21 - 06 - 2024

الراحل محمد حسانين .. وراء كلِّ عظيمٍ امرأة !

الراحل محمد حسانين .. وراء كلِّ عظيمٍ امرأة !

في كَنفِ بيتٍ يضربُ بجذوره في ميدان الطُهر والنُبل والعفاف، ترعي شئونَه امرأةٌ صوَّامة قوامة، لسانُها رطبٌ بذكر الله، تقرأُ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، تقومُ الليلَ لا ترقدُ منه إلا قليلا، وتصلُ ليلَها بنهارها في خدمة زوجها وأولادها، تفتحتْ عينا الأستاذ الراحل محمد السيد حسانين علي صورة تلك الأم، التي لا تُفارق المصحف بليلٍ أو نهار، ولا تملُ التلاوة والذكر، ولا تتعبُ من القيام والركوع والسجود .. لسان حالها : وعجلتُ إليك ربي لترضي .

رأي الراحلُ أمه لا تفتأ تمدُ يد العون لكل مُحتَاج، وتغيث كلَّ مكروب، وتمسح دمعة كلِّ مهموم، فتأصلتْ في نفسه معاني النبل، والشهامة والكرم والسخاء بعدما نزلتْ سماحةُ أمه ( لبيبة) علي نفسه بردا وسلاما، فسلك منذ نعومةِ أظفاره طريقَ الجد، وامتاز بعلو الهمة، والجَلدِ في الدراسة والتحصيل، فأنهي سنوات دراسته بتفوق؛ ليلتحق بعد تخرُجِه في مدرسة المعلمين بسوق العمل، ويعمل مُدرسا بالمرحلة الإبتدائية، فتجوبُ شهرته الآفاق، ويترقي في سلمه الوظيفي في سرعة البرق، ويُعارُ إلي أكثرَ من بلد عربي، فيترك بصمة واضحة في الجِد والإخلاص والتفاتي، وتتخرج علي يديه أجيالٌ عديدة في مصر واليمن والجزائر - وأفتخر أنني واحدٌ منهم - يدينون له بالفضل، ويعترفون له بالجميل .

نشأ الراحلُ محمد السيد حسانين في مدرسة الحاجة لبيبة محمد حسانين، الحافظة المُتقِنة لكتاب الله، والتي حباها الله من خصال الخير والطهر والعفاف ما يجعلُها مدرسة يقصدُها كلُّ من ينشدُ النبل والنقاء، وكيف لا، وهي سليلةُ بيتِ فضلٍ وعلم، إذ كان الشاعرُ الكبير العوضي الوكيل صاحبُ العقاد أحدَ أقاربها، ويحكي أسلافُنا أن قصيدته المعروفة، التي يقول فيها :

شجـرُ المشمـس ازدهـــر / وغدا أبيـضَ الغــرر

وسري البشر في الغصون /  نضارا وفي الزهـر

قيلت وسط حقول المشمس بقريتنا أثناء زيارته لقريبته (لبيبة) رحمها الله .

الراحلُ الكبير محمد السيد حسانين، نموذجٌ يُحتذَي في الإدارة، التي تجمعُ إلي جانب الحزم اللين، وإلي جانب الجِدِّ المرح، وإلي جانب الانضباط استخدام روح القانون، الذي يرحمُ به الضعيف، ويُساعد به المُحتاج، ويُفرجُ به همَّ المكروب، ويُشفقُ به علي المرأة (الشقيانة)، وهو ما جعله ناجحا في عمله، موضعَ حبِّ تلاميذه، واحترام زملائه ومرءوسيه .

عُرف الفقيدُ بشياكته، وأناقته مُنقطعة النظير، وبينما أكتب سطورَ هذا المقال، تعود بي الذاكرة إلي أكثر من ٣٥ سنة؛ لأستخضر كيف وقف الراحل في طابور الصباح، فارعَ الطول، يرتدي بالطو من الجوخ الثقيل، يحميه بردَ الشتاء، وعلي وجهه نظارةٌ شمسية، تُخفي عدساتُها السوداء حدقتي عينيه، رغم أنه يري كلَّ صغيرة وكبيرة، فبدا ساعتَها أشبه بقائد كتيبة عسكرية، أو أحد نجوم السينما .

رافَقَتْ المُربي الراحل زوجةٌ كانت بحق حوريةً من الجنة ( نبلا وإخلاصا ووفاء)، فأحسنتْ تربيةَ أولادها، ووقفتْ إلي جوار زوجها يدا بيد، يبنيان مجدَ بيتٍ قام علي المحبة والصدق والإخلاص؛ لتُثبت أن وراء كلِّ عظيم امرأة عظيمة !

امتاز الفقيدُ - رحمه الله - بذكاء خارق، وذهنٍ وقَّاد، جعله زينةَ المجالس، يُرجَع لرأيه، ويُذعِنُ الكلُّ لما يقول؛ لما حباه الله به من رؤية استشرافية، تزنُ الأمور بميزان دقيق، وتضع كلَّ شيء في موضعه .

رَحمَ الله الفقيدَ الكبير، وزوجته الوفيَّة، وبارك في ذريته وأحفاده .
---------------------------
بقلم: صبري الموجي

مقالات اخرى للكاتب

المربي الكبير حمد البوعلي .. و(سوانحُ المحبة)!





اعلان