28 - 06 - 2024

حميدتي: تاجر الجمال الذي يسعى للسيطرة على السودان

حميدتي: تاجر الجمال الذي يسعى للسيطرة على السودان

بعد أن بدأ كتاجر جمال، قاد ميليشيا مرهوبة الجانب متهمة بارتكاب فظائع في دارفور، اكتسب الجنرال محمد حمدان دقلو نفوذه وثرواته بشكل مطرد في السودان على مدى العقدين الماضيين مع صعوده نحو قمة السلطة.

حتى عندما أطاح المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية عام 2019 بالرجل الذي رعاه ذات مرة، الحاكم المستبد الرئيس عمر حسن البشير، حول الجنرال حمدان الحدث لصالحه - حيث تخلى بسرعة عن البشير، وأعاد تقديم نفسه كديمقراطي ولد من جديد مع تطلعات لقيادة السودان بنفسه.

في الوقت نفسه، تحالف مع روسيا وشركتها العسكرية الخاصة فاجنر، التي يقوم مرتزقتها بحراسة مناجم الذهب في السودان والتي زودت قواته بالمعدات العسكرية.

لكن الجنرال حمدان واجه ربما أصعب تحدياته حتى يوم السبت، حيث اندلع القتال في أنحاء العاصمة الخرطوم بين مجموعته شبه العسكرية القوية والجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.

وقال الجنرال حمدان في مقابلة مع قناة الجزيرة يوم السبت مهاجمًا الفريق البرهان قائد الجيش الذي كان حتى يوم السبت رئيسه من الناحية الفنية وهو الآن عدوه اللدود  "هذا الرجل مجرم". وتابع الجنرال حمدان: "هذا الرجل كاذب" مضيفًا "هذا الرجل لص لقد دمر السودان ".

ورد الجيش حيث وصف المتحدث باسمه محمد حمدان دقلو بأنه "متمرد" لكن اللغة الساخنة بين الجانبين أوضحت للعديد من السودانيين أنه على الرغم من حديثه السابق عن الديمقراطية، فإن الجنرال حمدان، وهو قائد له سجل طويل من الأعمال القاسية، كان يقاتل حرفياً من أجل مستقبله وكان تذكيرًا بواقع محبط، فعلى الرغم من أن المتظاهرين أطاحوا بعمر البشير في عام 2019، إلا أن القادة العسكريين الذين ازدهروا في نظام حكمه الوحشي ما زالوا يقاتلون للسيطرة على البلاد.

الجنرال حمدان بنى خبرته كقائد لميليشيات الجنجويد التي نفذت أبشع الفظائع في إقليم دارفور الغربي حيث أدى الصراع، الذي بدأ في عام 2003، إلى نزوح الملايين وتسبب في مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخصوقد أكسبته قدرته على سحق الجماعات المتمردة المحلية ثقة عمر البشير، الذي عينه في عام 2013 لقيادة قوات الدعم السريع المنشأة حديثًا.

بعد تدفق المتظاهرين إلى شوارع الخرطوم في أوائل عام 2019 مطالبين بإطاحة البشير، انقلب اللواء حمدان على البشير، مما ساعد في إبعاده عن السلطة.

لكن بعد شهرين، في يونيو 2019، عندما رفض المتظاهرون المطالبون بالانتقال الفوري إلى الحكم المدني مغادرة موقع الاحتجاج، قادت قوات الدعم السريع التابعة للواء حمدان هجومًا وحشيًا حيث أحرقت قواته الخيام واغتصبت النساء وقتلت العشرات وألقي البعض في النيل، بحسب روايات عديدة لمتظاهرين وشهود وقال مسعفون سودانيون إن 118 شخصا على الأقل قتلوا وقتهاونفى حمدان أي دور له في أعمال العنف وغضب من وصف مقاتليه بالجنجويد رغم الدور الرئيسي للميليشيا في صعوده للسلطة.  

قال لصحيفة نيويورك تايمز: "الجنجويد يعني اللصوص الذين يسرقونك على الطريق.. إنها مجرد دعاية من المعارضة". 

منذ ذلك الحين، تطورت قوات الدعم السريع لتصبح أكثر بكثير من مجرد رعاع مسلحين.  

مع وجود حوالي 70 ألف مقاتل حسب بعض التقديرات، تم نشر القوة لسحق التمرد في جميع أنحاء السودان وللقتال من أجل المال في اليمن كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية كما جعلت الحرب الجنرال حمدان ثريًا جدًا، وله مصالح في تعدين الذهب والبناء وحتى شركة تأجير سيارات الليموزين كما برز كسياسي رشيق بشكل مدهش، يسافر عبر منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط للقاء القادة وتطوير علاقات وثيقة مع موسكو.

ولد محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي" عام 1975 في ولاية شمال دارفور، ويعود أصله إلى فخذ المحاميد من قبيلة الرزيقات الهلالية البدوية العربية التي لها عمق شعبي كبير في دارفور وكردفان وتشاد وعدد من دول أفريقيا. تلقى تعليمه في الكتاتيب التقليدية، لكنه انقطع عن التعليم منذ عام 1991، وكان وقتئذ في عمر الـ15.

في منتصف التسعينيات أصبح حميدتي شابا معروفا في الممرات والطرق التجارية، فنشط في تجارة الإبل والأغنام واستيراد القماش، خاصة بين ليبيا ومالي وتشاد، وقاد مجموعة صغيرة لتأمين القوافل وردع قطاع الطرق واللصوص في مناطق سيطرة قبيلته.

وبين دارفور وتشاد وليبيا ومصر تنقل حميدتي بائعا للإبل وحاميا للقوافل إلى أن كوّن ثروة كبيرة، وشكل مليشيا لفتت انتباه السياسيين السودانيين لرغبتهم في ضم القبائل لتحالفها مع الجنجويد من أجل مواجهة التمرد في دارفور، ومكنته مليشياه لاحقا من التأثير في الشأن السياسي السوداني.

مع اندلاع صراع دارفور عام 2003، استقطبت مليشيا حميدتي عناصر من الجنجويد وبدأ يلفت نظر صناع القرار في الخرطوم، وما لبث أن بدأ باستقطاب أبناء القبائل المختلفة، حتى شكّلت قوات شعبية قومية تحت اسم "وحدات استخبارات الحدود" وعين حميدتي عليها.

في عام 2007 عين حميدتي عميدا، وضمت قواته إلى جهاز المخابرات السوداني، ثم في عام 2013 أعاد هيكلتها الرئيس المخلوع عمر البشير وسماها "قوة الدعم السريع"، وجعلها كيانا رسميا شبه عسكري بقيادة حميدتي الذي منحه البشير صلاحيات وامتيازات كبيرة أثارت غيرة وحفيظة كبار الضباط، وجعل البشير القوة تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهده خلال الحرب في دارفور.

زادت ثروة حميدتي في تلك الفترة، ورافقتها زيادة نفوذه وقواته، حتى استولى على مواقع تعدين الذهب الرئيسية في منطقة دارفور، وبحلول عام 2017 شكلت مبيعات الذهب في البلاد 40% من الصادرات.

وفي عام 2015 استطاع حميدتي تطوير علاقاته الخارجية، إذ أرسل وحدات الدعم السريع إلى اليمن بعد انضمام السودان إلى تحالف مع السعودية لمحاربة الحوثيين.

ووفق إحصائيات غير رسمية، بلغ تعداد قوة الدعم السريع عام 2019 نحو 40 ألف عنصر معظمهم من القبائل السودانية من الغرب والشرق، ودججها البشير بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل البنادق والمدافع الصغيرة وسيارات الدفع الرباعي. وتقول تقارير إنها أصبحت حاليا نحو 100 ألف مسلح، مزودين بعربات رباعية الدفع مسلحة وسريعة الحركة.

وتقول بعض التقارير إن سيطرة حميدتي وقواته على مناجم الذهب في السودان، في جبل عامر خصوصا، بعد الإطاحة بزعيم مليشيا الجنجويد السابق موسى هلال، أكسبت حميدتي استقلالا ماليا وقوة خارج سيطرة أجهزة الجيش، فاقمتها بعض أيادي الدعم الخارجي كما يقول خصومه.

حاول عمر البشير تعزيز نفوذ "قوة الدعم السريع" وجعلها مركز قوة موازية للجيش، تفاديا لأي انقلاب عسكري. وواصل حميدتي صعوده اللافت في دوائر الحكم السوداني، وحصل على ترقيات عسكرية استثنائية رفعته إلى رُتبة لواء ثم إلى رتبة فريق، من دون أن تُفلح ضغوط القادة العسكريين في الإطاحة به بعدما تنامى عداء الجيش له.

وفي يناير 2017 أقرت الحكومة قانون "الدعم السريع" ونقلت تبعية "القوة" من جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة، رغم أن معظم منتسبيها ليسوا عسكريين.

ومع تصاعد وتيرة المظاهرات عامي 2018-2019، قرر حميدتي التخلي عن البشير الذي بقي حاميا له 15 عاما، ورفض قمع المتظاهرين، كما دعا لإسقاط البشير وكل رجال الحرس القديم، وتقليص الفترة الانتقالية، وطرح استفتاء بشأن بقاء القوات السودانية في حرب اليمن، كما أدلى بتصريحات لافتة دعا فيها الحكومة إلى توفير الخدمات للمواطنين وتوفير سبل العيش الكريم لهم.

بدأت المفاوضات السرية بين حميدتي والجيش بشأن دمج قواته أو تقليص صلاحياتها، وتوصل الطرفان إلى صفقة عُرض فيها على حميدتي منصب نائب رئيس المجلس العسكري، مقابل ضمانات لا تُخِل بمصالح الجيش في مرحلة ما بعد البشير، التي تمثَّلت في حماية سلطاته القديمة، وضمان بقاء سيطرته على الموارد الحيوية للدولة، وتحجيم أي حكومة قادمة تستهدف الإطاحة به من المشهد.

وإلى جانب السلطة الجديدة التي تمتع بها، حافظ قائد قوات الدعم السريع على ميزانية مستقلة لقواته، إلى جانب تحصين منصبه طوال الفترة الانتقالية من العزل أو المحاكمة، وهو ما يظهر في مخرجات الوثيقة الدستورية الموقعة أواخر عام 2019.

اصطدم عبد الله حمدوك (رئيس وزراء الحكومة الانتقالية وقتئذ) مع قوات الدعم السريع بسبب مبادرة شملت إلحاق تلك القوات بالمؤسسة العسكرية وتسوية وضعها، فقرر حميدتي والبرهان الانقلاب على حمدوك.

حتى موعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أكتوبر 2021، كانت العلاقة بينه وبين نائبه حميدتي طيبة، وكان حميدتي يتمتع بسلطة واسعة، خاصة في اختيار أفراد الحكم في الولايات.

وكان الطرفان حليفين ضد القوى المدنية بعد عزل البشير، وأصبح البرهان رئيسا لمجلس السيادة وقائدا للجيش، بينما أصبح حمدان نائبا لرئيس مجلس السيادة.

وفي مايو 2021 اشتعلت الخلافات بين الطرفين حول السلطة والنفوذ، حتى كادت تصل إلى المواجهة المسلحة، لكن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين من مجلس السيادة تدخلوا للمصالحة بينهما، حتى توافقا على إنهاء الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير في 25 أكتوبر 2021.

بعد ذلك بدأ حميدتي من جديد باتهام البرهان وقال إنه "عاش معه خدعة" الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، واتهمه بأن لديه "أجندة" لإعادة نظام البشير للسلطة، وخرج معلنا العجز عن تشكيل حكومة تنفيذية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتدهور الأوضاع الأمنية، ثم اعتكف في دارفور، ثم تحدث عن أياد للاستخبارات العسكرية تُحرِّك قلاقل في أفريقيا الوسطى، وانتقد أداء الأجهزة الأمنية الموالية للبرهان.

وبات الجيش يرى تهديدا واسعا في تنامي قدرة قوات حميدتي غير النظامية، وامتلاكها أحدث الأسلحة، مع سيطرتها على ميزانية كبيرة بفضل استقلالها المالي، واتجاه حميدتي إلى بناء تحالف جديد مع أعيان القبائل ومشايخ الطرق الصوفية، في وقت أخذ يبحث فيه الجيش عن واجهة مدنية لإكمال الفترة الانتقالية ونقل السلطة إلى حكومة منتخبة يضمن فيها عدم المساس بمصالحه.

بنهاية عام 2022، أعلن حميدتي منفردا تأييده للدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين، ونص الدستور على إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، ودمج كل القوات الأخرى في الجيش السوداني، في عملية إصلاح أمني وعسكري شامل.

برزت اقتراحات للتسوية السياسية بين العسكر والمدنيين في أغسطس 2022 تحت رعاية إقليمية ودولية، وكان قائد الدعم السريع حميدتي أكثر حماسة للتسوية، مقابل قائد الجيش الذي قبلها "بتحفظ شديد".

وقّع البرهان وحميدتي في 5 ديسمبر 2022 على اتفاق إطار مبدئي مع المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، والقيام بـ5 ورش تُخصص للإصلاح الأمني والعسكري والعدالة والعدالة الانتقالية وغيرها. ورغم توقيع البرهان على الاتفاق الإطاري، خرج مشترطا في أكثر من مناسبة دمج قوات الدعم السريع في الجيش لتنفيذ الاتفاق.

ثم خرج حميدتي في بيان رسمي في فبراير 2022 معلنا ندمه على المشاركة في "انقلاب" 25 أكتوبر، وعقب ذلك تعرقلت الورش المدرجة للإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق.

وقع البرهان وحميدتي على ورقة الإصلاح الأمني والعسكري في 15 مارس تحت رعاية اللجنة الرباعية المكونة من أميركا والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، والتي حددت السقف الأقصى لدمج قوات الدعم السريع بـ10 سنوات، لكن الخلاف دب من جديد بشأن طريقة الدمج وتفاصيله.

وتلا ذلك عدة محاولات للوساطات بين الطرفين لكنها باءت بالفشل ودون حلول، وكان محور الخلاف أن البرهان ومن معه رأوا أن القوات يجب أن تكون تابعة لقائد الجيش، بينما رأى حميدتي أنها يجب أن تكون لرأس الدولة وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري.

في أبريل 2023، شبّ خلاف بين حميدتي وعبد الفتاح البرهان حول الجدول الزمني لدمج "قوات الدعم السريع" ومن سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج، وأيضا مكانة ضباط الدعم السريع في التسلسل الهرمي المستقبلي.

واتجهت "قوة الدعم السريع" إلى مدينة مروي شمال السودان في 13 أبريل للتمركز قريبا من مطار مروي الذي فيه قاعدة جوية قيل إنها تضم عناصر من الجيش المصري تم الادعاء أنها موجودة لمساعدة الجيش السوداني في حرب منتظرة ضد الدعم السريع، فيما أكدت مصر أنها في مهمة تدريبية.

وأثار تمركز قوات حميدتي حفيظة الجيش الذي عزز في المقابل وجوده في المنطقة بقوات إضافية، لتبلغ الأمور حد المواجهة المسلحة وتشتعل في أرجاء مدن السودان في ظل تراشق الاتهامات بين الطرفين حول المتسبب في اشتعال الحرب.
--------------------------------
نقلا عن نيويورك تايمز والجزيرة






اعلان