27 - 09 - 2024

العروسة.. من أين يتسلل الحزن للإيروتيكا؟

العروسة.. من أين يتسلل الحزن للإيروتيكا؟

بعد تأسيس الإذاعة المصرية، وفرض رقابة مجتمعية/ مؤسسية على الأغنية، تراجعت الأغنية الإيروتيكية.. ما بقاش فيه "خد البز واسكت".. ولا "لاعبني وألاعبك".. ولا كل تراث نعيمة المصرية.. بالتالي اﻷغنية الإيروتيكية خدت منحى تاني.. منحى فيه تورية/ قناع.. الكلام المستغطي.. أو جملة عابرة كده

علشان ما طولش عليك.. لا قول طول.. هتلاقي المستخبي ده مثلًا في "الشيكولاته ساحت" لسعاد حسني.. أو مجرد التلميح عند السندريلا برضه لما تقول "بوسة ونغمض ويلا نلقى حتى الضلمة بمبي".. وتفضل التقنية كده.. لحد ما يتداخل التصوف مع الإيروتيكي مع محمد منير تحديدًا وكوثر مصطفى في "يا غزال وشارد م الجنة".. حاجة كده عايزة وقت ونفصصها صوفيًا وإيروتيكيًا.. 

وعلشان نكون منصفين.. السنوات اﻷخيرة كان فيه محاولات مباشرة جدًا.. يحلو للبعض أن يسميها فجة.. لعمل أغاني إيروتيكية.. زي المهرجانات مثلًا.. أو زي "قبل ما نطلع سوا ع الروف حط النقط ع الحروف" لبوسي سمير.. أو "لازم يقف" لدوللي شاهين.. أنا مش من أنصارها موسيقيًا وفنيًا.. ليس أكثر..

أخلاقيًا.. مش بقول بطلنا.. ماليش علاقة باﻷخلاق.. ولا بشوف الكلام مبتذل.. فسيد درويش لحن لنعيمة "خد البز واسكت" سنة 1919.. اللحن حلو والأغنية في سياقها حلوة.. مع إني لو أخدت البزة في السن ده مش هأنام.. ما علينا

اﻷغنية الإيروتيكية عربيًا وغربيًا.. واكلة دماغي بقى لها سنين.. ولدي تصور عن كتاب عنها.. أتعشم أن أنجزه يومًا ما.. 

من ضمن أغاني الجنس المتغطية.. أغنية لعصام عبد الله.. غنتها أنغام.. وهي "وحدانية".. بس أعتقد أن الموزع فهد الشلبي (فهد) ما فهمش المقصد من "وإن كان عليا مالبس سوا اللي يداري همي".. ولا "قال لي إيديكي معالق زان زانها العنادي.. فوق المقصب الرومية وتحته وادي".. بتقولك تحته وادي يا مغفلق يقوم يدخل الإيقاع وقت ما يكون المناسب "ادليب".. ويدخل الكورس في مشاهد المفروض أنها قمة اللقاء الجسدي.. خلينا مرة نقف قدام البرنس عصام عبد الله والإيروتيكية الناعمة..

لكن النهاردة.. هنقف قدام سيد القصايد.. والد الشعراء.. أبو الكلمة.. فؤاد حداد.. وقصيدة إيروتيكية .. بس بجد إيروتيكية فلاحي.. هنقول ونعيد ما نغير ما نقول.. فكل لبيب بالإشارة يفهم.. وهي "العروسة".. اللي لحنها واحد من الموسيقيين المهمين والمتميزين في فترة الثمانينيات.. محمد عزت.. وكلامنا هنا عن إزاي محمد عزت عرف يقرأ الكلام موسيقيًا..

قصيدة حداد.. بداية من التسمية العروسة.. مشهد فرح.. ليلة دخلة حرفيًا.. أو لنقل أغنية فرح.. وأغاني الفرح في تراثنا الشعبي يكون محورها الرئيسي "الجسد".. وإن شئنا الدقة.. "الحُسن".. الكلمة اللي هتجنني.. ومش لاقي لها مثيل في لغات تانية.. أقصد في الدلالة.. 

علي الحجار ومحمد عزت

يدخل حداد.. للعروسة التي باتت في بيته.. "وبتغسل خلاجتها في خليجه".. صار الخليج خليجها.. وصار قريبًا حد أن يرى "الخلاجات".. الهدوم.. خاصة بعدما ذاق "التمر المعسل" من شفايفها وداقت الخصّ المليجي اﻷخضر من قلبه.. العروسة باتت ع الحصيرة.. بعد ما الكعوب دابت من اللف وراها.. هذه الغزالة التي "علّقت" قلب العريس بضفيرتها.. 

يكمل فؤاد حداد المشهد.. يؤكد أن كوعها صار حلاله، "شافه لما شمر".. فقال كمندوهٍ فل ومرمر.. بدا في عيونه أبيضّ.. وما بالكم بالبياض في التراث.. ففارت الثورة.. "العجين التاني خمّر".. فأخدها ف باطه ونيمها على دراعه اللي "لساه مخدل".. وهي التيمة ذاتها في وصف العود.. ووصف القيامة .. وتظل الحكاية مستمرة.. أو للدقة .."لسه فيها".. 

يبقى الكلمات تنتمي لدايرة أغاني الأفراح الشعبية.. مضامين وصور وتعابير.. بالتالي اعتبارها إيروتيكا شيء طبيعي.. هنا إزاي تتغنى؟ إزاي ممكن ملحن يلحنها؟ أعتقد أن السر في كلمة "فلاحي".. بالتالي ممكن أغنية الفرح الريفية تبقى مدخل مناسب..

وقد كان.. يجي المطرب والملحن محمد عزت.. ويدخل للكلمات من مدخل اﻷغنية الريفية.. إلى الدرجة اللي ممكن يحس مستمع اﻷغنية أنها أغنية تراثية.. حاجة كده من أواسط الدقهلية.. من قلب طنطا.. من قرى المنوفية.. فيدخل الأغنية بإيقاع راقص كده.. الليلة فرح..

حتى تيمة اللحن نفسه.. والتكرار المتقطع.. تيمة شعبية.. منتشرة جدًا في اﻷغنية التراثية.. كذلك التكرار السريع والبطيء.. كل ده علشان ينقل عزت إحساس الفرح.. حتى وحدة المقام.. برضه من التراث.. شيء جميل.. لكن لسه فيه تركاية في اﻷغنية.. تركاية واحدة تقلب موازين اللحن السهل البسيط.. أو بمعنى أوضح هتخلي اللحن ده له معنى.. معنى يناسب القصيدة وكاتبها..

طيب.. الليلة فرح والكلمات حسية.. ليه يروح عزت لمقام الصبا؟ هنا المفارقة.. والمقصد مش مجرد أننا هنغني فرح على صبا.. اتعملت قبل كده.. واتغنى كوميدي زي فريد اﻷطرش في "يا ما جوا الدولاب".. أو وطني زي سي محمد عبد الوهاب "طول ما أملي معايا".. لكن التركاية في العلاقة بين الجنس والصبا.. نعم؟ آه زي ما بقولك كده..

علي الحجار .. العروسة

في تراثنا عمومًا.. يطل الحزن برأسه من كل المناسبات.. وفي كل التعابير.. كأنه ضيف دايم.. حتى في الضحك وفي عز القهقهة.. نستجلبه ونقول "خير اللهم اجعله خير".. بالتالي هذه الإيروتيكية الفلاحي.. يناسبها شيء من اﻷسى.. نغمة شجية.. ما تخلهوش صافي.. ما فيش لحظة صافية يعيشها المصري إلا ويعكرها الحزن.. أو لنقل يخليها أثقل..

بالتالي.. يدخل الصبا هنا مش للتعبير عن الحزن.. صحيح هيكسر الإحساس بالملل لوحدته في اﻷغنية.. الكلمات حسية والمقام واحد.. إنّما كمان هيدخل للتعبير عن فرادة الإحساس.. تميز الشعور بالجسد.. فالجسد مع انتشائه وفورته.. يفضل به بعض الخجل في الموروث.. وهو ما يجلب الشعور بالحزن..

وطالما العروسة واحدة.. ورسالة الأغنية ملخصها محبوب يقول لمحبوبته "أنتِ ولا سواك".. فالأمر يستدعي مقامًا فريدًا.. إزاي؟

الصبا، المقام الوحيد اللي قراره غير جوابه، وده بيخلي السلم الموسيقي فيه غير سليم من الناحية الشكلية.. وبيتفرد كمان أنه لا يُشتق من مقام ولا تشتق منه أي مقامات.. حاجة واحدة بس.. وموسيقيًا يقال لا ينتمي الصبا لأي عائلة مقامية.. بالتالي قرار العلاقة الجسدية ليس كجوابها.. ولا الشخص قبل العلاقة زي بعدها.. بالتالي هنقول بالصبا عن العروسة والعريس.. عن الفورة والنشوة ولحظة اختمار العجين..

أحمد إسماعيل يغني "يا العروسة"

إزاي تعمل لحن بسيط وسهل ويبان خفيف بس هو تقيل؟ حاجة زي ما تجيب كتاب تلوين لابنك بس هو في اﻷصل كتاب بيشرح نظرية الانفجار العظيم.. بالتالي محمد عزت ملحن بيذاكر.. واللي متابعه يعرف أد إيه هو شاطر.. وأنصحكم.. إنكم تشوفوا ليلة حب في فؤاد حداد اللي لحنها عزت ومن إخراج الجميل اﻷستاذ أحمد إسماعيل.. وهنا هأفتن وأقولهم ما تنشروها أو تعيدوا تقديمها.. أيهما أقرب.. ولنا في الغنا وقفات ومحبات.
---------------------------------
بقلم: مدحت صفوت

مقالات اخرى للكاتب

العروسة.. من أين يتسلل الحزن للإيروتيكا؟