26 - 06 - 2024

نطير أو لا نطير.. ذلك هو السؤال ؟

نطير أو لا نطير.. ذلك هو السؤال ؟

(أرشيف المشهد)

16-3-2015 | 14:28

تزايدت إجراءات التأمين المطلوبة لركوب الطائرات بعد أحداث 11 سبتمبر فى نيويورك وواشنطن، وأدى ذلك إلى تعطيل كبير فى حركة المسافرين عن طريق الجو، وأصبح الزحام فى المطارات لا يطاق، وتحول السفر الجوى إلى نوع من العذاب، حيث يتعين على المسافر أن يتوجه مبكرًا إلى المطار ليقف فى صفوف الإنتظار الطويلة خلف حواجز التفتيش المختلفة، مع التعرض لكل الأجهزة والآلات اليدوية والميكانيكية والإشعاعية، ثم عليه بعد ذلك أن يقبع فى مقعده بالطائرة متوجسًا يتلفت يمنة ويسرة إلى جيرانه متبادلًا معهم نظرات الشك والريبة بل والإتهام، فإذا تحرك أحدهم حركة غير مواتية ( كأن يتأهب للتوجه إلى دورة المياه مثلًا ) قفز الراكب وربما معه ركاب آخرون للإمساك بالرجل المحصور، وإذا مرت الطائرة بمطب هوائى مفاجئ، سقطت قلوب الركاب هلعًا من احتمال أن تكون تلك آخر لحظاتهم فى الحياة..

ورغم كل هذه الإجراءات الجديدة والمحكمة، نجح راكب يحمل جواز سفر بريطانى أن يتخطى كل تلك الحواجز ويخفى متفجرات فى حذائه، وكان ما ترتب على ذلك هو من أطرف المشاهد وأمتعها فى مسلسل الإرهاب، فقد أصبح الركاب فى المطارات يخلعون أحذيتهم ويسيرون حفاة وكأنهم يدخلون إلى ساحة مقدسة، بينما أعلنت إحدى الشركات عن توصلها إلى اختراع جديد يتيح نقل صورة مجردة للمسافرين من خلال تسليط شعاع معين يعكس أجسادهم عارية على شاشة للمراقبة، أى أن المسافرين سوف يمتعون جهات الرقابة فى كل المطارات بصورهم العارية.

ومن المتصور أن تلك ليس هى نهاية مسلسل الإرهاب، فليس من المستبعد أن يتفتق ذهن الإرهابيين إلى إخفاء متفجرات فى ثقوب معينة بأسنانهم، وبالتالى يضاف إجراء أمنى آخر يقتضى كشف إجبارى على أسنان الركاب، مع التصريح بخلع أى سنة مشكوك فيها، كما أنه لن يكون غريبًا أن يلجأ إرهابيون آخرون إلى إخفاء متفجرات فتاكة فى أمعائهم وتفجيرها بواسطة كأس ويسكى مع عود كبريت، وقد يقومون بإخفاء المتفجرات فى آذانهم، أو تحت فروة الرأس، أو بين رموشهم، وليست هناك نهاية للخيال الدموى فى هذا المسلسل المأساوى..

وهكذا لن يمر وقت طويل حتى يصبح من المتعين على المسافر جوًا أن يتوجه إلى المطار فى موعد لا يقل عن أسبوع قبل سفره حتى يمر بكل إجراءات التأمين المطلوبة، وذلك أمر غير محتمل وقد يقضى على صناعة الطيران نفسها، لذلك فلا بد أن عبقرية الغرب سوف تتفتق عن أفكار أخرى للعلاج، منها مثلًا أن يتم تخدير الركاب بمجرد أن يأخذوا مقاعدهم فى الطائرة مع إعطائهم جرعة مناسبة من المخدر تكفى لطول الرحلة، وقد يفضل حرمان جنسيات وألوان بشرة معينة من استخدام الطيران من أساسه حماية لسلامة الجنس المتفوق الذى لا يعرف الإرهاب ويريد أن يتمتع بمزايا الطيران فى الجو.

إلا أن كل هذه الحلول لا تعد حاسمة ونهائية، فحتى لو طارت الطائرات بدون ركاب على الإطلاق نكاية فى الإرهابيين، فليس صعبًا استخدام عصافير إرهابية لاصطياد الطائرات فى الجو، لذلك فلا مناص من اللجوء لاستخدام وسائل النقل الأخرى مثل القطارات والسيارات، فهى رغم أنها تستغرق زمنًا أطول فى الرحلة، ولكنها أكثر ضمانًا لاستمرار رحلة العمر نفسها.

ولكن ذلك الحل الأخير لن يساعد كثيرًا فى حماية أرواح المسافرين، إلا فى حالة إذا كانت تلك الرحلات البرية مصحوبة بفرق مدرعة تحميها مظلة جوية من المقاتلات، وذلك يؤدى إلى زيادة رهيبة فى أسعار تذاكر السفر البرى، وبالتالى فذلك ليس حلًا اقتصاديًا.

وربما استطرادًا فى التحليل يكمن الحل فى حافلة الصحراء الشهيرة "الجمل"، وذلك حل قد يكون عبقريًا، فالجمل غير مكلف اقتصاديًا حيث إن نفقات تشغيله يسيرة للغاية، وحتى بفرض تعرضه لعملية إرهابية فأن الخسائر لن تكون كبيرة، فضلًا عن أن لحمه سيكون وجبة لها قيمتها، والخلاف الوحيد الذى قد يدور حول هذا الحل، هو مسألة الانتماء، فلا شك أن الجمل له انتماء عربى أصيل، وليس من المستبعد أن يقوم الجمل بنفسه نظرًا لهذا الانتماء بتنفيذ عمليات إرهابية على المسافرين المتحضرين، بأن يعض أحدهم أو يرفسه فى منطقة حساسة، أو أن يركض به ويقفز منتحرًا إلى هاوية جبل.

وقد لا يبقى أمام العالم سوى اللجوء إلى الحل السحرى المضمون لجميع الأوجاع، وأعنى به "الخصخصة"، أى أن يتم خصخصة الطيران، ليس من خلال خصخصة الشركات نفسها، وإنما من خلال عملية الطيران نفسها، وشرح ذلك يسير حيث يتم اختراع أجنحة معينة يمكن لكل إنسان أن يرتديها ويطير وحده فى الفضاء، وذلك يتفق بلا شك مع النظرية الفردية وتحرير الأسواق، لأن الطيران الجماعى على أى حال هو صورة من صور الاشتراكية التى عفى عليها الزمن، وسوف يكون ذلك جميلًا وشاعريًا، حيث يمكن بالفعل أن يلتقى العشاق فوق السحاب، ونطير.. نطير زى العصافير، كما كان يتمنى فريد الأطرش !!..

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!





اعلان