27 - 09 - 2024

عجايب غراب أبيض | الحلم بكرسي متحرك في القصر العيني

عجايب غراب أبيض | الحلم بكرسي متحرك في القصر العيني

فجر ثاني أيام رمضان وبعيدا عن أضواء مساجد العاصمة الإدارية المبهرة المسجلة في موسوعة "جينيس" العالمية، أصابت صديقي نوبة قلبية حادة. اصطحبته وبسرعة لوحدة "شريف مختار للحالات الحرجة" الكائنة بالقصر العيني، وكما نصحه أطباؤها بالقدوم فورا في أي وقت. لكن رجلا أطل من مبناها المغلق الغارق بدوره في الظلمات وبلا مصباح واحد، وطلب دخول طوارئ القصر العيني القديم أولا لتحويله إلى الوحدة. 

 ولما تمكنت من الدخول به مجاهدا بين جموع أبناء الشعب المتشبثة بأوهام علاج لم يعد مجانيا، ولا يشفى ولا يخفف ألما، كان صديقي الذي جاوز الستين شارف على الهلاك. ولم تعد قدماه تقوى على حمله، ولو بمساعدتي. وعبثا بحثت له عن كرسي متحرك ليقطع نحو 200 متر بالداخل إلى "كشك القلب". لكنه أصبح أضغاث أحلام، والسؤال عنه يثير استغراب طاقم المستشفى.

وانزلق جسد صديقي بين ذراعي ليسقط مغشيا على وجهه. حمله شاب من أبناء البلد جاء مع والدته المريضة "مرابعه" جريا لطبيب حديث التخرج بلا خبرة وأعزل من أي إمكانات. وخرجنا من طوارئ القصر العيني الفرنساوي كما القديم دون تحويله إلى وحدة الحالات الحرجة، أو تلقى علاج يسعف. وهذا علاوة على تكبد فواتير مبالغ فيها يلزم سدادها أولا مع إجراءات بيروقراطية منهكة قبل الشروع في اختبارات بأجهزة متهالكة.

مصر أصبحت في ذيل دول الإقليم بالنسبة للإنفاق العام على صحة المواطن. وسعر كرسي متحرك ينقذ من هكذا موت يبدأ بنحو 3000 من الجنيهات، فكم منه يمكن شراؤه بتكلفة أكبر نجفة تزين "مسجد مصر"؟. وهذه بالطبع ليست من فوازير رمضان، لكنه واقعنا اليوم.

وعجايب !
----------------------
بقلم: كارم يحيى

مقالات اخرى للكاتب

عجايب غراب أبيض | مع شادي وسلوى والعمال المحبوسين