30 - 06 - 2024

الحرب على الجشــع

الحرب على الجشــع

بدأ الإسلام ينتشر بعد نزول الوحي على سيدنا محمد بعدد من الطرق؛ سواء بفتوحات المسلمين، أو عن طريق الدعوة، أو عن طريق التجّار المسلمين الذين كان لهم دور واضح في نشر الإسلام. 

وكان التاجر المسلم معروفًا بالصدق والأمانة والسماحة، وكانوا يطبقون تعاليم الدين الإسلامي فلا يقربون الربا أبدًا، وإذا عقدوا اتفاقًا مع الغير لا يخلفونه أبدًا، وكان لذلك كله دور بارز في المساندة بنشر الإسلام في المناطق التي نزل بها التجّار.

والاسلام نهى عن الاحتكار وحارب هذه الظاهرة التي كانت منتشرة قبل ظهوره، حيث كان التجّار يحتكرون البضائع في بعض المواسم ويحبسونها عن الناس من أجل استغلالهم، وبذلك يربحون الكثير من الأموال.

ولا شك أن الاسلام نهي عن ذلك لما له من أضرار كبيرة على المجتمع من كل النواحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم-: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ الله منه".

والاحتكار واتفاق التجّار على الاسعار وغيرها من الممارسات التجارية غير المشروعة يحرم المستهلك من الاستفادة من انخفاض الاسعار العالمية للسلع كما يحدث اليوم للعديد من الأصناف حول العالم.

أما طريقة التعامل مع التجّار المحتكرين ينظمها القانون، حيث يتم ضبط الكميات المخزنة، وطرحها في الأسواق بالأسعار المحددة بعد قرار النيابة بينما الأموال المُحصلة نتيجة بيع السلع المُخزنة تدخل خزنة المحكمة على ذمة القضية لكن نرى ذلك ليس كافيًا وضرورة وضع حلول فورية نحو تشديد الرقابة على التجّـار لاسيما بعد الارتفاع الكبير في الاسعار، ونحتاج إلى اجراءات حازمة، ورقابـة مباشرة على التجار، ولو اقتضى الأمر صياغة تشريعات استثنائية لمواجهة هذا الجشع الذي انتشر على خلاف تعاليم الدين أو القانون.  

وقد يكون ذلك بأن تتولى الدولة بنفسها استيراد كل السلع الاساسية مع تخفيض ضريبة المبيعات عليها مما يخفف حدة الارتفاعات وهو ما يغلق الباب أمام الشركات التي تتحكم في السعر بسبب عدم وجود رقابة شاملة عليها إلى جانب ضرورة خلق سوق موازية، وتغليظ العقوبة على كل تاجر أو شخص يقوم بممارسة الاحتكار، ومنع إساءة استغلال الوضع المهيمن من أيّ شركـة، وتنظيم عمليَّات التَّركيز الاقتصادي، وتغليظ العقوبات على المخالفين لأحكام القانون.

وكذلك لا يمكن الاكتفاء بجمعية حماية المستهلك أو وحدة رقابية صغيرة تابعة للوزارة وإنما الامر يقتضي انشاء وزارة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء للحد من حالة الانفلات السعري التي تشهدها الاسواق.

***

يجب على الحكومة مواجهة جشع بعض التجّار واعلان الحرب عليه بإعادة النظر في التشريعات المتصلة بالتجارة بما فيها العلاقة بين القطاعين العام والخاص وإيجاد دور مباشر وفاعل للدولة في ضبط الاسعار ومواجهة الاحتكار وتغليظ العقوبات وتقليل التركز في سلع محددة، وفتح المجال امام دخول منتجين جدد لزيادة المنافسة فيما بينهم.
-------------------------------
بقلم: محمد جلال عبد الرحمن
بريد إلكتروني: [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سلطــة المحكمة التجارية في إحضـار شاهـد بالقـوة الجبـريـة في النظام السعودي





اعلان