26 - 06 - 2024

"العمانية" صفة يجب أن تدخل معاجم اللغات.. تحضر ومدنية لم أشهد لهما شبيهًا في جميع رحلاتي عبر العالم

ليس هناك أي شك بأن المجتمعات، رغم تفاوت نجاحاتها في اسعاد شعوبها، تشترك مع بعضها في العديد من المشاكل والصعوبات التي تواجهها على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وإن نظرنا الى البلدان العربية، فنجد أن مشكلاتها هي من بين الأصعب في العالم، وتتراوح بين انعدام أو انحسار الحريات السياسية وحقوق المواطنة والحريات المدنية إلى مشاكل الفقر وانعدام فرص الحياة الكريمة إلى الانقسامات الطبقية التي عادة ما تكون أرضًا خصبة للفساد والجريمة، هذا إن لم نذكر الحروب الداخلية والخارجية، التي في النهاية تقلص من فرص التقدم. وقد زرت معظم البلدان العربية ولاحظت الكثير من هذه المصاعب التي تنعكس على الحياة اليومية، وما يصادفه الزائر لهذه المجتمعات عند احتكاكه معها. غير أن زيارتي الأخيرة لعمان، ذلك البلد الذي يقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للوطن العربي، والذي قلما نجده متصدراً نشرات الاخبار أو مانشيتات الصحف اليومية، أو حتى المقالات التي تتناول حالات المجتمعات العربية، لتسلط الضوء على نجاحاتها أو اخفاقاتها! لا أدري ما السبب وراء ذلك، ولكني أجد ذلك معدوماً حتى في الغرب، حيث أعيش. فالأوروبيون بشكل عام قلما تجدهم يجهلون مصر أو العراق أو سوريا أو لبنان أو المغرب أو الجزائر أو السعودية أو الامارات.. الخ، ولكنهم بشكل عام يجهلون عمان! وهذا ما دعاني إلى زيارة عمان التي كنت قد خططت لها قبل ثلاثة أعوام، إلا أن حلول وباء كوفيد منعني من ذلك، حتى فتحت الحدود وأصبح السفر أقل صعوبة.

في زيارتي القصيرة، والتي لم تتعد ثلاثة أسابيع، صادفت ما أدهشني، لدرجة لم يستطع قلمي أن يسكت عن هذه المشاهدات، وإن بقيت مشاهدات فقط، فإنها لا تختلف عن كل مشاهداتي في جميع البلدان العربية فحسب، وإنما تختلف عن جميع مشاهداتي في بلدان العالم التي زرتها خلال الثلاثين عاماً السابقة، والتي تنتشر على القارات الخمس. فهل يمكن الحكم على بلد وشعبه من خلال زيارة لا تتعدى الثلاثة أسابيع؟ الجواب الطبيعي هو كلا، ولكن يمكن للزائر أن يستقي نوعًا من المعرفة عن ذلك البلد، إن تسنى له التنقل في مناطق مختلفة في جغرافيتها، وإن تسنى له التعايش مع الأطياف الاجتماعية المؤلفة لذلك المجتمع. فمكوّن أي بلد وطبائع أهله وأخلاقهم تختلف حسب اختلاف طريقة العيش والمسكن التي يحددها الموقع الجغرافي وطبيعة المناخ.. ورغم أن هناك خصائص عامة يشترك بها سكان البلد الواحد، تعكسها ثقافة ذلك البلد والمتمثلة في الدين السائد للناس والتاريخ الذي جمّع سكانه ومدى اعتزازهم بما هم عليه، كذلك انجازاتهم التي حققوها خلال الحقبات التاريخية القديمة والحديثة. إلا أن ما يصادفه الغريب من أخلاق وتعامل مع سكان المدن يبقى بالضرورة مختلفًا عما يصادفه في تعامله مع سكان الصحراء، وهؤلاء يختلفون بطبيعة العيش وظروفهم الحياتية عن سكان الأرياف والمزارعين وعن سكان السواحل وصيادي السمك، وكل هذه الفوارق نجدها في نفس البلد. فعمومًا يكون أهل المدن أكثر انفتاحًا لقبول الغريب، ولكنهم في نفس الوقت لا يتمتعون بالضيافة والكرم، بل تجدهم مسرعين في التعامل وأقل صبراً وفضولاً لمعرفة القادم إلى مدينتهم. أما أهل القرى والريف فنجدهم على العكس من ذلك، فهمأبطأ من أهل المدن ولكنهم أقل انفتاحًا واكثر تحفظًا، ويتمتعون بروح الضيافة والكرم وتقديم المساعدة للغريب. أما سكان الجبال فهم أكثر انغلاقًا وريبة من الإثنين السابقين. كذلك هم سكان الصحراء، فهم يبهرون القادم ببساطتهم وبطء تعاملهم مع الغريب. وبالطبع هذه هي صفات عامة، يمكن لها أن تختلف بدرجات بين بلد وآخر، غير أنني وجدتها مشتركة بين العديد من البلدان والمدن التي زرتها في حياتي منذ أن تركت مدينتي بغداد منذ أكثر من أربعين عامًا، تنقلت خلالها في العيش في القارات الخمس، وعملت في بلدان أوروبية وعدة ولايات امريكية مختلفة وفي الشرق الأوسط والهند والصين واليابان. ومن الغريب أن الكتابة لم تشغلني عن أي من هذه الدول، رغم أن العديد من المدن تركت اثراً ما في وجداني، ووجدت طريقها إلى قصائدي، مثل بغداد ومدينة الكويت وكوبنهاجن وسمرقند واصفهان والاسكندرية واسطنبول ولشبونة ونيويورك وغيرها الكثير، ولكن دافع الكتابة عن انطباعاتي عن بلد ما وناسه لم يجرني إلى الكتابة عن أي بلد حتى زرت عمان في مطلع هذا العام، ولم يتسن لي بعدها أن أبقي قلمي سجينًا في القصائد فقط. فحال رجوعي من عمان، تملكني شغف الكتابة عنما رأيت وعنما تعرفت عليه وصادفته من تحضر ومدنية لم أشهد لهما شبيهًا في جميع رحلاتي. فكتبت مقالاً للقارئ الدنماركي، وها أنا أكتب للقارئ العربي.

هناك بالطبع المعلومات الثابتة عن عمان والمتوفرة على صفحات الانترنت، بما في ذلك المساحة وعدد السكان والمقيمين فيه، كذلك نبذة وافية عن تاريخ البلد وفترات الاستعمار وفترات حكم العمانيين لبلدهم ومتى استقل وما حققه هذا البلد من منجزات…الخ، وما كشفته آثار الحضارات التاريخية الأولى في وادي الرافدين ومصر عن أهمية عمان منذ تلك القرون، وحضارته التي امتدت في فترة زمنية معينة، وبالتحديد في القرن السادس عشر والسابع عشر، لتضم جهتي الخليج العربي وكل جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا حتى شملت مدغشقر وجزر القمر. لم أجهل هذه المعلومات قبل زيارتي، إلا أنها لم تمدني بالمعرفة الكافية لطبيعة العمانيين اليوم.

بداية الرحلة

بدأت رحلتي، وصحبتي الأوروبية، في العاصمة مسقط، ثم توجهت إلى العاصمة القديمة صحار، ثم المدينة الأثرية نزوى التي كانت ايضًا العاصمة في عصور الاسلام، بعدها دخلنا الصحراء ومكثنا فيها لكي نتعرف على بدوها وطقسها وعادات سكانها، ثم غادرنا الصحراء إلى مدينة صور، التي اتخذها الفينيقيون مركزاً لهم وهم الذين اطلقوا هذا الاسم عليها تيمنًا بمدينة صور اللبنانية،  كما يذكرنا التاريخ، لنعود مرة أخرى إلى مسقط. ولم يفتني التوقف في العديد من المدن الصغيرة والقرى الواقعة بين هذه المدن. وقد استطعت أن احتك واتعرف على معظم المكونات السكانية لهذا البلد، من سكان المدن والقرى والجبال والصحراء والموانيء. كما أن هذه المدن هي الأهم والأكبر في عمان، وتشكل مجتمعة دائرة تضم في داخلها السهول والجبال، ويتاخم محيطها الصحراء، التي هي جزء من صحراء الربع الخالي، والسواحل الخلابة واللامتناهية في طولها. وهذه المدن وما يحيطها تضم معظم الآثار العمانية التي ساهمت في صيرورة البلد وصيرورة أهله منذ عصور قبل التاريخ وحتى يومنا هذا. فهناك القلاع والحصون التي تشهد على حياة لا مثيل لها في مكان آخر، وكل مدينة لها قلعة وحصن وسوق وسور للمدينة القديمة، تم ترميمها بعناية ومهنية عالية لتقف اليوم شاهدة لمكان كان يومًا وجهة يؤمها الناس من جميع أنحاء العالم ليرجعوا بخيرات لا يجدونها في بلدانهم أو في البلدان المجاورة لهم، وكما للطفل المدلل في المثل الدنماركي أكثر من إسم، لعمان كذلك، فقد سماها السومريون ”مجان“ بمعنى الميناء ولقّبوها ”بجبل النحاس“ لشهرة أهلها في استخراج النحاس الذي كان يعتمد عليه العالم. وأطلق عليها الأوروبيون اسم ”بلاد البخور“، وتوازيًا مع طريق الحرير سميت ”بطريق البخور“، ولاحقًا ”بلد اللبان“، كما أسماها الفرنسيون.. وهكذا فلعمان أكثر من إسم، وحقًا يستحق هذا البلد أن يكون مدللاً، لما دلّل العالم بخيراته وموارده الفريدة. غير أن العالم اكتفى بالموارد والخيرات العمانية وفاته أن ينهل من عمان والعمانيين ما هو أهم من الموارد والخيرات، شئ فريد لم أصادفه في أي بلد آخر، ولم أحلم أن اصادفه يومًا، وإن حدثني أحد عنه لقلت أنه ضرب من الخيال أو على الأقل مبالغة من الراوي.

طبيعة العمانيين

ما أتحدث عنه الآن وما شكّل لي مفاجأة جميلة هو طبيعة العمانيين التي تختلف حتى عن كل العرب والمسلمين، وعن جميع شعوب البلدان التي زرتها وعشت فيها. في عمان يقابلك العماني بالترحاب غير المعهود، بغض النظر عن لون بشرتك أو شكل ملبسك، إن كنت رجلاً أو امرأة، إن كنت عربيًا أو أجنبيًا، إن كنت شابًا أو شيخًا… فهو لا يقابلك إلا لكونك إنسانًا مثله، وعليه أن يساعدك دون أي حساب لأي مقابل، فقط لأنك غريب. والعمانيون يتسابقون، رغم اختلاف  انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية، لتأدية العون لمن يصادفونه، إن كان ذلك في المدن الكبرى أو في القرى أو في الصحراء، وعلى الرغم من مظهرك الذي يصرخ بأنك لست عمانيا، وذلك لأن للعمانيين زيهم الخاص الذي يختلف عن الآخرين، ذلك الزي الناصع في نظافته ورائحته العذبة، تلك الرائحة التي تجعلك تمشي وراء أي عماني، فقط لتستنشق ذلك العطر الطبيعي الذي لم تمسه آلات التصنيع، تمشي وراءه وكأنك تتنزه  في بستان تفوح منه رائحة العود والمسك واللبان والياسمين والورود الزكية. ولباس العمانيين معروف، فالدشداشة والعباءة والبشت والسروال وغطاء الرأس لباس لكل العمانيين، وتتغير ألوان هذا اللباس الجذابة بتغير المناسبة وفصول السنة، ولكن ما يطغي عليه هو البساطة والأناقة. كذلك الكمة أو العمامة التي تنم عن ذوق رفيع لتناسقها مع تفاصيل الدشداشة وألوانها. في المتحف الوطني، اطّلعنا على مختلف الأشكال للباس العماني، واكتشفنا أن في ملبس الرجال والنساء إيحاءات للمكان الذي ينتمي إليه العماني أو العمانية، معروفة لأهل البلد والدارسون للأزياء فقط. الأهم من ذلك كله هو التعامل الانساني البحت عند العمانيين، الذي تحيرت في أن أطلق عليه أي نعت أو صفة يمكن أن ينعت بها غير العمانيين. فصفة التسامح لوحدها لا تكفي لوصف العمانيين، كذلك قبول الآخر واحترام ما لدى الآخرين وذوي الأخلاق الحميدة والذوق الرفيع وتميّزهم بالتأني والهدوء وبالتأهب لمد يد العون…الخ، كل هذه إلا صفات منفردة، وليس هناك في اللغة، على حد علمي، كلمة واحدة تجمع كل هذه الصفات. لذلك وجدت أن كلمة ”العمانية“ يمكن أن تدخل في اللغات كصفة تجمع كل هذه الصفات وتعبر عن قيم وسلوك لأي انسان يتحلى بما يتحلى به العمانيون. ربما يظن البعض أنها مبالغة مني، ولكنها تبقى انطباعًا رافقنا طوال الرحلة، ولليوم أجد من يحبني في الرحلة يحاول أن يقلد العمانيين في الحياة اليومية.

يحدث فقط في عمان

في رحلاتي حول العالم صادفت بالطبع أناسًا يتحلون بواحدة أو أكثر من هذه الصفات، ولكني لم أصادف ناسًا يتحلون بالعديد من هذه الصفات في آن واحد، ولم أصادف شعبًا يمتلك هذه الصفات بغض النظر عن انتماءاته وطبيعة حياته. فالعماني يقبلك كآخر ولكن يعاملك كمثله ويبدي استعداده لمساعدتك إن احتجت لها اينما كنت، في الطريق العام أو في البنك أو في المحلات التجارية أو حتى في مركز للشرطة. في ظهيرة أحد الأيام، عندما كانت الاسواق مغلقة والناس يتمتعون بقيلولة النهار، توقفت عند موقف لسيارات الأجرة لأتأكد من وجهتي التي كنت أقصدها من سائقي سيارات الأجرة اللذين كانوا قد تركوا سياراتهم للتمتع بالحديث مع بعضهم وشرب الشاي والقهوة. ولكن سرعان ما اختلفوا بينهم عن أقصر الطرق إلى وجهتي، فنهض احدهم وطلب مني أن أتبعه في سيارتي. بعد بضعة كيلومترات قطعناها على الطريق، هو في سارة الاجرة وانا في سيارتي، أشار لي عن المكان المقصود ورجع أدراجه دون أن يطالبني بأي مقابل! ولم يكتف بذلك، بل دعاني والأوروبيين الذين كانوا يرافقونني إلى طعام الغداء في بيته لأن ”في أوقات الظهيرة تكون جميع المطاعم مغلقة“ كما أخبرني. 

وفي محل لبيع شرائح الهاتف الجوال والاشتراكات الهاتفية، نقل أحد الزبائن، دون أن أطلب منه ذلك، رصيداً إلى جوالي بعد أن تعذر على البائع التعرف على الكارت البنكي الذي كنت أحمله. وكذلك هنا، لم يطلب هذا العماني أي مقابل، بل اكتفى بالمعونة وذهب لحاله مودعًا بكل أدب. وفي إحدى القرى، شاهدتنا إحدى السيدات وتعرفت على نظرات الفضول في أعيننا، فلم تتوان في دعوتنا إلى دخول منزلها لترينا بفخر متواضع كيف تعيش اسرة عمانية في هذه القرية، بعد أن قدمت لنا البلح والقهوة العمانية الشهيرة التي يقدمها أي عماني لأي زائر مرحبًا بمجيئه، حتى في مركز الشرطة، يقدم لك الضابط ذلك خلال فترة الانتظار! بعد كل هذه التجارب، بتنا نسأل بعضنا، في أي بلد صادف أي منّا مثل هذه الضيافة؟ وفي أي مكان عام أو خاص، وحتى في المحلات التجارية، تعرض المنتجات ليتذوقها أو يجربها الزبون مجانًا، ودون أي شرط للشراء، وإن كانت المنتجات من المكسرات أو التوابل أو الفواكه أو الحلوى العمانية الشهيرة. 

في هذه الرحلة لم نكن نعرف أي عماني مسبقًا، ولكننا شعرنا بالأمان. فالضيافة في عمان لا تقتصر على من يعرفونهم، بل هي ضيافة للجميع. والملفت للنظر، أننا لم نصادف في عمان خناقًا أو شجاراً في الشارع أو في الأسواق الشعبية، ولا شحاذاً، ولم يحاول أحد أن يخدعنا أو يبتزنا، ولم تدو أبواق السيارات تشهّر بفوضى المرور، ولم أسمع ميكروفونات الآذان تؤذن بأصوات غير مرغوب بها وصلوات تطول لنصف ساعة كما هو الحال في بعض الدول الاسلامية، تزعج حتى المسلم، ولم يوقفني شرطي طمعًا برشوة أو ليستعرض سلطته، ولم يمنعني أحد من دخول أي مكان، ولم يكلمني أحد بصوت عال أو بلهجة آمرة، ولم يتنكر أحد عن مساعدتي، ولم أجد مدخنين ينفثون بدخان سجائرهم في هواء الصالات والمقاهي والأمكنة العامة، ولم أجد القمامة ورائحتها تعم الأرصفة والشوارع.. باختصار، لم أجد في عمان ما يجرح الذوق العام.

ما هو سر عمان؟ 

لي أن اتحدث طويلاً عن هذا البلد، وأن أذكر حكايات يصعب تصديقها، عن ذلك البدوي الذي ترك سيارته ليسألني إن كنت بحاجة إلى المساعدة، وابن المدينة الذي دفع مبلغ موقف سيارتي لأنه وجدني عاجزاً عن ايجاد طريقة للدفع، وصياد السمك الذي قدم سمكة مجاناً لنا لانه لا يملك ماكينة تقرأ البطاقات البنكية، وبائع التوابل الذي قدم علبة من ”السمّاك“ فقط لأن الزبون الأجنبي لم يعرف هذا المنتج، وربة البيت التي أعدت الطعام لغرباء صادفتهم أثناء فترة الظهيرة، وغيرها من الحكايات المفرحة التي يسعد بها أي سامع عن ذلك البلد الذي يدعى عمان وعن العمانيين.

غير أن السؤال يبقى عالقًا في الذهن، ترى ما هي الأسباب أو المقومات أو الأحداث التي جعلت من شعب يتحلى بهذه الآداب والأخلاق الفريدة؟ مختلفًا بها عن شعوب العالم أجمع. سؤال لم أستطع الاجابة عليه، فهل لي أن أعزي ذلك إلى حفاظ العمانيين على تراثهم وتقاليدهم التي طوروها تبعًا إلى رغبتهم وسرعة سير مجتمعهم، بينما تشوهت عند الشعوب الأخرى بفعل دخول الاستعمار وتعاقب السلطات القمعية؟ لكن هذا ليس إلا مشجبًا سهلاً يمكن أن أعلق عليه كل الأسباب والعلل التي تعاني منها شعوب المنطقة. هل لي أن أعزي ذلك إلى التقاليد الدينية المتسامحة، أم هو التكاتف الشائع بين العمانيين وحبهم الحقيقي لبلدهم؟ أم هو الفخر المتواضع بما لديهم؟ هل هي قوانين المساواة التي لا نجدها عند اكثر الشعوب مدنية؟ أهو التعليم المبكر والذي يذكّر باحترام الآخر وقبوله بغض النظر عن اختلافه؟ وربما تكون الأم العمانية وراء كل ذلك، فهي تربي أولادها وتعلمهم هذه الاخلاق منذ ولادتهم في حضنها؟ أو ربما يكون كل ذلك مجتمعًا! ولكنه يبقى في جميع الاحوال سؤالاً على الباحثين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي أن يجيبوا عليه. 

ما لي أن أقوله للقارئ الآن هو، أن العمانيين يبدون لي وكأنهم يتحلون بصفات لا تنتمي لهذا الكوكب، وكما يعرّف انساناً بهذه الصفات في علم الاجتماع بانه ذو فائض، أجد العمانيين يتحلون بفائض انساني يجمع الفائض العاطفي والمادي في آن واحد. ولي أن أعترف، أن هذه الصفات لم اصادفها في أي بلد عربي أو أوروبي أو أمريكي أو شرق أسيوي أو أفريقي، صفات أخبرتنا القصص أن الأنبياء تتابعوا في التاريخ لكي ينصحوا شعوب الأرض بالتحلي بهذه الأخلاق، والظاهر أن العمانيين فقط من اتبع وصايا الأنبياء. لقد تركت هذه الزيارة أثراً في وجداني يجعلني أثابر على أن أتحلى يومًا بهذه الصفة.. "العمانية".  
-------------------------------------
بقلم د. سليم العبدلي
* كاتب واكاديمي يقيم في الدنمارك
من المشهد الأسبوعية



       







اعلان