29 - 06 - 2024

في عزاء الشهيد محمد صلاح: لا تصوير ولا تسجيلا صوتيا ولا سرادق ولا تصريحات مخافة المتاعب

في عزاء الشهيد محمد صلاح: لا تصوير ولا تسجيلا صوتيا ولا سرادق ولا تصريحات مخافة المتاعب

لم أتردد لحظة في الذهاب الى عزاء الشهيد محمد صلاح إبراهيم، منفذ اشتباك الحدود مع الجنود الإسرائيليين الذي أصبح حديث العالم العربي كله في الأيام القليلة الماضية، ووصفه رواد شبكة التواصل الاجتماعى بأنه بطل وفخر العرب الحقيقي، وقام بعضهم بتغيير صفحاتهم الشخصية بصورة الشهيد كتعظيم لما فعله علي الحدود مع الكيان الصهيوني .

استغربت مثل الكثير حينما نشر أحد أقارب الشهيد بأنه تم دفن جثمان المجند محمد صلاح إبراهيم، ظهر أمس في بلدة العمار الكبرى بالقليوبية، في سرية بالغة، وتوقعت أن يتم تعويض ذلك بإقامة عزاء يليق بشهيد مصري بذل روحه فداء لما كان مكلفا به من حماية حدود مصر ، لكن ما رأيته خالف جميع التوقعات. 

حين وصلت عين شمس سألت عن حارة عطيتو المتفرعة من شارع الشهيد أحمد عصمت، من هنا بدأت القصة، لم استدل علي الحارة في بداية الأمر وبعد اللف والسؤال كثيرا وصلت الي الحارة، التي يقع علي ناصيتها المقابلة سوبر ماركت صغير جدا يجلس أمامه علي كراسي بلاستيك أكثر من عشرة أشخاص، ملامحهم ونظراتهم العجيبة وهيئتهم تدل علي عدم انتمائهم لتلك الحارة، ولا أنهم من أقارب الشهيد لأنهم لو كانوا من أقاربه فلماذا لا يأخذون العزاء مع أهله!؟

ولأنني كنت أرتدي ملابس سوداء وأسأل عن منزل الشهيد، فوجئت بمجموعة صغيره من الشباب تتراوح أعمارهم بين ٢٠ الي ٢٥ عاما يرتدون تيشرتات وبناطيل جينز وعددهم حوالي خمسه، وقالوا لي نصآ "حضرتك عاوزه تعزي " قلت لهم: نعم، وبالفعل اصطحبوني الي منزل الشهيد الموجود في أول "حارة عطيتو".

هي عبارة عن حارة ضيقة جداً، لا يعقل أن يتم إقامة عزاء فيها، في وقت عصر اليوم لم تكن توجد من الأساس آثار تدل على إقامة عزاء، ولا قرآن تم تشغيله طوال فترة تواجدي التي استمرت نصف ساعة، ولا يوجد أمام منزل العائلة سوي أقل من عشرة كراسي يجلس عليها بعض الشباب.

في مدخل المنزل الذي كان ضيقا أيضا، تفاجات بشاب في العشرينات ورجل في أواخر الأربعينات،وقالوا لي نصآ "ممكن نتعرف علي حضرتك" عرفتهم  بنفسي، فقالوا لي: حضرتك نورتينا وهندخل حضرتك عزاء الحريم لوالدته، لكن لن نتحدث عن أي شيء وكل المعلومات قمنا بكتابتها عبر صفحاتنا علي الفيس بوك، ولن نتحدث عن أي شيء نهائيا، ونطلب من حضرتك عدم تصوير والدته أو تصوير العزاء حتي لا تحدث لنا أي مشاكل.

وبالفعل دخلت المنزل في الدور الأرضي، قابلت والدة الشهيد التي كانت تبدو تائهة بعض الشيء وكأنها لا تدرك ما يحدث حولها، تواجدت في صالة الشقة المكونة من غرفة وصالة، ولأنني كنت جالسة في الصالة فلا أعلم حجم الغرفة، ومعي مجموعة من السيدات وبعض الفتيات الصغيرات اللاتي كن داخل الغرفة فلم أر غيرهن أثناء خروجهن ودخولهن إلي المطبخ، ومن الواضح أن كل هؤلاء من أهل المنزل، فلا يوجد احد من خارج المنزل لأن الشاب الذي اصطحبني لداخل الشقة، كان يقول للسيدات التي كانت تجلس في الصاله يا "عمتي" بعد ذلك نادى الشاب نفسه والدة الشهيد وقال لها يا "أمي" اريدك ثانية، شعرت حينها أنه كان يوصيها بعدم التحدث معي نهائيا.

والدة الشهيد سيدة شابة ، يتضح من ملامحها أنها لم تتجاوز  الأربعين من عمرها، كانت تجلس في حالة ذهول علي كرسي لأخذ عزاء نجلها، وكأنها لا تصدق ما يحدث حولها، كل ما كانت تفعله هو النظر إلى صورة ابنها الشهيد على شاشة تليفونها وتدمع عيناها ، ثم تنظر الي الحاضرات اللاتي لم يتخط عددهن عشر سيدات وتنظر إلي في هدوء تام وكأنها لا تصدق أي شيء.

حينما قررت الانصراف لئلا يكون وجودي مثار قلق لأسرة الشهيد احتضنت والدته، وقلت لها: اعلمي جيداً أن نجلك شهيد ونيابة عن الجميع تقبلي عزائي ، هي قالت أنها راضية كل الرضا عن نجلها وأنها كانت تحبه كثيرا لأنه كان بارا بها، وحينما سألتها عن نجلها الآخر وعمه (بعدما ترددت شائعات القبض عليهم) قالت لي: إنهم الحمد لله بجانبها يأخذون عزاء الشهيد، واعتذرت لي عن عدم التسجيل أو التحدث عن أي شيء يخص نجلها الشهيد. 

التزمت بكل ماتطلبه هذه الأسرة الكريمة التي أنجبت بطلا.. وانصرفت دامعة العينين.
------------------------
تقرير - بسمة رمضان







اعلان