25 - 06 - 2024

ارحل يعني امشي!

ارحل يعني امشي!

(أرشيف المشهد)

31-10-2012 | 12:15

للولايات المتحدة الأمريكية في مصر، ثلاثة مآرب ومصالح استراتيجية، لا يتصور إلا واهم أن حكومةً ما، تستطيع في الوقت الراهن، اتخاذ قرار يضر بها.

المصالح الثلاث، يلخصها الثعلب العجوز هنري كسينجر في: ضمان حرية الملاحة في الشريان الملاحي الأهم، قناة السويس، وبقاء اعتماد الجيش المصري في تسليحه على السلاح الأمريكي، واتفاقية كامب ديفيد، وفيما عدا ذلك، فإن كل أمر يخضع للتفاوض، وبقدر ما يمتلك كل طرف أوراق ضغط، بقدر ما يحقق مكتسبات.

هكذا هي السياسة، مفاوضات ومصالح تتضارب وتتشابك وتتصالح وتتعارض، ولا مكان فيها للأحكام القيمية، فالمفاوض حين يجلس إلى مائدة مستديرة، يقلب الخيارات، ويحدد سقفاً لما يمكن التنازل عنه، وما لا يمكن.

كسينجر الذي لم يأتِ بجديد، حين حدد المصالح الثابتة لواشنطن مع مصر، قال في تصريح مهم ولافت للانتباه: إن حاكماً أياً من يكون لمصر، لا يجوز له المساس بهذه الملفات الثلاثة، وقد أبدى الإخوان المسلمون "تفهمهم" لحساسية الموقف الأمريكي.. هكذا قالها بوضوح فاضح، والغريب أنه أطلق هذا التصريح، قبل وصول الإخوان إلى الحكم بنحو ستة أشهر، وقبل إعلان الجماعة نيتها التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية، ووقتما كان قياديو مكتب الإرشاد، وعلى رأسهم المرشد العام وخيرت الشاطر والرئيس محمد مرسي، يطنطنون ويتشدقون بأن الجماعة لن تريد الرئاسة، ولا تعتزم ترشيح رئيس!

كلام كسينجر لا يفهم منه إلا أن الجماعة، لمّا كانت تقول للشعب المصري كلاماً، كانت في ذات الوقت، تقول عكسه للإدارة الأمريكية، وكانت تدرس خياراتها، وتتفاوض للوصول إلى قصر الرئاسة، بعبارة أخري و"بالبلدي" كانت تكذب، بما يخالف الشرع والضمير.

هذه "جريمة" علينا تجاوزها الآن، حتى لا نهدر وقتاً في البكاء على لبن مسكوب، فالأهم في هذه المرحلة، أن نعرف حجم التنازلات التي قدمتها الجماعة، لتحقيق هدفها الذي تشتاق إليه منذ ثمانين عاماً، وأن نعرف نوعية الصفقة التي أبرمتها في الظلام، من وراء المصريين.

المؤشرات أمام كل ذي عينين، ليس عليهما غشاوة، ولا ينظر لجماعة الإخوان وفق المثل العامي: "حبيبك يبلع لك الزلط" توحي بأن التنازلات جسيمة، وموجعة لكرامة مصر التي ثارت على خنوع المخلوع، وانبطاحه أمام الإرادة الأمريكية والصهيونية، وما ظهر خلال الأشهر القليلة الماضية، من شواهد، يكشف أن الحاكم الجديد، قد وقّع لواشنطن وتل أبيب، "وصل أمانة" على بياض، يضمن لهما أن لا خروج من حظيرتيهما.

تدجين القرار المصري، وترويض الإرادة الوطنية، يبدو واضحاً أكثر مما ينبغي، في خطابات الغرام بين مرسي ونظيره الإسرائيلي، والقول بأن نص الخطاب الأخير، نص قياسي ثابت، تعتمده مؤسسة الرئاسة، في المخاطبات الرسمية، قول لا تستسيغه عقول البشر، ولا يرضي إلا الخراف، ذلك أن للرئيس جيشاً جراراً من المستشارين، وقد كان بوسعهم "لو أمر" وضع صيغة خطاب، لا تتمنى "لدولة الاحتلال" دوام التقدم، ولا تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية في الوقت ذاته.

على أن الخطاب "سيء السمعة" لا يعدو شيئاً بالمقارنة مع مواقف أخرى، تبدو أعمق تأثيراً وأكثر أهمية، وتبدو مؤسسة الرئاسة أمامها كأن من بين أيديها سداً ومن خلفها سداً، على أعينها غشاوة لا تبصر، ألا وهي جريمة سرقة الغاز المصري من البحر المتوسط، فرغم ما أثير تلفزيونياً، وما كتبه صحفيون يبتغون وجه الحق، ويستسقون تفسيراً يروي الظمأ إلى الحقيقة، لا حس ولا خبر من الرئيس ودهاقنة عشيرته، الذين "تندلق" من أفواههم التصريحات في أتفه الأمور وأدناها شأناً، كذاك الذي اعتبر حجاب مذيعة إيذاناً بدخول الإسلام إلى مصر، والآخر الذي لا يرى ضيراً في تسجيل المكالمات، إلى آخر الحماقات التي تهاجمنا كأسراب جراد.

القضية خطيرة..  ومازالت الرئاسة مثل "فص ملح ذائب كلياً"، والإسرائيليون يغريهم الصمت، فيواصلون السرقة، ويبيعون المسروقات، وأموال الشعب المصري وثرواته، تدخل خزائن الاحتلال، والرئيس يغرق في صمته، وجماعته التي كانت تنظم المظاهرات، وتجاهد "حنجورياً": "خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود" غائبة عن الوعي كمريض دخل في غيبوبة سكر مرتفع.

ما الموقف إذن.. وماذا وراء الصمت؟

هل الصفقة بين البيت الأبيض والجماعة "كسرت عينها" إلى هذه الدرجة المهينة من التخاذل، أم أن الذين اعتلوا سدة الحكم، لا يعرفون ماذا يفعلون لمنع سرقة مصر؟

الصمت ليس يجدي في هكذا أمر، وما لم يقدم الرئيس للشعب تفسيراً لما يحدث من وراء ظهره، فعليه أن يرحل، ويترك الأمر لآخر مؤهل، شأن وقف الاستيلاء على ثروات مصر وكرامتها.

عليه أن يرحل إن لم يفعل و"ارحل يعني امشي"

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

ارحل يعني امشي!





اعلان