17 - 07 - 2024

بمناسبة الذكري العاشرة للثلاثين من يونيو .. أما آن الأوان؟

بمناسبة الذكري العاشرة للثلاثين من يونيو .. أما آن الأوان؟

في أعقاب الرفض الشعبي الواسع لاستمرار جماعة الإخوان في حكم البلاد، وخلعهم بواسطة الجيش، الذي كان يعد الجهة الوحيدة القادرة علي القيام بهذا الدور، مع توافر حاضنة شعبية واسعة في ذلك الوقت، عانت البلاد لعدد من السنوات من اعمال عنف وارهاب غير مسبوق، من حيث اتساع رقعته جغرافيا ونوعيا بصورة تشبه الحرب …. الأمر الذي استدعي اطلاق يد كافة الأجهزة الأمنية في مصر للتصدي لأعمال العنف والتخريب والفوضى التي خلقها ذلك التيار المخلوع نتيجة لعدم تمكّينه من اقامة دولته الدينية في البلاد.

 وقد أخذ الأمر في التوسع كنتيجة طبيعية لتلك الأوضاع الأمنية الخاصة جدا، التي فرضها واقع داخلي واقليمي ودولي محدد علي أجهزة الدولة والمسؤولين، وهو واقع الفوضي التي خلفتها جماعات الارهاب والعنف السياسي المغلف بالدين في الكثير من الاحيان، واقع اراد ان يهدم المعبد علي رأس الجميع في اطار مقولته الشهيرة "اما أن نحكمكم أو نقتلكم"

والآن بعد مرور عشرة أعوام بالتمام والكمال علي إبعادهم عن السلطة وبعد التخلص بشكل شبه كامل من خطرهم الداهم علي الدولة المصرية، ما الذي يضير البلاد والعباد أن توضع الاشياء في مكانها الصحيح وتعود الأمور الي وضعها الطبيعي، وأن يزول ذلك الخلط الذي أخذ يتزايد بصورة باتت شديدة الفجاجة، بل أستطيع القول أنها أصبحت عبئاً علي من اخترعها واعتمدها كأسلوب لادارة البلاد، حيث تحولت من الضرورة الي الهزل ثم الي المأساة حتي وصلنا الي تلك الحالة الكابوسية التي نعيشها جميعاً في الوقت الراهن، وأنا أعني تماماً تعبير جميعاً، حكاما ومحكومين !!!الشعب من ناحية وصانعي تلك السياسات ومنفذيها من ناحية أخري، حيث بات من الحقائق التي يدركها الجميع بمن في ذلك عامة الناس والبسطاء، أن من يدير كل كبيرة وصغيرة في البلد هم أجهزة وجماعات ما أمنية، أو ما يطلق عليهم أجهزة سيادية، فلم يعد أحد يسأل عن قانون أو مؤسسات أو هيئات تابعة للدولة تمارس هذه المهمة أو تلك ليتوجه اليها، حيث أصبح من المعمول به ومن الطبيعي أن نستجدي رئيس الجمهورية ونطلب منه مباشرة، أو أن نتوجه إلي أحد المسؤولين في أي من الأجهزة السيادية لحل هذه المشكلة أو تلك، أو للتدخل لتسهيل ذلك الأمر أو ذاك، وأصبحت الطلبات توجه اليهم مباشرة وليس للجهات المعنية والمسؤولة بحكم الدستور وبمقتضي القوانين، وهو ما يعني عملياً غياب دور مؤسسات الدولة الشرعية واحلال جهات اخري بديلا عنها، الي ان بلغ الأمر حد التغول علي جميع السلطات الاخري في البلاد.

في البداية سعد هؤلاء بممارسة السلطة والهيمنة وبسط النفوذ علي الجميع دون استثناءات، ومع الوقت أصبحت جميع أجهزة ومؤسسات الدولة مجرد جهات تابعة وملحقة ومنفذة لارادة تلك الجهات التي أصطلح علي تسميتها بالسيادية.

فعندما تصل أغلبية كبيرة من المواطنين الي ان تلك هي الطريقة الوحيدة للعيش الآمن وللحصول علي إحتياجاتهم الضرورية، وخاصة مع غياب أي سند آخر لهم يقويهم ويزرع داخلهم قناعات أخري للعيش الكريم دون التسول والاستذلال، يتحول الامر الي عبء علي واضع تلك السياسة نفسه ومديرها، ثم يتحول العبء الي أزمة ادارة كبري لتلك الجيوش الجرارة من المنتفعين ويجد صعوبة شديدة في السيطرة الكاملة عليهم أو الاستفادة من توظيفهم !!!

تعالوا نتخيل شكل البلد لو أن : جميع مؤسسات الدولة عادت تمارس وظائفها وفقاً للدستور والقوانين الحاكمة وبشكل مستقل تماماً ودون أي تداخل بين مهامها ومهام مؤسسات أخري ودون إملاءات أو ضغوط من أي جهة، مهما كانت هذه الجهة.

 • هيئات قضائية علي تنوعها : مستقلة وجميع المواطنين متساوون أمامها، لا تتلقي التعليمات، ولا تقبل تدخلا في ممارسة أعمالها من أي جهة ولا يٌلزمها سوي دستور البلاد والقوانين وضميرها القضائي والانساني.

  • أجهزة شرطية وأمنية : تمارس وظيفتها التي وجدت من أجلها، وهي توفير الأمن والأمان للمواطنين وحماية أمن الوطن وتنفيذ أحكام القانون علي الجميع دون انحيازات، أي أن تكون مسئولة عن تنظيم العلاقات بين جميع المواطنين من ناحية وبينهم وبين مؤسسات الدولة من ناحية أخري في اطار ما يفرضه الدستور وتحدده القوانين المعمول بها في البلد.

 • أحزاب سياسية مدنية تمارس حقها في الوجود علي الأرض وتقدم برامجها للمواطنين وتدعوهم لتبني تلك البرامج وتقدم مرشحيها لهم لجميع الهيئات التي تتشكل بالانتخاب.

 • انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تجري في اطار من الديموقراطية علي جميع المستويات والمناصب.

 •اطلاق حرية الرأي والتعبير والكف عن تجريم الاراء المختلفة مع السلطة الحاكمة واطلاق سراح جميع المحتجزين بالسجون بسبب آرائهم.

في اعتقادي ان هذا ما نحتاج اليه الآن، وهذا ما يمكن ان يوفر الأمن والأمان للجميع، حكاما ومحكومين، وما يحافظ علي استقرار الدولة ويوفر المناخ والبيئة الآمنة للاستثمار، باختصار مطلوب العودة الي الحياة الطبيعية اللائقة بشعب متحضر يسعي لحل مشاكله ومناقشة حاضره ومستقبل ابنائه باعتماد اسلوب ونهج الحوار والتفاعل الديموقراطي الآمن بعيدا عن سياسات التخويف وتكميم الأفواه.
---------------------------------
بقلم: د. مجدي عبد الحميد

مقالات اخرى للكاتب

حارة نجيب محفوظ ومشهد الانتخابات الرئاسية