25 - 06 - 2024

جذور الأزمة بين مصر والسعودية .. تطلع سعودي لقيادة العرب أم مشاحنات على تويتر وخلافات بشأن تسليم جزيرتين؟

جذور الأزمة بين مصر والسعودية .. تطلع سعودي لقيادة العرب أم مشاحنات على تويتر وخلافات بشأن تسليم جزيرتين؟

في القمة العالمية للحكومات في دبي خلال الفترة من 13 إلى 15 فبراير، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن امتنانه لدول الخليج لدعمها لمصر، وخص السيسي الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وأثنى عليه لدوره المحوري في مساعدة مصر على تلبية احتياجاتها من الطاقة في السنوات التي أعقبت انتفاضة 2011 عندما واجهت البلاد نقصًا في الوقود. 

تأتي مقاربة السيسي الودية لقادة الخليج في وقت تواجه فيه مصر صعوبات اقتصادية غير مسبوقة، كما تأتي وسط تصاعد التوترات مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، حيثُ أصبحت علاقة القاهرة بحليفها الخليجي متوترة بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة بعد أن أوضح مسؤول سعودي أن أي مساعدة خليجية مستقبلية "ستأتي بشروط". 

خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 18 يناير، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن التحول نحو المزيد من (المشروطية) في سياسة المساعدات الخارجية لبلاده، وأصر على أن الدول التي تسعى للحصول على مساعدة من السعودية يجب أن تظهر أنها جادة في تنفيذ الإصلاحات قائلًا "نحن نغير الطريقة التي نقدم بها المساعدة، لقد اعتدنا على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود ولكن لم يعد هذا هو الحال" وأضاف: "نحن نفرض ضرائب على شعبنا، لذا نتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه"، وبينما لم يذكر المسؤول السعودي مصر بالاسم، فإن تبادل الاتهامات والنقد في وسائل الإعلام التقليدية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة يشير إلى خلاف بين القاهرة والرياض.

في أعقاب الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي من قبل الاحتجاجات المدعومة من الجيش في عام 2013 وصعود السيسي إلى السلطة لاحقًا، سارع حلفاء مصر الخليجيون - ولا سيما السعودية والكويت والإمارات - إلى تقديم دعمهم للنظام الجديد المدعوم من الجيش. 


دول مجلس التعاون الخليجي، التي شعرت بالارتياح لرحيل الحركة السياسية الإسلامية (الاخوان المسلمون) التي اعتبرت تهديدًا لاستقرار المنطقة، اغرقت مصر بأكثر من 100 مليار دولار من المساعدات لدعم اقتصادها المتعثر وفقًا لبعض التقديرات، وجاءت المساعدات بأشكال مختلفة منها ودائع في البنك المركزي المصري ومنح ووقود وصفقات استثمارية. 

دول مجلس التعاون الخليجي، التي أودعت 22 مليار دولار من الودائع في البنك المركزي المصري في أبريل 2022، تتنافس الآن على ضخ استثمارات في مشاريع الخصخصة المربحة في مصر، بعد أن أعلنت القاهرة أنها ستبيع حصصًا في 32 شركة مملوكة للدولة خلال العام المقبل لتخفيف مشكلة السيولة في البلاد. 

تعتبر الاستثمارات في الأصول العامة في مصر مربحة للجانبين لأنها ستساهم من ناحية في تجديد احتياطيات مصر المتناقصة من العملات الأجنبية؛ ومن ناحية أخرى، فإنها ستمنح دول الخليج فرصة نادرة للاستثمار في القطاعات التي احتكرتها الحكومة المصرية منذ فترة طويلة مثل الموانئ وشركات المياه والنقل وصناعات الشحن، لكن في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الحكومة المصرية والجيش المصري القوي - الذي تعتبره دول مجلس التعاون الخليجي تقليديًا ضامنًا رئيسيًا للأمن والاستقرار الإقليميين - أهدافًا للنقد من قبل العديد من المعلقين السعوديين والكويتيين. 

في سلسلة تغريدات (تم حذفها لاحقًا)، انتقد الأكاديمي السعودي تركي الحمد إخفاقات مصر التنموية - البطالة والأزمات السياسية والاقتصادية - منذ عام 1952، وهو العام الذي يمثل بداية الحكم العسكري في مصر بعد الإطاحة بالملك فاروق وإلغاء الملكية ودور الجيش المصري المهيمن في الاقتصاد. 

سأل تركي الحمد في تغريدة قائلًا "ماذا حدث لمصر الغنية بثرواتها وقدراتها التي كانت تقرض المال وتساعد المحتاجين؟ ها هي اليوم، أسيرة صندوق النقد الدولي برقبة مربوطة بأي مساعدة من هنا وهناك". 

قوبلت تصريحات الحمد بتوبيخ لاذع من عبد الرازق توفيق، رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية المملوكة للدولة، وكتب توفيق في مقال رأي تمت إزالته من موقع الجمهورية على الإنترنت بعد ساعات: "لا يحق للدول الحافية والتي اثريت حديثًا إهانة مصر"، واصفًا منتقدي مصر بـ "الأوغاد"، لكنه لم يصل إلى حد وصف الحمد ومعلقين سعوديين آخرين لتعليقاتهم اللاذعة بشأن سيطرة الجيش على الاقتصاد. 

إدراكًا منه أن السعودية هي جهة فاعلة اقتصادية مهمة، فقد اختار السيسي التقليل من شأن الخلاف وتجاهل الانتقادات، فخلال زيارة لمصنع للأغذية في 8 فبراير، قال الرئيس المصري: "إذا لم نستطع أن نقول شيئًا جيدًا، فعلينا أن نلتزم الصمت"، فيما كان على الأرجح توبيخًا لرئيس التحرير المصري الذي انتقد السعوديين.بالرغم من أن المصالح السياسية والمخاوف الأمنية المشتركة التي توحد مصر والسعودية، فقد تنافس الاثنان منذ فترة طويلة على القيادة الإقليمية، كما تشعر مصر بالاستياء من اعتمادها المستمر على المساعدات المالية الخليجية لإبقاء اقتصادها قائماً، في غضون ذلك، تشعر السعودية بالاستياء من حقيقة أن القاهرة لا تزال تعتبر نفسها زعيمة إقليمية على الرغم من اعتمادها الاقتصادي على دول الخليج. 

يقترح بعض المحللين أن السبب الرئيسي للتوترات الكامنة هو حقيقة أن مصر فشلت حتى الآن في الوفاء بوعدها بتسليم جزيرتين استراتيجيتين - تيران وصنافير في البحر الأحمر - إلى السعودية التي تريد استخدامها لتطوير السياحة، فبالرغم من أن اتفاق نقل السيادة على الجزر إلى السعودية كان على وشك الانتهاء في يوليو 2022، أعربت القاهرة منذ ذلك الحين عن تحفظاتها بشأن بعض جوانب الصفقة - بما في ذلك تركيب كاميرات تعمل بالتحكم عن بعد في الجزر لضمان حرية حركة السفن في خليج العقبة، وهو ممر مائي أمني واقتصادي حيوي تشترك فيه مصر وإسرائيل والأردن، وتريد إسرائيل والولايات المتحدة للكاميرات أن تحل محل قوة المراقبة المتعددة الجنسيات الصغيرة بقيادة الولايات المتحدة والموجودة في جزيرة تيران منذ عام 1979 كجزء من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، بعد مغادرتهما.

يُعتقد أن إحباط القاهرة من قيام واشنطن بتجميد بعض مساعداتها للقاهرة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان هو السبب وراء توقفها عن الصفقة، ويبدو أن القاهرة تستخدم الاتفاقية كورقة مساومة للضغط على إدارة جو بايدن للتراجع عن قرارها والإفراج عن المساعدات المجمدة، وفقًا لمصدر أمني تحدث معي بشرط عدم الكشف عن هويته.

حجبت واشنطن لعامين متتاليين جزءًا من المساعدة بقيمة 130 مليون دولار من إجمالي 1.3 مليار دولار المخصصة لمصر سنويًا كمساعدة عسكرية، وتم حظر 75 مليون دولار أخرى من المساعدات من قبل السناتور الديمقراطي باتريك ليهي من فيرمونت في أوائل عام 2022، وهي خطوة ألقت بظلالها على علاقات القاهرة مع واشنطن.

تمت الموافقة على اتفاقية نقل السيادة على جزر البحر الأحمر إلى السعودية من قبل البرلمان المصري في عام 2017 ومن قبل المحكمة العليا المصرية في العام التالي على الرغم من الاحتجاجات الغاضبة في مصر في عام 2016 ضد الصفقة. 

ربما تتباطأ القاهرة في نقل الجزر خوفًا من اندلاع احتجاجات جديدة مناهضة للحكومة، خاصة في ظل استياء الجمهور من ارتفاع الأسعار. 

أعطت إسرائيل موافقتها الأولية على الصفقة بشرط أن تتمركز القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون في شبه جزيرة سيناء بعد مغادرتهم تيران، وهي خطوة كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2022، في المقابل، وافقت المملكة على السماح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي للرحلات المتجهة شرقاً إلى الهند والصين، ومن شأن هذه الخطوة أن تمهد الطريق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ومع ذلك، لن تتمكن الرحلات الجوية الإسرائيلية من استخدام المجال الجوي السعودي دون موافقة عُمان على فتح مجالها الجوي إسرائيل.

في غضون ذلك، تلتزم مصر بموقفها ويبدو أنها غير مستعدة لتقديم تنازلات لإنهاء الصفقة طالما ظل جزء من المساعدة العسكرية الأمريكية مجمدة، ويقول المحللون إن المأزق الحالي سيستمر على الأرجح لبعض الوقت، لكن المخاطر كبيرة بالنسبة للقاهرة: فهي لا تخاطر فقط بفقدان الدعم المالي من السعودية، بل إن تعنتها قد يقوض أيضًا علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة التي توسطت في اتفاقية نقل الجزيرتين.
-----------------------------------
شهيرة أمين 
(نقلا عن المجلس الأطلسي في واشنطن)






اعلان