26 - 06 - 2024

إعلاميون شعارهم "هاتوا لى راجل" !!

إعلاميون شعارهم

(أرشيف المشهد)

9-3-2015 | 16:58

ضحك الناس لبعض الوقت حين أطلق أحد الشيوخ ذات ليلة شعار "هاتوا راجل"، إلا أنهم مؤخرًا لم يعد يثير دهشتهم أو تعليقهم صيحات الحرب التى يطلقها بعض الإعلاميين كل ليلة، والتى وصلت إلى حد المطالبة بذبح جزء من الشعب.. وكان أحدهم يقول بشكل مثير: "دم دم.. عايزين جثث".. ثم يتحدى ويطالب المسئولين بأن يكونوا "رجالة"، ويهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور...

لقد حدث ما حدث، وسوف يتكرر، ولا ينبغى لأحد أن ينزعج أو يبادر بإطلاق الأحكام المطلقة، فتلك أمور تحدث للأسف فى أزمنة الانحطاط، والمشكلة أن التصدى لهذا التردى محفوف بالمخاطر، لأن هناك مجموعة من الشعارات سابقة التجهيز، مغلفة ومحفوظة للاستخدام فى مثل هذه المناسبات، فأنت متهم بالخيانة والعمالة ( وربما إخوان فوق البيعة ! ) إذا حاولت أن تحذر أو تسلط الضوء على خفافيش المجتمع.

ولاأخفيكم أننى ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذا المقال، ربما لتفادى أولئك الذين قد ينقضوا ويمطروننى بقذائفهم النارية المتتالية، ترددت أيضًا لأن الكلمة مسئولية يجب أن نتوخى أكبر قدر من الحذر قبل إطلاقها، وخاصة بين أولئك الذين يعتبرون – بشكل أو بآخر – قادة الرأى فى المجتمعات، ومن المعلوم أن الناس تفترض أن الكاتب لديه المعلومات، وبالتالى فهو يعرف أفضل من غيره، ويصل الأمر أحيانًا إلى أن ما تنشره وسائل الإعلام يحظى بمصداقية عالية إذا استجاب لرغبة أو غرائز القارئ أو حتى أوهامه.

لقد وصل التبارز الإعلامى إلى درجة من الانحطاط غير مسبوقة، سواء من حيث الكلمات المستخدمة أو المعانى التى تم استهدافها، ومن المؤسف أن بعض المسئولين استدرجوا إلى هذه المبارزة وانساقوا إليها دون حذر، ربما بحثًا عن شعبية أو استجابة لغرائز لا ينبغى أن يضعف أى مسئول أمامها، فصار المسئول الرياضى يتحدث فى السياسة، والمسئول السياسى يتحدث فى الرياضة، واختلط الحابل بالنابل، وازداد التنابز بالألقاب وتبادل الاتهامات، والتعبئة التى تشبه إعداد مجتمع لحرب قادمة..!

واعترف أن ما يهمنى فى هذا المقال بالدرجة الأولى هو وعى وعقل الشعب المصرى، فمهما كانت الجراح التى تفتحت والدماء التى نزفت، من الضرورى أن نضع الأحداث فى سياقها الصحيح، وأن نحاول فك التشابك والتعقيد الذى تسببت فيه تلك الأحداث، ولا ينبغى لأحد أن يتبرع بإلقاء الاتهامات جزافًا أو بادعاء الوطنية فى غير محلها..

يحاول البعض دائمًا الاصطياد فى المياه العكرة، بتحميل أى موضوع أثقال سياسية وتاريخية لا محل لها، ثم تجد محطة فضائية معينة تقوم بتخصيص برامج ويتعمد مقدم البرنامج المذاع على الهواء توجيه أسئلة إلى المشاهدين لتسخين البرنامج، ومن الطبيعى أن يستجيب إليه المتعصبون بمكالمات تليفونية ساخنة من الجانبين، ثم يدعى مقدم البرنامج فى النهاية أنه يهدف إلى تهدئة النفوس!!.. إنه إسفاف إعلامى بكل معنى الكلمة، خاصة وأن نفس المحطة تحرص بدأب على إذاعة ما يزيد النار اشتعالًا على مدى أيام متتالية..

ولن أتحدث هنا عن أثر ذلك على الشباب لأن أزمة الناضجين والمثقفين والنخب أشد تعقيدًا، فالشباب بطبيعة المرحلة السنية متحمس ومندفع إلى درجة التهور، إلا أن الحاضنات الثقافية والإعلامية الموضوعية تستطيع إلى حد كبير ترشيد وتهذيب هذا التهور، ولا ألوم شابًا مصريًا  أيًا ما كان انتماؤه على انفعاله وتحمسه، فلو كان الشباب غير منفعل ومتحمس فى أى مجتمع، فعلى هذا المجتمع أن يراجع نفسه، فالمشكلة إذًا ليست فى هذا الحماس والإنفعال، وإنما فى توظيف ذلك فى إطاره الصحيح، وهى مهمة النخب وقيادات الرأى، الذين ركب بعضهم موجة الحماس إلى درجة التعصب الأعمى.

لا عيب فى أن يكون للإنسان انتماء، سواء لوطن أو هدف أو قضية أو لحزب أو لناد رياضى، ولكن العيب هو الفصل بين القيم التى ينبغى أن يتحلى بها هذا الانتماء، وبين مجرد الانحياز الأعمى المجرد من القيمة، فالذى يحارب فى جبهة القتال دفاعًا عن وطنه، لا يفعل ذلك شهوة فى القتل أو استجابة لغريزة الدمار والوحشية، وإنما من أجل مجموعة من القيم النبيلة، والذى يسعى لتحسين ظروفه الاقتصادية يفعل ذلك بجهده وعرقه، وليس باستخدام النهب والسرقة والفساد، والرياضة مثل الفنون والآداب ترويح للنفوس واختيار ومزاج، فأنت تفضل هذا الكاتب وغيرك يفضل كاتبًا غيره، وأنت تشجع النادى الأهلى وغيرك يشجع ناديًا آخر، وهذا الاختيار لا ينبغى أن ينعزل عن القيمة التى يمثلها الأدب أو الفن أو الرياضة، قيمة الرياضة مثلًا بناء الأجساد السليمة، وتغذية روح الفريق، وإعلاء قيمة التنافس السلمى والروح الرياضية، وأى سلوك يبتعد عن هذه القيم يخرج عن الرياضة.

وقد لا يكون من المجدى فى هذا المجال تكرار الأنغام المألوفة عن التاريخ النضالى لبعض الأدعياء المتصدرين للمشهد الإعلامى، إنه منطق أعوج لا يمكن أن يستقيم، فالسياسة بالتعريف هى فن الممكن لتحقيق المصلحة من خلال علاقات التعاون والصراع،ومن غير المفهوم أن يتصدى بعض ممتهنى السياسة للعمل الإعلامى، أو استخدام المنصات الإعلامية كحرفة إضافية للتلميع السياسى!! أو للصراخ كل ليلة بـ"هاتوا لى راجل".. والله يا شيخ عرفنا أنك محامى الدولة الأول، رغم أننى أشك أنك أو أمثالك تفهمون معنى ذلك..

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان