16 - 08 - 2024

فيلم "حياه حشرة" يتجسد على ارض الواقع .. تدمير المراكز البحثية الزراعية فى جامعاتنا المصرية واستبدالها بكتل خرسانية!

فيلم

"أنت ياذرة تراب . لا.. لا ....أنا غلطان.... أنت أقل من ذرة تراب ...أنت نملة ...التفكير بالنسبة ليكم نتيجته وحشة .أنتو أغبياء حفارين فى الطين اتخلقتوا علشان تخدموا الجراد"  ......تذكرت تلك العبارة فى فيلم "حياه حشرة " والتى كانت ضمن حوار عبقرى بامتياز  دار فى هذا الفيلم  بين زعيم الجراد "هبار" الى النملة  الشابة "فيلك"  الذى يقوم باختراعات تسهل على النمل جمع غذائه قبل موسم المطر، وفى وقت قياسى دون أن يعرض حياه النمل للخطر، وذلك حين حاول  التصدى لزعيم عصابة الجراد "هبار" فكان الرد العبقرى للنملة فيلك:"انت غلطان ياهبار . النمل مش خدامين عند الجراد . النمل عنده قدرات عظيمة .. سنة ورا سنة قدر يلم اكل لنفسه وللجراد  .. انتوا اللى محتاجيننا .احنا اقوى بكتير من اللى انتوا فهمتوه لينا"..احنا عملنا اعمال عظيمة انتوا متقدروش تعملوها"

تذكرت ذلك الحوار الرائع فى فيلم حياه حشرة و الذى انتج فى التسعينات ورشح للحصول على  جوائز عديدة، فهو ليس مجرد فيلم عادى وانما يتحدث عن الاستبداد وقهر الشعوب، ثم عن نهضة تلك الشعوب وتكاتفها من اجل التخلص من ذلك الاستبداد . قصه الفيلم مأخوذة عن حكاية "الجندب والنملة " للكاتب الاغريقي "ايسوب "وهى  عن مستعمرات النمل التى يسيطر عليها عصابة من الجراد يجبر فيها النمل على جمع الحبوب للجراد، ثم لانفسهم قبل موسم المطر، لكن النملة الشجاعة فيلك لايعجبه هذا الواقع ويحاول ايجاد حلول مثل اختراعاته التى يرفضها باقى النمل، فيقرر الرحيل والذهاب الى مدينة مجاورة للبحث عن حشرات محاربة تساعد على الخلاص من سيطرة الجراد عليهم ويوافق النمل من اجل التخلص من اختراعاته التى فى اعتقادهم تسبب لهم مشاكل كثيرة، وينجح فى العثور على مجموعة من الحشرات يعتقد انهم محاربين ويتفق معهم على مواجهة "هبار" وباقى العصابة. وبالفعل يتمكن النملة فيلك ومعها حشرات السيرك من القضاء على عصابة الجراد..

لم أدر ان فيلم حياه حشرة يمكن ان يحدث لنا فى بلادنا و فى وقتنا الحالى .... تذكرت ذلك الفيلم وانا اطالع خطة حكومتنا الموقرة فى تبوير أراضى البحث العلمى الزراعى فى الجامعات  المصرية و تحويلها الى كتل خرسانية، تحت بند بناء مشروع الاسكان الاجتماعى لادرك التشابه الكبير بين قرارات المحليات والدولة ووزارة الاسكان وما يعنيها من تحقيق المكسب الربحى بصرف النظر عن جريمة تبوير اراضى خصبة تحوى مشاريع بحثية لباحثين فى مجال الزراعة وهدم معامل ومنشأت جامعية ومكتبات ومشروعات تسمين، وبين الجراد فى فيلم "حياه حشرة" الذى لايهمه الا الحصول على الطعام الذى يجمعه النمل دون أي تقدير لحق النمل فى الحصول على غذائه وتأمينه والعيش عيشة آمنة تحميه وتحمى مستعمرته قبل مجيء موسم المطر وهطوله بغزارة والذى يحول دون خروج النمل من جحوره فى الطقس الشتوى الممطر القارس البرودة.

ذلك مايحدث الآن فى وطننا المختطف من جريمة تبوير اراضى البحث العلمى فى مجال الزراعة مما يضيع مجهود مئات الباحثين بعد أن أفنوا سنوات من حياتهم وبذلوا الكثير والكثير لإنجاز أبحاثهم،  وهو ما أشار إليه الدكتور محمد فراج فى مقال له نشر بجريدة المال بتاريخ 19 مارس 2023 تحت عنوان تجريف الاراضى الزراعية جريمة فى حق الوطن "حيث تم خلال الاسابيع الاخيرة اتخاذ وزارة الاسكان وبعض المحافظات  قرارات بتحويل مئات الافدنة من اكثر الاراضى خصوبة الى استثمار عقارى وكذلك تبوير اراضي للبحوث الزراعية تبلغ مساحتها اكثر من 480 الف فدان من اجود الاراضى الزراعية تحت دعوى تخصيصها لاقامة مناطق للاسكان الاجتماعى وهى:  محطة بهتيم للبحوث الزراعية بالقرب من شبرا الخيمة " محافظة القليوبية ومساحتها 380 فدانا _محطة كفر حمام للبحوث الزراعية بمحافظة الشرقية ومساحتها    36  فدانا  - محطة بحوث الدواجن بالاسكندرية ومساحتها 12 فدانا - مزرعة كلية الزراعة بجامعة المنوفية ومساحتها 55 فدانا تقع بقرية الراهب وهى من اكثر المناطق خصوبة فى مصر.

الم اقل لكم ان هناك تشابه كبير بين احداث فيلم حياه حشرة، وبين مايحدث فى بلادنا الآن وما نعيشه من ملهاه فى تعامل المحافظين ووزارة الاسكان مع أراضينا الزراعية البحثية واهدار مجهودات الباحثين فى مجال الزراعة، فكما احتوى الفيلم على مواقف مثيرة فى تعامل الجراد مع النمل ومحاولات النمل التصدى له، ففى جامعة المنوفية حدثت مواقف مثيرة محزنة، فعندما صدر القرار بتبوير المزارع البحثية فى جامعة المنوفية، كان من الطبيعى ان يثير غضب اساتذة كلية الزراعة بجامعة المنوفية الذين توجهوا للمحافظة مطالبين بالغاء القرار والبحث عن مكان آخر لاقامة مشروع الاسكان الاجتماعى بالمحافظة علما بان قرار المحافظة كما ذكر الدكتور محمد فراج معناه تدمير البنية التحتية الزراعية والبحثية فضلا عن انه من الممكن اقامة الاسكان الاجتماعى فى أى مكان آخر ليس على حساب اراضى خصبة ومعامل بحثية كلفت الدولة ملايين الدولارات ومجهود استغرق عشرات السنين، بينما لايمكن تعويضها  فى أى مكان آخر عرضته عليهم محافظة المنوفية فى الصحراء كبديل يبدأ فيه الباحثون والعلماء من الصفر، وسيكلف الدولة انفاق موارد طائلة أخرى لاقامة بنية تحتية جديدة للمزارع البديلة، بالاضافة الى مشكلة طبيعة الأرض الجديدة ومدى صلاحيتها للزراعة والعمل البحثي، غير أن المحافظة تجاهلت احتجاج الاساتذة الاجلاء ومصرة على هدم قاعات المحاضرات وازالة المعامل وتدمير التجارب البحثية.

وأزيدكم من الشعر بيتا أن نفس الجريمة مكتملة الاركان التى حدثت فى المزارع البحثية في محافظة المنوفية، تكررت ايضا فى محافظة الوادى الجديد وما تحويه من مراكز بحثية زراعية واعدة فى ظل وفرة المياه هناك، اذ تصر المحافظة على هدم كافة المراكز البحثية فى المحافظة لاقامة كتل من الخرسانة لاقامة ايضا مشروعات الاسكان الاجتماعى هناك، ويتم ذلك بشكل فاضح كما ذكر د. اسامة بدير رئيس تحرير موقع الفلاح اليوم، الامر الذى يثير كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤل، لصالح من يتم هدم تلك المراكز البحثية الناجحة والواعدة . لصالح من يتم التلاعب بمستقبل اكثر من عشرة آلاف باحث بمركز البحوث الزراعية بمحافظة الوادى الجديد يعملون ويجتهدون من اجل استنباط أصناف جديدة من المحاصيل المرتبطة بالأمن الغذائي لملايين المصريين، إذ ساعد الدور البحثى في زيادة المساحة المزروعة بمحافظة الوادى الجديد ما قبل عام ألفين من مائة إلى حوالى اربع مئة ألف فدان، وهذا على سبيل المثال لا الحصر .كما زادت عدد اشجار النخيل من الصنف الصعيدى خلال تلك الفترة من سبعمائة وخمسون الف نخلة الى حوالى 2.2 مليون نخلة

واخيرا الى متى الصمت على مايرتكبه هؤلاء المسئولين من جرائم فى حق الشعب واهدار مقدراته، والنظر إلينا على أننا "شوية نمل" لايعتد بآراء الخبراء والباحثين واساتذة الجامعات منا. حقا اننا نواجه ملهاه بمعنى الكلمة فى استمرار الدولة فى تجاهلنا  ومحاربة اللون الاخضر بالقضاء على المسطحات الخضراء وقطع الاشجار فى كل مكان فى البلاد حتى لو اضطر القضاء على حدائق تراثية وتاريخية كما حدث لحديقة شجر الدر فى محافظة المنصورة وحديقة المنتزه فى محافظة الاسكندرية. وحسبى الله ونعم الوكيل.
-------------------------------
بقلم :  هدى مكاوى

مقالات اخرى للكاتب

فيلم