30 - 06 - 2024

المشاكل الاقتصادية في مصر قد تضر بصناعة الطاقة المزدهرة

المشاكل الاقتصادية في مصر قد تضر بصناعة الطاقة المزدهرة

لا يزال التفاؤل بشأن مستقبل مصر كمركز للطاقة عالميًا قويًا، بسبب وفرة احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، واستمرار الاكتشافات الجديدة

وتلقى التعاون المتزايد بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، لتحويل الاحتياطيات المتاحة إلى اموال، دفعة كبيرة بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف التي لا تزال قائمة بشأن أمن الطاقة في أوروبا.

ارتفع الطلب على صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر فجأة، بينما يستمر الطلب في أوروبا في النمو

بشكل عام، عند النظر فقط إلى هذه العوامل الخارجية، فإن مستقبل مصر مشرق، ومع ذلك، وصل أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا إلى الحضيض، ولا تزال الاضطرابات الداخلية تشكل تهديدًا كبيرًا مع استمرار التضخم في الارتفاع

فيما يتعلق بإنتاج الغاز الجديد، تحرز مصر تقدمًاذكرت شركة الطاقة البريطانية (انرجي) هذا الأسبوع أنه تم تسليم أول شحنة غاز من شمال العامرية المصري وشمال إدكو. وجرى ترخيص المشروعين في يناير 2021، وكان من المتوقع أن يتدفق الغاز من الأول في غضون 26 شهرًا

حاليًا، تم إنتاج الغاز الأول على بئر (شمال العامرية 6)، بينما سيتم تشغيل ثلاثة آبار أخرى خلال عام 2023

يحتوي مشروع التطوير، الذي يقع في المياه الضحلة في مصر، على ما يقدر بـ 39 مليون برميل نفط مكافئ من الاحتياطيات المثبتة (88٪ غاز) مع ذروة متوقعة من الانتاج الصافي عند ما بين 15 و 20 كيلو برميل (88٪ غاز) في عام 2024

سيستخدم الإنتاج البنية التحتية الحالية ويتضمن عودة أربعة آبار تحت سطح البحر إلى منصة شمال أبو قير PIII التابعة لشركة انرجي.

وقعت مصر وإسرائيل بالفعل اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022 لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي المسال، كما وقعت إسرائيل اتفاقًا آخر مع شركة توتال إنرجي الفرنسية العملاقة للنفط والغاز وشركة إيني الإيطالية الكبرى، مما يسمح لكليهما بالبدء في التنقيب عن الغاز الطبيعي في إطار صفقة حدودية بحرية تاريخية مع لبنان.

ستتدفق صادرات الغاز الإسرائيلية الرئيسية (والزيادات المحتملة في الحجم) عبر البنية التحتية ومصانع الغاز الطبيعي المسال المصري.

لكن في الوقت نفسه، تصدرت مصر عناوين الأخبار في الاسابيع الماضية، بسبب القضايا التي قد تكون مقلقة بشأن الوضع في البلاد والذي سيعود بعواقبه أيضًا على المستثمرين والمستوردين الأوروبيين للغاز الطبيعي المسال من مصر

أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم العام السنوي في البلاد ارتفع إلى 32.9٪ في فبراير 2023، مقارنة بـ 10٪ في فبراير 2022

الأسباب الرئيسية لمستويات التضخم القصوى الحالية هي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات (61.5٪ على أساس سنوي)، وأسعار المساكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود (8.1٪ على أساس سنوي)، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية (16.8٪ على أساس سنوي). كما أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الرقم القياسي الشهري لأسعار المستهلك سجل 161.3 نقطة في فبراير 2023، حيث وصل النمو الى 7.1٪ مقارنة بشهر يناير، حسبما أظهرت البيانات. كما أكد الجهاز أن معدل التضخم الرئيسي السنوي في مصر ارتفع إلى 26.5٪ في يناير 2023، مقارنة بـ 8٪ في يناير 2022، ويحذر المحللون منذ سنوات من أن التنمية الاقتصادية العامة في مصر غير متوازنة ولا تركز على القضايا الأساسية الحقيقية التي تقيد أو تضعف النمو الاقتصادي حاليًا

على مدى عقود، كان الدعم الحكومي المصري يستنزف ميزانية البلاد، وعلى مدار العامين الماضيين، تم قطع الدعم، ولكن مع ذلك، استمر الضغط على الميزانيات المالية

القضايا الرئيسية الأخرى هي العملة التي مازالت قيمتها مرتفعة، وحقوق الملكية التي مازالت حمايتها ضعيفة، ودور الدولة والجيش في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، حيث أدى تدخل الحكومة إلى ردع الاستثمارات الدولية والحد من المنافسة.

على الرغم من التضخم المتفشي والمشاكل الاقتصادية، لا يزال الاستثمار في قطاعي النفط والغاز في البلاد قوياً للغاية، لكن الاستثمار الأجنبي المباشر خارج هذا القطاع الأولي منخفض للغاية حيثُ لا تزال مصادر الدخل الرئيسية لمصر مرتبطة بالتحويلات والسياحة ورسوم عبور قناة السويس

إن الدفاع المكلف عن الجنيه المصري، والافتقار إلى الإصلاحات الهيكلية، وانخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر تركت تأثيرات ضارة على اقتصاد البلاد، وعلى الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي والذي من المتوقع ان يتراوح بين ٤ الى ٥٪ الا ان الايجابيات المتحققة ستزول في حال اخذ الارتفاع المستمر في عدد السكان في الحسبان

بالنسبة للمصريين العاديين، تتمثل الأزمة الرئيسية في انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفض الجنيه بنسبة 50٪ تقريبًا منذ مارس 2022 وقد أدى هذا التطور إلى نقص حاد في الدولار، وهو امر أثر على الواردات وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ

يظهر التحليل أيضًا أن حوالي 60٪ من المصريين (اكثر من 104 ملايين مصري) يعيشون تحت خط الفقر، مقارنة بـ 30٪ قبل جائحة كوفيد تسعة عشر.

طلبت مصر من دول الخليج العربية وصندوق النقد الدولي قروضًا، وبينما تتدفق المزيد من الأموال الأجنبية إلى البلاد، فإن شروط القروض تزداد صعوبة.

تقدر القاهرة أن مستوى الدين الحكومي سيصل إلى 93٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو رقم تريد خفضه إلى 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، لكن لا أحد يعرف حقًا كيف تتطلع الحكومة إلى تحقيق ذلك. الخيارات العقلانية، مثل تقليص المشاريع البارزة أو موازنة الدفاع، غير واردة في الوقت الحاضر

يرجع جزء من الزيادة الحالية في الدين الحكومي إلى برنامج الإنفاق الدفاعي الكبير، الذي دفع مصر لتصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم.

من الممكن ان تزعزع الازمة الاقتصادية والمالية المتجددة استقرار الحكومة المصرية الحالية وهياكل الدولة وان تعرض أيضًا للخطر صناعة الغاز الطبيعي المسال المزدهرة، ويمكن أن تشكل القرارات الأحادية الجانب التي اتخذتها القاهرة لإعادة التركيز على تحويل الاحتياطيات الغازية الى اموال بشكل منفرد تهديدًا محتملاً للتماسك الحالي داخل منتدى غاز شرق المتوسط
----------------------------------------
د. سيريل ويدرسهوفن * 
(موقع اويل برايس)
مراقبً لسوق الطاقة العالمي ويشغل حاليًا العديد من المناصب الاستشارية مع مراكز أبحاث دولية في الشرق الأوسط وقطاعات الطاقة في هولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة
.






اعلان