30 - 06 - 2024

فلسطين .. الفرص الضائعة "صرخة" لإنقاذ وطن وشعب

فلسطين .. الفرص الضائعة

- الولايات المتحدة لا تتحرك إلا لحماية إسرائيل وتهدئة التوترات التي تُشكل خطراً على مصالحها
- حرب المال عند أمريكا أداة لحروب السياسة والسلاح
- نحن أمام تكرار لمشهد سحب تقرير جولدستون وما تخلله من تفرد وما أعقبه من فوضى وتلعثم وبلبلة
- مواجهة التحديات السياسية الكبرى تتطلب مراجعة التجربة بجرأة وصدق ومسؤولية وتغييرً يشمل أساليب عملنا وأدواتنا، واستعادة وحدتنا

كشف موقع والا العبري، مساء الأحد 19 فبراير 2023، أن واشنطن نجحت تحت ضغط شديد من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ، في التوصل إلى تفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لخفض التوترات في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن هذا "التفاهم" يقضي بتعليق الإجراءات أحادية الجانب من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لبضعة أشهر، على أن (تعلق السلطة نشاطها ضد "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وأن تؤخر "إسرائيل" الترويج لخطط البناء.

وفي تحرك ذي صلة أبلغت مندوبية دولة الإمارات العربية المتحدة مجلس الأمن الدولي بأنه لن يكون هناك تصويت اليوم "الاثنين" على مشروع قرار تقدمت الإمارات به ، باعتبارها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن حالياً، بالتعاون مع المراقب الفلسطيني، بشأن المستوطنات الإسرائيلية.

ونقل الموقع العبري عن مصدرين مطلعين أن هذا التفاهم تم بعدما تلقى الرئيس محمود عباس، السبت، اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جرى خلاله البحث في مستجدات القرارات الإسرائيلية التي تنتهك الاتفاقات الموقعة، وقرارات الشرعية الدولية، وتفاقم الوضع القائم على الأرض، والقرار الفلسطيني بالتوجه إلى مجلس الأمن، لرفض الممارسات الإسرائيلية.

وكان الرئيس الفلسطيني يُصر على ضرورة الزام إسرائيل بوقف جميع إجراءاتها، بما يشمل الاستيطان وهدم المنازل واقتحامات المدن والقرى والمخيمات والمسجد الأقصى المبارك، وأعمال القتل، وتنصل الحكومة الإسرائيلية من الاتفاقيات الموقعة، كما كان يطالب الإدارة الأميركية بالتدخل السريع والفاعل للضغط على إسرائيل، لوقف جميع هذه الإجراءات الخطيرة، بما يفتح الأفق السياسي لتنفيذ حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية.

من جانبنا، كنا نقول: إن العبرة في القادم وفي تمسك السلطة ومنظمة التحرير بالمسار القانوني الدولي دون أي تراخ أو تأجيل أو إصغاء للضغوط والتهديدات الأمريكية، ووضع استراتيجية تحرك سياسي ودبلوماسي وقانوني لملاحقة إسرائيل على انتهاكاتها وجرائمها ضد الشعب والأرض الفلسطينية المحتلة ، بما فيها الاحتلال والقتل والاستيطان وهدم البيوت والقرى والترحيل القسري للفلسطينيين والفصل العنصري والاستيلاء على الأرض وبناء وتوسيع المستوطنات وتشريع المستوطنات العشوائية. 

كما كنا نطالب بمتابعة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإحالة قضية "انتهاك إسرائيل" المتواصل لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واحتلالها طويل الأمد واستيطانها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس، إلى محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري قانوني بشأن الأثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة" أي (فتوى قانونية من المحكمة حول ماهية أو "المعنى القانوني للاحتلال الإسرائيلي المتواصل للضفة الغربية والقدس الشرقية وان تقرر ما إذا كان يُعد خرقا للقانون الدولي أو جريمة حرب" وهو ما قد يقود لقرار قانوني بوجوب إنهاء هذا الاحتلال ومطالبة جميع الدول بالعمل معاَ لتنفيذه) ، ولقرار جديد محتمل من المحكمة في "أن الاحتلال الإسرائيلي يشكل جريمة حرب" تأثيرات ومفاعيل بعيدة المدى إذ يمكن توظيفه مع جملة القرارات والتقارير الدولية وأخرها تقرير منظمة العفو الدولية، أمنستي، التي أعلنت أن "إسرائيل" دولة فصل عنصري تدير نظام اضطهاد عرقي ضد الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، لفرض عقوبات اقتصادية جادة وفرض حصار عالمي عليها وتجريم التعامل معها.

والعبرة هنا ليست في بيانات التنديد و"التلويح" باللجوء لمجلس الأمن، بل في بلورة خطة تحرك سياسية فلسطينيٍة جادة وشاملة يرافقها فعل مقاوم وفق برنامج وطني متفق عليه بين جميع الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية في إطار منظمة التحرير ويستند كما كنا نؤكد دائماً إلى:  

- تمسك منظمة التحرير المطلوب إصلاحها وإعادتها إلى دورها الميثاقي بـ "متابعة المسار القانوني الدبلوماسي بدون أي تباطؤ أو مساومة أو تأجيل.

- وضع خطط لتعزيز الصمود الوطني الفلسطيني وبناء شبكة دعم واسناد عربية إسلامية وصديقة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية.    

- تحليل خارطة التصويت وقراءته سياسياَ ودبلوماسياَ، وسؤال الدول التي تصوت ضد هذا القرارت القانونية الدولية، وتلك التي تمتنع عن التصويت، سؤالها فلسطينياً وعربياً عن دواعي هذه المواقف المانعة لإجراءات دولية منسجمة مع كل الأعراف والمواثيق والقوانين والشرعية الدولية. 

- وضع استراتيجية تحرك سياسي دبلوماسي وخطة عمل إعلامي دولي يوظفان إمكانات السفارات والجاليات الفلسطينية والعربية الداعمة في العالم.

- توحيد الموقف والرسالة السياسية في لغة الخطاب الإعلامي الفلسطيني، والزام مختلف المتحدثين بها على كافة المستويات، مع توظيف الفهم الإعلامي لطبيعة المستقبلين والوسائل.      

- تفعيل خطة تحرك لتنفيذ ما أعلنه الرئيس محمود عباس أمام القمة العربية والخاص بتحميل بريطانيا المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والأخلاقية عن نكبة الشعب الفلسطيني ووعد بلفور ومسلكيات سلطة وقوات الانتداب البريطانية الداعمة للحركة الصهيونية. 

إن ماحدث وما سُمي بـ "التفاهم" / الذي نراه هزيلاً وأقل بكثير من المطالب المعُلنة فلسطينياً بإسم الرئيس محمود عباس/ يُذكرنا بخلفيات وأسرار وتسريبات وتفاصيل ما جرى في عملية سحب تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الخاص بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 وحتى 18 يناير/كانون الثاني 2009، من التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الساعة الثانية عشرة ليلاً.. 

وقبل الختام دعونا نعمل لتقديم نموذج يعيد بناء البيت الفلسطيني ويُعبر عن المصلحة الوطنية "فلسطين.. الوطن والأرض والشعب"... فما أحوجنا الآن لإطلاق "صرخة" باسم شعبنا الفلسطيني والبدء بخطوات لإنقاذ الحالة الفلسطينية.. فلدينا احتلال بلا ثمن، وسلطة بلا سلطة، في وقت تُصادر فيه الأموال والأرض والحقوق ويجري استيطانها، قراراتنا الحرة غائبة، ومنظمة التحرير مغيبة، ونحن نمضي إلى المجهول بلا خطة أو تقييم أو مراجعة، نتسول المال والميزانيات والرواتب.

كلنا ضحايا لـ "رداءة الحالة الفلسطينية ويتعين أن نكون شركاء حقيقيين في حل مأزق القضية الوطنية، والمخاطر الماثلة على الهوية وعلى الوعي الوطني الفلسطيني" من خلال صرخة واسعة   

تجربتنا تفيد بأن العدو لن يعطينا شيئاً إلا بالقوة، فيما ندير الصراع بصفوف مبعثرة وقيادة لا بدائل ولا خيارات لديها، ما نعرفه أن قيادة منظمة التحرير تحديداً دخلت مفاوضات أوسلو في العام 1991 لأنه لم تكن لديها خيارات أخرى ، وقبلت بشروطها المجحفة على أمل تحسين الشروط من داخل العملية رغم إدراكها أن موازين القوى على الأرض هي من يتحكم بالنصوص والصياغات، كما تقرر تفسيرها وطرق تنفيذها. 

غياب البدائل والخيارات ما زال قائماً عندنا كفلسطينيين، ومثل هذا التفاهم أو الاتفاق، كما يبدو، مازال خياراً إجبارياً عند بعضنا، بينما تعمل إسرائيل على تعطيل المفاوضات وخلق وقائع على الأرض .. فقد أعلن إسحق رابين نفسه غداة توقيع الاتفاق في إبريل 1994: لا مواعيد مقدسة، وأضاف خليفته شمعون بيريز: أن لا دولة فلسطينية، فيما سعى نتنياهو وخلفه الليكود منذ فوزه بانتخابات 1996 وحتى انتخابات 2022 الأخيرة، لتحويل المرحلة الإنتقالية إلى مرحلة أبدية، مع توسيع الاستيطان.

ووفقاً للحكمة القائلة، انت من يصنع قدرك، فإنك إن أردت السلام مع إسرائيل عليك أن تدفع الثمن دائماً، فإسرائيل لا تدفع أبداً، ولا تقدم أي تنازلات، والمسألة عندها أمن واحتلال، وقوة قاهرة، وكل شيء بمقابل.

ما نخشاه ونحن نواجه الهجمة الصهيونية الأمريكية أنه يجري حالياً "كي الوعي الوطني الفلسطيني وحشر جماهيرنا الفلسطينية في الاهتمام بقضاياهم الحياتية اليومية من خلال الحصار والبحث عن عمل ووظيفة وتعميم الفقر وصولاً إلى تسول المال والدعم المشروط".. وما طرح "الحلول الاقتصادية" في هذا التوقيت إلا جزءاً من خطة معدة سلفاً في مؤسسات صناعة القرار الصهيوني الأمريكي للإجهاز على الحقوق الوطنية والسياسية الفلسطينية.. بعدما تم تدمير البنى الهيكلية الوطنية الفلسطينية.

إن الإعلام الأمريكي الصهيوني يمارس ضدنا استراتيجيات إفساد من خلال الرسائل الدعائية، وزرع ونشر الشائعات، وتعميم نظرية المؤامرة، بهدف إرباكنا، كي نفقد ثقتنا بقادتنا ومؤسساتنا السياسية، وصولاً لفقدان ثقتنا ببعضنا البعض، ومن هنا نطالب بوعي إعلامي شعبي ومتابعة رسمية متواصلة لكل تسريبات المخابرات والأجهزة الإعلامية الدعائية وتكليف جهات وشخصيات ذات كفاءة بالرد والشرح والتوضيح.
---------------------------------
عمر خلوصي بسيسو *
*الكاتب صحفي ومدير تحرير ومسؤول سابق للإعلام الخارجي.






اعلان