلاً يطل من شرفات الزمن ..

والفقرات التالية تجمعت في دفتري متتالية ، ولسوف أنقلها كما هي مع تفادي التعليق قدر الإمكان ...

في عدد " نيويورك تايمز " الصادر يوم 18 يونيو 1957 ، كتبت دانا آدامز شميدت : " أن عبد الناصر لا يزال رمزاً شعبياً في العالم العربي كله ، فهو يمثل القومية المعادية للغرب ، مع ترفعه عن المصلحة الشخصية وعدائه للفساد الماضي ، ولا يستطيع أن ينافسه في ذلك الملوك الثلاثة : حسين الأردن ، أو فيصل العراق ، أو سعود السعودية ، فهم ليسوا في مستواه . لذلك فأن أرباح الغرب تبدو تافهة إذا قيست إلي شعبية ناصر ، وفي الأردن علي وجه الخصوص ، فأن مشاعر المشايعين لناصر من اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن إخفاؤها إلا بقوة السلاح أن رجل الشارع المصري يري عبد الناصر بطله في الكفاح ضد الفقر والإمتيازات والظلم والفساد الحكومي ، وضد كل عوائق التنمية إلي الأفضل . أن الإصلاح الزراعي الذي قدمه ناصر ، رغم أنه لم يتقدم بشكل كبير حتي الآن ، إلا أنه بلا مثيل في أي مكان آخر في الشرق الأوسط ، وأعطي مصر أول حكومة نظيفة عرفتها علي مدي قرون . أن أسلوب حياته المتواضع ، وخصوصياته التي لم تقترب منها الفضائح ، وعدم قابليته للفساد ، وإخلاصه وشجاعته ، فضلاً عن سلوكه الشخصي الديمقراطي ، كل ذلك أدي إلي إتساع شعبيته ، وبث الثقة " .

وقد علق عبد الناصر علي ذلك لصحفي غربي قائلاً : " أنهم يقولون عني أنني ديكتاتور في أمريكا لأنني لا أتلقي أوامر منهم ، هناك أكثر من ديكتاتور يطيع وزارة الخارجية الأمريكية ، ولا يطلق عليهم أحد أي أسماء ، وإذا أطعت أوامرهم فربما أطلق علي الأمريكيون إسم الديمقراطي الطيب " .

وعندما زار خروشوف وبولجانين بريطانيا في أبريل 1955 ، فأن عبد الناصر تخوف من وجود صفقة بينهما ، فسارع بالإعتراف بالصين الشعبية في يوليو ، خاصة بعد ما صرح به أنتوني إيدن آنذاك من أنه تم التوصل إلي إتفاق ودي مع ضيوفه حول الشرق الأوسط ، فقد كان تفكير عبد الناصر أنه من خلال صداقته مع الصين يمكنه أن يحقق التوازن إذا كانت هناك أية صفقة إنجليزية / سوفيتية علي حساب العرب .

عندما سأله صحفي أمريكي عن الذي كان يعنيه عندما قال أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يشنون حرباً إقتصادية ضد مصر ، أجاب عبد الناصر : " لقد قمتم بتجميد عملتنا الصعبة ، ورفضتم أن تبيعونا القمح والأدوية عندما كانت لنا فيه حاجة ، لقد حاولتم أن تضعوا ضغوطاً إقتصادية كي نغير سياستنا في القناة . الفارق بينكم وبين حلفائكم أنهم حاولوا قتلنا بالقنابل ، بينما حاولتم أنتم قتلنا " بالوسائل السلمية " By peaceful means  بالضغوط الإقتصادية والتجويع ، ولقد فشلت المحاولتان " .. وفي رده علي سؤال عما إذا لم يكن متخوفاً من الإختراق الروسي إقتصادياً وسياسياً في الشرق الأوسط ، قال عبد الناصر : " أنظر .. أن المنطق الأمريكي يختلف عن منطقنا ، فأن الغرب لن يتاجر معنا ، ولن يبيع لنا أسلحة ، ويجمد ممتلكاتنا ، فماذا تتوقع مني أن أفعل ؟ ، أنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر " ..

وفي عدد الإيكونومست الصادر في 18 مايو 1957 ، جاء في أحد المقالات  " أن النجاحات المؤقتة التي يتم إحرازها في الشرق الأوسط تستند علي دوائر حكم ضئيلة سلطاتها ليس مستقرة بالضرورة ، ومهما كانت تلك النجاحات مريحة ، فأن قيمتها السياسية زائلة ، ففي النهاية لن يستطيع الغرب أن يتصل بالجسد الرئيسي للقومية العربية إلا من خلال مصر ، وسواء شاء العالم ذلك أم لم يشأ ، فأنها حقيقة قائمة في الحياة السياسية في الشرق الأوسط "  ويضيف " أن نتيجة محاولاتنا لعزل ناصر وتدميره بواسطة الضغط الإقتصادي سوف تكون محاولات فاشلة ، مثل محاولات فرنسا وبريطانيا الإستعمارية القديمة في "  دبلوماسية البوارج الحربية " Gunboat Diplomacy  ، " وأن هناك أسباباً للتوقف عن السعي لنهاية نظام ناصر .. فالذين يعرفون مصر لا يرون أي خليفة منطقي للنظام فيها إلا الفوضي ، والنتيجة شبه المؤكدة هي إنتصار الجناح اليساري المضاد للأجانب ، أو مثيل له أيضاً مضاد للغرب علي شكل الأخوان المسلمين ، وربما تحالف بين الإتجاهين .. لذلك فأن علاقة عملية مع قومية الشرق الأوسط تستحيل إلا أذا تمت بشروط مصر " ..

وفي لقاء صحفي بين عبد الناصر والصحفي ويليام أتوود نشر في مجلة لووك يوم 25 يونيو 1957 ، شرح عبد الناصر لماذا أمتنع عن التصويت علي قرار الأمم المتحدة الخاص بالغزو السوفييتي في المجر ، والواقع أنه لم يقلد نهرو في محاولة التحدث بشكل مزدوج ، ولم يلجأ للنفاق ، فقد أجاب ببساطة : " لأن الإتحاد السوفييتي كان الدولة الوحيدة التي أيدتنا في مجلس الأمن أثناء نزاعنا حول قناة السويس ، لقد إمتنعنا لإبداء الشكر " ، وفي إجابة علي سؤال آخر يتعلق بمدي إرتباط الإقتصاد المصري بالكتلة السوفييتية ، قال : " انه نفس مدي إرتباطه بالغرب لسنوات قليلة مضت ، وهل هذا شر في ذاته ؟ .. ليس لدينا سوي إحتياطي لمدة شهر من القمح في الشتاء الماضي ، ولدينا نقص في البترول ، ونحتاج بيع القطن . لقد توجهنا إليكم إلا أنكم خذلتمونا ، وبعد ذلك باع الروس لنا القمح والبترول واشتروا قطننا ، لقد ساعدونا كي نعيش ، نعم ساعدونا لنتخلص من هيمنة الغرب ، كيف يمكنني أن أقول أن ذلك شراً ؟ ".

مقالات اخرى للكاتب

ماذا جري لبعض المصريين ؟