30 - 06 - 2024

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٣)

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٣)

إذا كانت الظروف السياسية لاتعطى الفرصة للاحزاب وللقوى السياسية تواجدا.. فهل يمكن أن يتم تغيير الأوضاع للأحسن عن طريق الإصلاح وليس الثورة؟ 

من الطبيعى عندما تصل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل مناحى الحياة إلى هذه الأوضاع المتردية التى كانت تجتاح البلاد خاصة فى السنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك، كان من الطبيعى أن تتجه الأنظار إلى التغيير الثورى وليس التغيير الاصلاحى ، لأن التغيير عن طريق الإصلاح دائما مايكون داخل النظام السياسى نفسه وبالطرق القانونية والشرعية. فلا كان هناك دستور ينفذ أو قانون يطبق ولا وجود على أرض الواقع لممارسة سياسية تجعل حتى مجلس الشعب حينها يمارس دورا  تشريعيا أو رقابيا، خاصة أنه خلال تلك السنوات الأخيرة كانت كل القوى السياسية بكل صنوفها لاتملك غير الاجتماعات والمناسبات الدينية مثل افطارات رمضان حتى تكرر مقولة ما العمل؟ وماذا نفعل؟ 

كانت تلك المناسبات تجمع كل القوى مؤجلة تناقضاتها السياسية تحت شعار وامل التغيير، لم يكن احد يفكر أو يحلم بالثورة وذلك لغياب الظروف الذاتية التى تخص التنظيم الثورى، وان كان الظرف الموضوعى وهو الفساد والاستغلال وغياب الحياة السياسية ..الخ، كانت قد نضجت إلى أقصى حالات النضوج. وهذا يعنى أن القوى السياسية تتحدث عن إصلاح غير موجود وعن ثورة فى إطار الاحلام والامنيات، وذلك لأن هذه القوى السياسية كانت لاتملك دورا حقيقيا جماهيريا فى الشارع يقوى ظهرها ويفعل دورها . فكانت الحركة السياسية تعتمد على ابداء الرأى فى وسائل الاعلام وبعض الصحف الحزبية التى تقلصت نتيجة لتفكيك تلك الأحزاب من داخلها سواء بسبب اختراق الحزب الوطنى لها أو نتيجة لصراعات حزبية شخصية وذاتية تتصارع على الهواء!  

هنا لاشك أن حركة كفاية التى بدأت بمظاهرة أمام دار القضاء العالى أواخر عام ٢٠٠٤ كانت قد حركة الأمور وحفزت الجهود فى إطار المطالبات والشعارات الإصلاحية تحت شعار (لا للتمديد ...لا للتوريث) فى الوقت الذى كسرت فيه شوكة البداية لنزول المظاهرات إلى الشارع والتى لم تكن موجودة. 

هنا لابد من وقفة تذكر . كانت جماعة الإخوان بالرغم من موقفها البراجماتى النفعى والذى تمثل فى سياسة الباب الموارب بينها وبين مبارك بل بينها وبين كل القوى السياسية . كانت تلك الجماعة أول من استفاد من كسر حركة كفاية تخوف النزول إلى الشارع . بالرغم من تحفظ الجماعة للانضمام فى البداية إلى كفاية، حيث كان هناك حوار بين عبد المنعم ابو الفتوح والمهندس ابو العلا ماضي حول هذا التخفظ الذى كان بسبب أن منسق الحركة (مسيحى!) .

هنا ماهو الموقف السياسى ووضع القوى السياسية قبل ٢٥ يناير؟ كانت الأحزاب ورقية لاتملك غير اسم ومقر وبعضها يملك جريدة. لم يكن لها اى تواصل جماهيرى حقيقى مع الشارع حتى تدعى التعبير عنه.  كانت هناك حركة كفاية وبعد ذلك ٦ أبريل مع حراك جماهيرى نخبوى لم يصل إلى حراك جماهيرى.

يمكن أن نقول أن المشهد كان يمكن أن يختصر كالاتى : أحزاب (فى وضعيتها السابق الإشارة إليها) ونخبة سياسية فوقية لا علاقة لها بالشارع، تجمعها علاقات شخصية أكثر مما تجمعها مواقف سياسية جماهيرية، بل يكتنفها صراعات شخصية وذاتية (وهذا طبيعى) مثل ذلك الصراع الذى ظهر بعد يناير وفى الميدان بين البرادعى وصباحي!

نأتى إلى جماعة الإخوان: جماعة وجدت منذ عام ١٩٢٨، منذ البداية وجدت على أرضية دينية استغلالا للدينى لصالح السياسي، تعاملت مع كل النظم السياسية (فؤاد .فاروق . نجيب. عبدالناصر . السادات .. وما ادراك بالسادات . مبارك). كان التعامل حسب الموقف بعيدا كل البعد عن أى توافق ايدولوجى أو سياسي، حيث أن الجماعة لانستطيع أن نقول انها جماعة سياسية تملك رؤية ومنهجا سياسيا يمكن أن تتفق أو تختلف معه. ولكن كان هو المنهج النفعى (اللى تكسب به العب به) . كان هذا فى الوقت الذى كانت الجماعة تحمل اسم (المحظورة) بينما كانت في الواقع (المحظوظة). 

اتسع التنظيم وتوغل فى النقابات والجامعات وكل مؤسسات الدولة (تعليم . إعلام.  مجلس شعب) مع علاقة نفعية مع القوى السياسية بهدف التواجد الذى يضمن المعارضة والذى لايتعارض مع النظام.  فكانوا فى كفاية فى الوقت الذى كانوا فيه مع التوريث! الاهم أنه كانت لهم خريطة اجتماعية تعتمد على تقديم الخدمات المادية والعينية بكل أنواعها فى وقت كانت تزداد فيه نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة وهذا وهو الأهم كان على الأرضية الدينية. 

فى الانتخابات كانت تتحول هذه الخريطة الاجتماعية إلى خريطة انتخابية سياسية، هنا كان مكمن الخطر. لماذا ؟ كان نتيجة ذلك خضوع وممالأة الجميع هذه الجماعة، سواء كان نظام مبارك أو القوى الحزبية والسياسية (انتخابات مجلس شعب ١٩٨٤ مع الوفد ومجلس ١٩٨٧ مع العمل) . ولذا كانت الجماعة تظهر فى كل المناسبات حسب ماتريد وما يحقق لها النفع بعيدا عن أى التزام سياسى حقيقى . فهل فى مثل هذه الظروف يمكن أن يكون هناك تنظيم ثوري يمتلك برنامج ورؤية ثورية تطبق بعد إسقاط النظام ؟

بالطبع لا ، ولذلك كانت هنا أمانى واحلام لم تتسع بأحداث ثورة ولكن أن تكون هناك انتفاضة أو هبة شعبية تحرك النظام لحالة إصلاحية .. سنرى
-------------------------------
بقلم : جمال اسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان