30 - 06 - 2024

30 يونية .. انقلاب السحر على الساحر

30 يونية .. انقلاب السحر على الساحر

لم تكن المرة الأولى التي أخرج فيها ضد الإخوان؛ سبق ونزلت الميدان عقب الإعلان الدستوري لمرسي؛ وحضرت نهار زحف القوى المدنية للاتحادية والذي انتهى بهجوم الإخوان على المعتصمين؛ وفي محمود محمود ٢؛ وذكرى يناير لكن هذه المرة كانت تختلف.

لم يكن الخروج اعتراضا على قرار أو موقف وإنما على الحكم والحاكم معا؛ كان النزول غير محمود العواقب مع سبق الإخوان واتباعهم بالاعتصام بميداني رابعة والنهضة؛ ومع الدماء التي سالت خلال عام من حكمهم؛ ومع تشبثهم بالسلطة؛ ولم يبد من القوات المسلحة حتى حينه ما يؤكد أنها ستقف مع "الشارع" لا مع "الشرعية" الزائفة التي يتمسك بها الجالس على كرسي الرئاسة.

كانت الساعة تقترب من التاسعة صباحا، قررت البداية من أمام سكن الدكتور "محمد مرسي" والذي لا يبعد عن بيتي بأكثر من خمس دقائق؛ تحركت وجارتي التي رفضت أن أذهب بمفردي؛ كنا أول الواصلين ولم يكن هناك أحد أمام منزله إلا حاجز أمني لم يمنعنا من الوقوف بالجزيرة التي تقطع الشارع في مواجهة المنزل الفارغ من ساكنيه.

بدأت بالهتاف وجارتي ترد؛ واستمر الحال لثلث ساعة أو يزيد؛ وهناك من يرصد ويصور من شرفة مجاورة؛ كنت أعرف أن النزول يعني أننا لن نعود إلا وقد سقط حكم المرشد؛ لم يعنني أني صوت لا يشاركه إلا جارتي؛ لكن أسرة تقطن بجوار مرسي؛ انضمت ثم أخذ العدد يزداد؛ شعرت أنها الرد على من مروا سابقا بسياراتهم يسخرون من امرأتين "انتم بقى اللي هتسقطوا الدكتور مرسي".

المشهد اللافت أن أغلب المنضمين؛ من البسطاء؛ بوابون أو عمال بالقرب من مسجد "فاطمة الشربتلي"؛ وعلى مدار ساعة ونصف لم نتوقف عن الهتاف؛ أدركت أنه حان الوقت للذهاب لمقر الحكم؛ الاتحادية.

في الطريق شبه الخالي من القاهرة الجديدة مرورا بصلاح سالم؛ لم يترك "علم مصر" الذي تدلى بكل نافذة وشرفة مكانا ليتملكني القلق؛ وبدأت البشائر عند عمارات العبور حيث أشخاص استجابوا لدعوات الحشد بالجلوس أمام المباني بالكراسي والكنب.

طوال العام الفائت كان الأمر لا يختلف عن المشهد عندما نزلت ميدان التحرير في يناير 2011؛ حيث الوجوه التي أعرفها وتشاركنا وقفات نقابة المحامين والصحفيين بين عامي 2001 و2004 المعروفين في الوسط السياسي بجيل السبعينات؛ مضافا إليهم شباب نشط خلال سنوات الحراك المصري أثناء غيابي للعمل في قطر ؛ وانضم إليهم أبناء طبقة وسطى طامحين للحرية والعدالة والمواطنة ودولة القانون.

أما الاتحادية فكان هؤلاء قلة مقارنة بالحضور الشعبي من كل الطوائف؛ حضرت الطبقات الدنيا إلى جانب الوسطى؛ والعمال بجوار الطلبة والمثقفين.

كان 30 يونيه يمثل "الصحوة" بكل ما تحمله من معنى والحضور الشعبي الأقوى؛ وجوه غير مسيسة؛ لم تسجل سابقة نشاط ضد السلطة؛ حضروا مدافعين عن "مصر" التي يعرفونها والتي كانت الجماعة تختطفها؛ خرجوا يهتفون بسقوط حكم المرشد معلنين أنه وحكمه لم يعد يمثلهم؛ ولن يمنحوهم مزيدا من الوقت؛ لقد نفد صبرهم..

"المخزون الحضاري" تعبير لا يحدده مستوى تعليم ولا درجة اجتماعية؛ إنه جزء من الموروث الجيني؛ تعبر عنه فطرة واعية وإدراك واسع؛ تجعل الخبرة المكتسبة لا تحتاج لوقت او سنوات كي يعرف ويفهم "الزتونة؛ أو اللبة"؛ سريعا يكتشف الزيف؛ ويميل في خياراته لما هو أصوب وأصلح..

هكذا لعب الموروث والمخزون الحضاري دوره في قيادة المصريين؛ وضبط بوصلتهم للخروج ضد حكم الإخوان؛ وهو ما لم تسبقهم إليه دول إقليمية لا تزال تخضع ولم تدرك.

خرج البسطاء معلنين أن حكمة السنين أكبر من أن تنخدع بعباءة الدين؛ وأنهم منحوا الفرصة للإخوان وها هم يستردون زمام الأمر..

صنع مشهد ٣٠ يونيه سياسيون ونشطاء خرجوا يستكملون مسيرة ثورتهم ٢٥ يناير ضد احتكار السلطة وحكم أهل الثقة الذي استبدل بالأهل والعشيرة؛ وبحثا عن "حرية وعدالة" لم يأخذ منها الإخوان إلا إسما لحزبهم؛ في حين خرج البسطاء والعامة تأكيدًا للـ"هوية"..

نعم "الهوية" التي طالما اتخذها الإخوان وجماعتهم سلاحا وشرعية لوجودهم بصفتهم الممثل والحامي لها؛ خرج المصريون بكل ما يحملون من فطرة وإدراك يعلنون أن "هوية" الإخوان ليست هويتهم؛ وأن دين الإخوان غير الذي ينتمون إليه..

فكانت ٣٠ يونيه انقلابا فعلا؛ لكنه انقلاب السحر على الساحر؛ فهوية الإخوان البعيدة عن اعتدال وثراء حضاري مصري يدب في عمق التاريخ؛ بهوية قاصرة بعيدة عن طبيعة مجتمع يعرف الإسلام سلاما وتسامحا؛ محبة ومساواة.

ودين رآه التنظيم يشرعن للصراع مع الجميع وضد الجميع إلا جماعة "المسلمين الإخوان"؛ وعرفه المصريون دين تعارف وتعايش وإعمار للأرض؛ وخلافة تعلي قيمة الإنسان وقدره؛ وليس خلافة تقسم العالم لدارين .. حرب وإسلام.

عشر سنوات مرت بكل ما فيها؛ وكل ما فيها يثبت أن المصريين لم يبدلوا خيارهم بإسقاط الجماعة وعدم نصرها؛ وأنهم يقبلون أي شيء إلا أن يعود الساحر بعد أن أبطل الشعب سحره و رده إلى نحره.
----------------------------
بقلم: سوزان حرفي
(المقال نقلا عن صفحة الكاتبة على فيس بوك)

مقالات اخرى للكاتب

إن لم يكن الآن.. فمتى يحين وقت إقالة الحكومة!





اعلان