30 - 06 - 2024

مهرجان "دواير" وسؤال المال الثقافي

مهرجان

من 6 إلى 15 يوليو 2023 أقيمت الدورة الأولى لمهرجان "دواير" الثقافي في دار سينما "راديو" في وسط القاهرة، بتنظيم رائع تولته مكتبتا "ديوان" و"تنمية"، وهما من أبرز منافذ بيع الكتب، فضلا عن أنهما من الأسماء الصاعدة بقوة في عالم النشر. فالأولى هي الناشر الحصري لأعمال نجيب محفوظ  في صيغتها الورقية، والثانية تقدم بانتظام طبعات مصرية من أعمال لدور نشر عربية، لضمان وصولها إلى القارئ المصري بسعر مناسب، كما أن لها إصداراتها الخاصة المتميزة في الأدب والفكر. 

والجيد في هذا المهرجان الذي قدم على مدار عشرة أيام أنشطة ثقافية متنوعة شاركت فيها أسماء مصرية وعربية بارزة في الأدب والفن والإعلام، أنه حقق فكرة مهمة في العمل الثقافي غير الرسمي، وهي أن يحظى على نحو منظم برعاية مؤسسية تضمن له تحقيق أهدافه، وعلى رأسها الوصول إلى الجمهور المستهدف، للارتقاء بوعيه، وتلبية حاجته إلى المعرفة والمتعة. والراعي الأبرز لهذا المهرجان، على ما يبدو من البيانات الإعلامية لمنظميه، هو مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء – مبادرة أرامكو السعودية). 

ومع احترامنا وتقديرنا لأن ترعى السعودية نشاطا ثقافيا تنظمه مكتبتان مصريتان في القاهرة، إلا أن ذلك لا يمنع من أن نتساءل: أما كان من الأولى أن تتولى تلك الرعاية جهة مصرية، سواء كانت حكومية أو تابعة للقطاع الخاص؟ أما كان من الممكن أن تتولى المكتبتان تنظيم مثل هذا المهرجان من دون طلب تلك الرعاية؟ أم أن الذي حدث هو العكس، بمعنى أن الراعي الرئيسي هو الذي أوكل إليهما مهمة التنظيم؟ 

في الآونة الأخيرة تزايد الاعتماد على "المال العربي" لتنظيم أنشطة ثقافية في مصر، وكأن حكومة بلدنا لا تضم وزارة للثقافة يتبعها صندوق للتنمية الثقافية. وبلغ بنا الحال أن نؤجل مثلا عقد دورة جديدة من ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية، إلى أجل غير مسمى، لضيق ذات اليد. والأمثلة عن تقاعس الحكومة والقطاع الخاص عندنا عن إنفاق المال على العمل الثقافي، تكاد لا تحصى. أما الحديث عن ترك الساحة لغيرنا في مجالات أخرى، تدخل في نطاق قوانا الناعمة،  في الداخل والخارج، فليس موضوع هذا المقال. 

مهرجان دواير هدفه المعلن هو إثراء القراءة، ولذلك أقيم في سياق دورته الأولى معرض للكتاب شاركت فيه أكثر من 25 دار نشر عربية. وفي مصر نتذكر أنه كان لدينا مهرجان القراءة للجميع ومشروع مكتبة الأسرة في سياقه، وكان هذا النشاط يحظى بالرعاية الت يتكفل له تحقيق هدفه الذي لا يختلف عن هدف مهرجان دواير. 

أين ذهب مشروع مكتبة الأسرة والذي نقله عنا أكثر من بلد عربي، بل وأنشأت اليونسكو على غراره مشروع "كتاب في جريدة"؟ لماذا تقلص إلى درجة تجعله أقرب إلى التلاشي؟ هل يمكن اعتبار مهرجان "دواير" مهرجانا مصريا؟ دورته الأولى أقيمت في قلب القاهرة، واجتذبت أسماء مصرية بارزة مثل الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، والكاتب عزت القمحاوي، والكاتبة منصورة عز الدين. يمكننا اعتباره مهرجانا عربيا استضافته مصر، التي نتمنى ألا تكون صفة "قلب العروبة" قد نزعت عنها. ونتمنى أن تتواصل دوراته، بل أن يتحول إلى مؤسسة تمارس نشاطها طوال العام من القاهرة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تتخلى عن كونها عاصمة مصر منذ ما يزيد على ألف سنة. 

نتمنى أن تبقى القاهرة عاصمة ثقافية لمصر وللعرب، بعد انتقال مؤسساتها الثقافية الرسمية إلى العاصمة الإدارية التي لم يتحدد لها اسم بعد.  
-------------------------
بقلم: علي عطا  

                                   

مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي





اعلان