17 - 07 - 2024

"أشواق الزنزانة 13" رواية لمحمد هلال تفضح العجز النفسي للمجتمع الشرقي

" بيروني " هو بطل الرواية ومحرك الأحداث بل وصانعها
ـــ مرض نادر ترفض شركات الأبحاث العالمية الإنفاق عليه؛ لعدم جدواه الاقتصادية
ــــ  الروائي محمد هلال.. كشفت بكل دقة تفاصيل حياة السجون .. بشرًا وحجرًا 

صدرت رواية "أشواق الزنزانة 13" للكاتب الروائي والصحفي محمد هلال عن دار النخبة ودار المسك في طبعة مشتركة بالقاهرة، تقع الرواية في 254 صفحة من القطع المتوسط، وتدور فكرة الرواية حول شخصية أمين المكتبة الذي أصيب بمرض نادر يعرف باسم "بيروني"، ومن غرابة الأقدار أن هذا المرض النادر ليس له علاج حتى الآن، ومن سوء الطالع أنه يصيب العضو الذكري للرجل؛ مما يجعله غير قادر على القيام بالمهام الزوجية، مع طول مدة الإصابة، ومع تكرار الفشل واستبداد الرغبة، وقعت الزوجة في بئر الخطيئة؛ ولسوء طالعها أن الزوج عندما ضبطها مع العشيق"، فقد القدرة على التحكم في غضبه، وقام بخنقها حتى الموت، ثم جلس يبكي بجوار جثتها، مما أدى إلى القبض عليه، والحكم بسجنه لمدة عشر سنوات، أضيفت إليها ثلاث سنوات، كعقوبة إضافية، لأنه أصاب أحد الشواذ بعاهة مستديمة، عندما شج شرجه بشفرة حادة، رافضًا أن يطيعه فيما يريد. 

نجح الروائي محمد هلال في نقل معاناة السجين النفسية على الورق؛ خلال تنقله من سجن إلى آخر، وخاصة الزنزانة 13، وأن حدة هذه المعاناة بلغت ذروتها، عندما فشلت كل طرق العلاج التقليدية، والحديثة، في علاج مرضه " بيروني" ولو ليوم واحد، فعاش البطل المصاب بالعجز مرارتين ...، مرارة العجز الذي تسبب في هذا المصير العصيب، وكذا مرارة السجن الذي يدخله للمرة الأولى، إلى جوار هم ثقيل آخر يراه البطل أثقل من الموت ...، وهو افتضاح أمر عجزه بين أهله ومعارفه. وذلك الملمح النفسي ربما يناسبنا كشرقيين أكثر...، فإن كرامة الرجل في بلادنا تضيع إذا ضاعت قوته الذكورية. ومن هنا نجحت الرواية في أن تعكس أثر العجز الجنسي على سلامة الصحية النفسية للرجل، والخوف المرضي من معايرة المجتمع إذا ما نزع منه صولجان الذكورة، كما أن تتلخص في أن الأمل في العلاج صفر؛ لأن شركات إنتاج الدواء ترفض الإنفاق على الأبحاث لعدم الجدوى الاقتصادية!

البناء الفني المحكم والتعبير الرمزي: تحت هذا العنوان النقدي؛ يمكننا القول إن أحداث الرواية الرئيسية تدور في عدة أماكن منها، غرفة النوم، قاعة المحكمة، السجن، الزنزانات، حيث تم عرض المحتوى داخل النطاق الزمني المتعرج، الذي يرتد بالأحداث إلى الماضي ليفسر لنا الحاضر، ثم يتجه السرد إلى الأمام في خط مستقيم، ليتدفق الفعل الدرامي بمفردات جديدة داخل الحبكة، تكررت هذه التقنية كلما كان حدث يحتاج إلى تفسير. 

نجح المؤلف في بناء مشروعه الإبداعي من حيث البناء الفني المُحكم، اللغة الرشيقة، كما أنه وظف بعض الأبيات الشعرية، والحكايات التراثية لخدمة السرد القصصي، أضف إلى ذلك عمق التحليل النفسي؛ الذي يفسر بواعث السلوك البشرى، وتقنية الإطار الفلسفي في العرض المباشر للحدث، مرورًا بالعديد من الإيحاءات ذات الأبعاد الرمزية، التي تربط بين العام والخاص.

تغوص بنا الرواية في تفاصيل مجتمع آخر يوجد "خلف الأسوار" لنكتشف أننا إزاء تقاليد وعادات وثقافات وعلاقات وممارسات خاصة في عالم السجون.

 تطرح الرواية قضايا هذا المجتمع من خلال معاناة الفرد، بصورة رمزية، كالكيل بمكيالين داخل السجن، حيث ظهر التمييز على أساس المال واضحًا، في شخصية الباشا الثري، الذي تحول إلى أحد مراكز قوة بين أقرانه، أو مع السجانين، الكل يهابه، الكل يستجيب لتعليماته، الكل مسخر لإشباع رغباته الشاذة...، فمن يمتلك المال يمتلك القوة...، ناهيك عمن يمتلك المال والقوة.

الإبداع في رسم شخصية البطل: يمثل البناء الفني لشخصية (أمين المكتبة) نموذجًا متقنا في رسم الحدود الخارجية والداخلية للبطل،  وهذا التناول جاء متناسقًا، مما أسهم في دفع أحداث الحبكة الروائية إلى الأمام، من خلال التشويق، وقد صور لنا السرد بدقة هذه الحالة الشائكة، من حيث تصاعد التأثيرات النفسيّة المدمرة، ودرجة العصبيّة لدى البطل؛ بسبب الاكتئاب، والإحباط، وأثر ذلك على فقدان الثقة بالنّفس، مما أدى إلى الانعزال عن الآخرين، خوفًا من الفضيحة، لذا جاء تصاعد الأحداث برفض الزوج لفكرة طلاق زوجته كحل ناجع؛ خوفًا من أن تتزوج شخصًا آخر؛ ثم تقص عليه السبب الحقيقي للانفصال، فتنتشر الحكاية التي يحاول دفنها بكل الطرق.

 تجلت خطورة الهاجس النفسي لدى المريض؛ عندما زاد إلحاح الزوجة في طلب الطلاق، دفعه الهوس إلى ربط الموافقة على ذلك الأمر؛ بتصويرها عارية والاحتفاظ بهذه الصور؛ لفضحها بنشر هذه الصور على شبكة الانترنت؛ إذا أفشت سره، وعندما رفضت ذلك، طلب منها التوقيع على إيصال أمانة على بياض، لحبسها بهذا الإيصال، إذا عرف أي فرد بأمر مرضه اللعين هذا.

الدعوة لمواجهة العادات الهدامة: تعكس هذه الحالة المجازية في الفضاء الروائي؛ مدى فداحة القهر الذي يمارسه المجتمع العربي، على الرجل الذي يصاب بالعجز الجنسي، لأن الخطأ الشعبي يكمن في ربط دور الرجل في الحياة بهذا الأمر، تلك المشكلة تحتاج إلى حل جذري، لأن الإصابات الجنسية شأنها شأن كل الأمراض المزمنة؛ كالسرطانات، وأمراض القلب، وغيرها، كل ما سبق لا دخل للإنسان فيه، يجب أن تتغير كل المفاهيم السلبية لدى الجميع، لأن هذا القصور الفكري يمثل نوعًا من الارتداد الحضاري والإنساني، و دافعا لارتكاب العديد من الجرائم كالقتل، أو انحراف الزوجة، وغيرها، يكمن الحل في إعادة تصحيح المفاهيم الخاطئة؛ من خلال كافة المنابر الثقافية والدينية، بهدف حث المجتمع على تقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرضى، والتعامل مع كل حالة حسب خصوصيتها؛ بما يحقق مصالح كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية على حدة...، أعتقد إن هذا المفهوم الإصلاحي هو ما تهدف إليه الرواية بوضوح شديد.  

التصدي للتطرف الليبرالي: تميزت الرواية بالوضوح في طرح بعض القضايا الشائكة، ومنها الرفض القاطع لفكرة المثلية، التي يروج لها الغرب وأتباعه من التيارات الليبرالية شديدة التطرف، ورغم أن هذا الطرح يصطدم بالقوى المهيمنة على حركة الأدب في بعض المسابقات الكبرى، إلا أن المؤلف قرر أن يقف مع الفريق الوطني؛ الذي يدافع عن القيم والعادات العربية الراسخة، بغض النظر على النتائج، وبالتالي، تعد الرواية حائط صد ذو طبيعة إبداعية، لمواجهة كل الأفكار الهدامة التي تحاول نزع المواطن المصري  والعربي من هويته وعادته عبر الأدب، وهذا الأسلوب خير وسيلة للدفاع؛ لمواجهة الفكر بالفكر وبنفس الطريقة المستخدمة.
----------------------------------
بقلم: د. صلاح شعير 
من المشهد الأسبوعية