17 - 08 - 2024

أيامى وثورة ٢٣ يوليو

أيامى وثورة ٢٣ يوليو

الأحداث التاريخية بشكل عام والثورات بشكل خاص تاريخ لايصح قراءته بعيدا عن الظروف المحيطة بالحدث، فالحدث التاريخى يظهر ويتأثر ويتشكل فى إطار الواقع المعاش محليا وإقليميا وعالميا . فالثورات هى إفراز متطور يتجاوز الواقع المعاش بإصلاح هذا الواقع وتغييره للأحسن فى كل المجالات ولصالح المواطن (الذى من مصلحته هذا الإصلاح وذاك التغيي). 

ولذا يصبح من غير الطبيعى أن تتم هذه القراءة فى ضوء الواقع الحالى أو نسبة إلى زمن غير الزمن ومكان غير المكان الذى كانت فيه هذه الثورة، كما أن الثورة أى ثورة تقوم وتطبق برنامجها الثورى لصالح من سيستفيد من نتائجها فى مواجهة من ليس فى مصلحتهم هذه الثورة وهذا التغيير. هذه قواعد لابد من وضعها فى الاعتبار عند الحديث أو تقييم الثورة . ولكن للتاريخ احكام لاتتوافق مع هذه القواعد، فالتاريخ والممارسات تفرز أنواعا أخرى بعيدا عن (المستفيد وغير المستفيد) فهناك من لا مبدأ له ويبيع حياته وسيرته لمصلحته الخاصة على حساب أى مبدأ. وهم أولئك الذين استفاد أجدادهم وآباؤهم من ثورة يوليو سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والآن يتنكرون بل يفترون ويكذبون ويلفقون بكل امكاناتهم ضد هذه الثورة.

ولذا لا نريد أن نخوض فى تلك المهاترات الموسمية التى هى مواسم يتكرر فيها كل ماهو مكرر دون الأخذ فى الاعتبار الحوار الموضوعى خاصة بعد مرور واحد وسبعون على يوليو، فلماذا وبعد مرور هذه الفترة التاريخية على يوليو وبعد مرور مايقرب من ثلاثة وخمسين عاما على وفاة زعيم الثورة جمال عبد الناصر نشاهد طوال الوقت بل على مدار الساعة تخطيا للموسمية التى تحدثنا عنها كل تلك التقولات والافتراءات والاختلاقات ضد الثورة وضد ناصر؟ 

أعتقد أنه سؤال يحمل فى مضمونه الإجابة، وهى أنه إذا كانت يوليو قد توقفت بعد وفاة ناصر، فهى قد انتهت بعد ذلك التغيير المتفق عليه بين السادات وكل قوى الاستعمار والذى كانت إشارة البداية فيه ذلك المسمى بالانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٤. إذن إذا كانت يوليو انتهت حينها فما هى الإشكالية حتى الآن؟ الإشكالية الآن وبعد الآن أن يوليو وناصر لم يمثلا ثورة وتغييرا فقط، ولكنهما الآن وفي كل أوان يمثلان القيم والمبادئ التى أعطت الإنسان الحق فى أن يعيش حياته كريما يأمن على حياته ومصدر رزقه، يحافظ على كرامته ويناضل من أجل استقلاله. 

كانت العدالة الاجتماعية هى ذلك الطريق الذى حقق تلك الكرامة بعيدا عن صراع الطبقات ومجتمع النصف فى المائة، فيوليو وعبد الناصر هما تاريخ النضال ضد الاستعمار والصهيونية ، تاريخ مساندة التحرر للإنسان فى كل مكان تكريما لهذا الانسان الذى كرمه الله وتهينه الأنظمة الفاسدة طوال التاريخ، ناصر والناصرية هما تجسيد للوطنية وللهوية المصرية على مدى تاريخها.

هنا جاءت كلمة ( ايامى) فى العنوان، لانى كنت أحد أبناء هذا الوطن الذى تجسدت فى سيرته وامثالى تلك الصورة بمبادئها وقيمها ونتائجها . أنا ابن أسرة اقرب إلى الفقيرة، عشت التفاوت الطبقي الذى مس كرامتى وانا طفل (إنسان) ، عشت الحفاء فكان طبيعيا أني لم اجد مستشفى للعلاج من البلهارسيا وأنا ابن المدينة غير فى قرية بها مستشفى تعطف بها أحد الأثرياء.

عشنا فى ظلام الليل ننتظر القمر، شربنا من ماء الترع لعدم وجود مياه نظيفة، لم نجد مدرسة بعد الابتدائية فكانت هى الكفاية وللقادربن فقط . تعلمت مجانا وتعينت فى وظيفة (بالبنك الزراعى). باختصار غير مخل، كانت الكهرباء والمياه النظيفة والمستشفيات ورعاية الطفل ومراكز الشباب. 

الأهم أننا حصلنا على أهم مايحتاجه الإنسان وهو الإحساس بالكرامة والمساواة حتى أصبحت عضوا بمجلس الشعب وأنا ابن البقال الذى لايملك مالا ولا جاها ، هنا ألا توجد أخطاء للثورة ولناصر؟ نعم فلا أحد معصوم من الخطأ، ولكن الأهم هو الموضوعية فى التقييم الذى تحدثنا عنه أول المقال . فما رأيكم دام عزكم فى يوليو وناصر؟ وإذا كانا هما الخطأ كل الخطأ فلماذا لاتستفيدون من هذا الخطأ، يا آكلى الطعام على كل الموائد؟  فلا يصح غير الصحيح. 

كل عام ومصر والأمة العربية بكل الخير، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------
بقلم : جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

أسلمة دكتور مجدى يعقوب