أن الطلاق لا يقع بحديث النفس، أو التفكير فيه، أو العزم عليه، ما لم يُتلفظ به باتفاق العلماء؛ وقال ابن عباس: "الطلاق عن وطر"؛ علقه البخاري. فـإذا عزم الرجل على الطلاق، وحدث به نفسه، فهل يقع الطلاق لمجرد النية دون تلفظ لسانه به؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:-
القول الأول: يقع الطلاق إن نواه، وحدثت به فنسه . وهذا ما ذهب اليه مالك والزهري وحجتهم:-
- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنما الاعمال بالنيات وانما لكل أمرئ ما نوي".
- أن من اعتقد الكفر بقلبه فهو كافر وإن لم يتلفظ به لقول الله تعالى: "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ومن الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم".
القول الثاني: لا يقع الطلاق بالنية من غير تلفظ اللسان به. وهذا مذهب الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وإسحق وابن حزم.
وحجة الجمهـور هي:-
1- أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل".
2- ان الطلاق تصرف يزيل الملك، فلا يحصل بالنية، كالبيع والهبة.
3- أن التحريم في الشرع علق اطلاق وبه الطلاق ليست بطلاق فيبقى الحال.
4- أن إيقاع الطلاق بالنية لا يثبت إلاّ بأصل وليس لها اصل ولا قياس على ما ثبت بأصل، فلم يثبت.
وبذلك يترجح اختيار الجمهور، أن الطلاق لا يقع لمجرد النية من دون تلفظ باللسان، وذلك للحديث الصحيح الصريح المذكور في هذه المسألة الذي احتج به الجمهور، ولا يوجد نص آخر يعارضه، وأحكام الشرع التي يفصل فيها القضاء لا اعتبار فيها للنيات، وإنما الاعتبار للأعمال والأقوال.
ولا ادل على ذلك من تحريم الله تعالى الكلام في الصلاة، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" فأذن لو كان حديث النفس بمعنى الكلام لبطلت صلاته.
امّا الطلاق بالنية فلا ينعقد قانونًا وإنما باللفظ أو بالاشارة حال عدم القدرة على النطق أو يقــع عمومًا بأساليب وشروط انعقاد العقود ويتمتع الرجل بحقه بإجراء الطلاق ومن غير شروط ومن دون اللجوء لأي إجراءات قانونية، فبالتالي كل ما عليه هو أن يقول أنتِ طالق لثلاث مرات حتى يترتب طلاق بائنًا، وليُصبح الطلاق رسميًا يجب أن يقوم الرجل بإثبات الطلاق خلال مدة ثلاثين يومًا حتى يُصبح الطلاق رسميًا.
ولذلك ننتهي إلى أن الطلاق يقع بعـزم القلـب، ونطـق اللسان، ولا يقـع لمجـرد حديـث النفـس.
---------------------------------
بقلم: محمد جلال عبد الرحمن *
*محـامٍ وكاتب حاصـل على جائـزة الدولـة في العلوم الرقميـة
بريد الكتروني [email protected]
