26 - 06 - 2024

هل يصدق المنجمون هذه المرة ؟

هل يصدق المنجمون هذه المرة ؟

(أرشيف المشهد)

10-2-2015 | 18:42


لاحظت مؤخراً - وربما لاحظ غيري - كثافة الظهور والحضور للمنجمين الفلكيين وقارئي البخت ومفسري الأحلام ، فهم ضيوف علي فضائيات عديدة ، والمدهش أن ذلك يحدث في برامج سياسية في الأساس ، دون أن يشرح لنا أحد ما هي علاقة " حظك اليوم " بالسياسة ..

قد يعني ذلك أن أهل السياسة قد أفلسوا ، ولم يعد لديهم تحليل أو تفسير أو رؤيا ، وأصبحت الأوضاع عصية علي أي بحث جاد يتوصل إلي تشخيص صحيح وعلاج مناسب .. وهكذا لا يتبقي سوي اللجوء للرجم بالغيب ، وربما تضرب الطوبة في المعطوبة ، ويصدق المنجمون رغم أنهم في الأصل كاذبون ..

قيل أن المشير عبد الحكيم عامر كان يلجأ إلي قارئ بخت ( أو قارئة ) ، وأن التنجيم كان يأخذ موقعاً هاماً في آلية صنع القرار ،  وقد ذكر د. مراد غالب في مذكراته أثناء عمله كسفير لمصر  في موسكو  ، عن زيارة عبد الحكيم عامر له لحضور العرض العسكري في 7 نوفمبر 1966 ، ويقول مراد غالب : " اصطحبت المشير عامر إلي منزلي ، وجلسنا أمام المدفأة لأن الجو كان قارس البرودة - 13 تحت الصفر - جرنا الحديث إلي موضوعات شتي ، ولا أدري كيف وصل  حديثنا إلي الذين يقرأون الطالع ، ثم قال عبد الحكيم عامر : سأحكي لكم قصتي مع البخت .. لقد تصادف أن التقيت في الأسكندرية وأنا برتبة ملازم أول مع امرأة تقرأ البخت ، وقالت لي إنك سوف تحكم هذا البلد ، لكنك ستهوي علي الأرض وأنت في هذا الموقع العالي ، وقد تفارق الحياة عندئذ .. استطرد المشير وقال : كيف أقع علي الأرض .. أن شقيق عبد الناصر متزوج من ابنتي ، وأنا نائب الرئيس وقائد عام القوات المسلحة .. وعلق هو علي القصة بأنها هراء ، وأنه يحكيها لأنها قصة عجيبة ." 

وقد رويت روايات عن جلسات تحضير الأرواح قبل نكسة 1967 ، في محاولة لفهم تفكير موشي دايان ، وغير ذلك من الروايات ، ولا أعلم حقيقة ما صحة ذلك ، ولكنني صادفت أشخاصاً في مواقع هامة يأخذون هذه المسائل محمل الجد ، أحدهم مثلاً كان لا يقدم علي أمر قبل أن يستشير قارئة فنجان بعينها ، ومسئولة رفيعة المستوي كانت منتظمة في جلسات فتح المندل كي تعرف ما الذي يخططه خصومها..

وتجدر الإشارة إلي أن مصر لم تنفرد بهذه الخاصية ، فلعنا نتذكر الدكتور يوسف شاكير الذي كان يلقب بإسم " ساحر القذافي " ، ويطل يومياً من قناة " الجماهيرية " الليبية كي يتحدث طويلاً عن أعمال السحر وعلامات النصر التي أخبره الجن بها .. إلخ ، وكلنا يعرف كيف تحققت نبؤات شاكير ولكن بعكسها ، حيث أنتهي الأمر بالقذافي إلي القتل والسحل والتمثيل بجثته ، ولعله في لحظاته الأخيرة كان مندهشاً من عدم تحقق نبؤات ساحره الأثير ..

وللإنصاف ، فأن العرب لم يستقلوا بهذا ، فكل شعوب العالم بلا استثناء لديها ذلك التعلق بوهم قراءة الغيب أو المستقبل  ، ولم يقتصر الأمر علي العصور السحيقة فقط ، وإنما استمر ذلك مع الحضارات البشرية المختلفة ، حتي عصرنا الحديث ، ولقد قرأنا عن عرافة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ، و العرافة الفرنسية ( إليزابيث تيسيه) التي أصدرت كتاباً تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس فرانسوا ميتران أوضحت فيه أنها كانت المستشارة الروحية له طيلة السنوات الست الأخيرة من حياته ، ويقال أن  ميتران لم يكن مقتنعاً في البداية بما ترويه له المنجمة إلى أن اقتنع أخيراً بأخبارها نتيجة كل ما سردت له من وقائع وأحداث اعتبرها متطابقة مع دورة الأفلاك في برجه برج العقرب ، ثم ازدادت مكانتها بعدما تنبأت له بوقوع حرب في بداية التسعينات فكانت حرب الخليج الثانية، وأصبحت معروفة في أوساط القصر الجمهوري .

اشتهرت أيضاً السيدة دجونا العرافة المعتمدة للرئيس الروسي الأسبق بورليس يلتسين الذي كان يثق فيها أكثر من ثقته في مستشاريه ، والقائمة لا تنتهي من تلك الأسماء التاريخية الشهيرة التي ارتبطت بالعرافين والمنجمين ..

ويبدو أنه في منطقتنا العربية ، ولأسباب كثيرة ليس هذا محلها ، أصبح التنجيم أحد خواصنا القومية ، حيث يلجأ الإنسان إلي قارئ للطالع كي يقرأ له مستقبلاً أفضل ، في حين تعطلت أو غابت أو غيبت أدوات الفعل الإيجابي للتغيير .

لذلك لم اندهش كثيراً لتصدر قارئي البخت و" علماء " النجوم صدارة المشهد خلال الفترة السابقة ، فذلك ليس إنعكاساً لعجز الواقع وإفلاسه فقط ، وإنما يبدو ترتيباً ممنهجاً لتصدير أوهام بعينها للرأي العام ، فقد اتفق أكثر من عراف وبشكل مريب علي أن الشهور القادمة تحمل صعوبات أضافية ، وبأن نجم الرئيس السيسي في صعود ، وبأن نجم الأخوان في هبوط .. وكأنها نجوم تفصيل علي المقاس ..

لا وجود للخرافة في مجتمع ينشد التقدم ، ولا أظن أن العقلاء ينبغي أن ينصتوا لهذه الترهات التي يعلم الله وحده من يختبئ وراءها ، وأذكر الجميع أن القرآن الكريم والحديث الشريف كانا واضحينْ باستبعاد التنجيم وعدم جواز العمل بمقتضاه.. فقد قال تعالى: )وما كان الله ليطلعكم على الغيب( (آل عمران 178 ) ، وقال: )قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضَراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون( (الأعراف 187 ) ، ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم : " كذب المنجمون ولو صدقوا " .

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان