16 - 08 - 2024

الأموال الساخنة والأموال الدافئة

الأموال الساخنة والأموال الدافئة

هناك أربع جرائم لها عقوبات مشددة متفاوتة فيما بينها، يفلت منها الحيتان وتقع العقوبات على "البساريا" هم ليسوا بساريا بالمعنى الحرفي وانما هم أسماك شبعت لكنها لم تصل لدرجة التوحش مقارنة بالحيتان ، هذه الجرائم الأربعة، هى جرائم الإتجار في المخدرات وبيع الآثار وسرقة الأعضاء وأخيراً الإتجار في العملة، والمقصود بها غالبا الدولار. 

فى هذا المقال سوف أعرج على الثلاث جرائم الأول سريعا وسوف أتوقف كثيراً أمام الرابعة وهى الإتجار في العملة نظراً للأزمة التي تمر بها مصر من نقص الدولار، وإذا ما عدنا إلى الثلاث جرائم الأولى، ففي تجارة المخدرات لا شك أننا ندرك أثرها المدمر على الصحة، فإذا تم القبض على شخص سواء كان متعاطيا لها أو يقوم ببيعها للغير يتعرض للمحاكمة، وتقع عليه العقوبة، بينما الحيتان الكبار الذين تمكنوا من جلب المخدرات ودخولها البلد قد لا يعرفهم أحد، فهم "اللهو الخفي" ، وقد يكون هناك من يعرفهم ، ويلى هؤلاء الكبار حيتان أصغر، وهم كبار التجار وهؤلاء بالطبع معروفون للأجهزة الأمنية، ولكن لا يتم ضبطهم متلبسين غالباً، ربما لأن منهم من يرتبط بعلاقات طيبة مع بعض مسؤولى الأمن، لكن العقوبة تقع غالبا على "البساريا" من المتعاطين وتجار التجزئة المنتشرون في كل حدب وصوب ونواصى الشوارع خصوصا في العاصمة.

الجريمة الثانية هى الإتجار بالآثار، وهنا لا أبحث عن مبرر لبيعها أو عدم بيعها أو ما يتردد عن "قن الأرض"، أنا هنا أتحدث عن بائع لأثر حصل عليه عن طريق الحفر، ومشتر يقدر قيمة ما يشتريه، والأهم أنه يعرف كيف يتم تصريفه أو تهريبه وهؤلاء المشترين - حتى لو كانوا من خلف ستار - هم الحيتان، وغالباً لا يتم القبض على أحد منهم، لكن قد يتم القبض على البائع وهذا يحدث نادراً، ثم يقوم البائع بتغيير هذه الأموال التي تقاضاها عن بيعه الأثر بالدولار فى السوق السوداء، ثم يقوم بتشغيلها فى مصر سواء في شراء وبيع الأراضي أو إقامة مشروع لو كان لديه صنعة أو حرفة، ويطلق على هذه الأموال الناتجة عن بيع المخدرات أو الآثار إسم "غسيل الأموال".

الجريمة الثالثة خاصة بسرقة الأعضاء أو تجارة الأعضاء البشرية، فهناك مجنى عليه وهو من تم أخذ الأعضاء منه وهناك تاجر - أو قل وسيطا - ومستفيدا، ونادراً ما يتم الكشف عن قضية لينال مرتكبها العقوبة المشددة.

أما الجريمة الرابعة التى أتوقف أمامها كثيرا هى تجارة العملة وبالتحديد الدولار الأمريكي بخاصة في هذا الوقت الذي تعاني فيه الدولة من نقص الدولار، وبحسب قانون البنك المركزي هناك عقوبات مشددة لمن يتم القبض عليه إذا كان بحوزته دولارات، وعليه أن يثبت كيف حصل عليها وما هو مصدرها وإلا خضع لعقوبة بالسجن والغرامة ومصادرة الدولارات، وغالباً ما يقع في هذه الجريمة أصحاب مبالغ قليلة، ونادراً ما يتم القبض على أحد الحيتان بتهمة الإتجار في العملة، إلا إذا كان لدى الدولة مآرب أخرى تتعلق بالشخص، لذلك انتشرت السوق السوداء وأصبحنا نسمع بل ونقرأ صراحة وبدون مواربة عن سعر الدولار في البنوك وسعره في السوق السوداء!! 

وفى ظل قانون البنك المركزي وما يتضمنه من عقوبات يلجأ من معه دولارات لتغييرها فى السوق السوداء، والتي تزامن انتعاشها مع خروج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، فإذا كان المواطن المصري الذي يمتلك دولارات يتم القبض عليه بتهمة الاتجار فى العملة وغسيل الأموال وتوقيع العقوبة عليه ومصادرة الدولارات ، والمواطن المصري تتجاذبه الأجهزة الأمنية والأموال العامة والمحاكم بالرغم من أنه - كما أشرنا سلفا -  سوف يستثمر هذه الأموال داخل البلد، وأن لديه الاستعداد أن يتجه لتغيير هذه الدولارات من البنوك، ولا يفكر إطلاقاً في السوق السوداء إذا شعر بالأمان وعدم تعقبه من الأجهزة الأمنية أو "بعض الذين يريدون الحصول على جزء أو مشاركته في هذه الأموال" أكرر مرة أخرى "بعض الذين يريدون الحصول على جزء أو مشاركته في هذه الأموال" وأن تنظر الدولة لمن يملكون دولارات من المصريين بأنها أموال دافئة أو باردة وليست ساخنة لا تحتمل لهيبها، وأن تسمح لهم الدولة بتغيير هذه الدولارات من البنوك، دون أن يلحق بهم أذى ويتم فتح حسابات لهم في البنوك بالدولار وبالجنيه المصري، وأن تغير الدولة نظرتها لهؤلاء الأشخاص فهم ليسوا مجرمين وليسوا حيتان أو أصحاب مصانع، لذلك سوف يستثمر هؤلاء الأشخاص أموالهم داخل البلد، شريطة أن يعاد النظر سريعاً في القوانين التى تجعل منهم متهمين أو مجرمين وألا تتعقبهم الأجهزة الأمنية.. 

عندئذ سوف تصب هذه الدولارات في خزينة الدولة التى هى في حاجة ماسة إليها، وبذلك تكون الدولة أيضا قطعت الطريق أو حدت من انتشار السوق السوداء في الإتجار بالعملة، خصوصا أن العالم الآن يموج بالحروب وفي هذه الأوقات تنتقل الأموال عبر الدول وهناك من يستغلها بدون أى خوف ودون أى إعتبار للخارج، مع العلم أن الدول العربية والغرب الذي نقتفى أثره ونقلده في كل شيء غالبا تقليدا أعمى، القوانين لديه فى هذا الشأن أخف وطأة في العقوبة منا، والأهم أن نظرتهم لغسيل الأموال مرتبطة بالخوف من "تمويل الإرهاب" ما يعني أنه لولا خوفهم من تمويل الإرهاب، ما كان لهذا المصطلح سيء السمعة أي وجود أصلا.. أعود فأقول  أما الدولة حينما تقاضي من يملك هذه الدولارات بزعم غسيل الأموال وتصادر هذه الأموال لصالحها وكأنها أخذتها من " حرامى" فى هذه الحالة عند مصادرتها وليس إعدامها تكون هى أيضا تنطبق عليها نفس الوصف فتصبح الدولة"حرامية "!! ليت الدولة ومؤسساتها المالية تستثمر هذه الفرصة وتتيح الفرصة لمن يملكون الدولارات بتغييرها من البنوك بأمان وتبدأ في تغيير قانون الأمن المركزي أقصد البنك المركزي وتقتصر أى عقوبات على السوق السوداء.
----------------------------
بقلم: أحمد حسان

مقالات اخرى للكاتب

ستون عاما .. ولم أزل