17 - 07 - 2024

هاجموه فى يوم ثورته فإنه يستحق

هاجموه فى يوم ثورته فإنه يستحق

أنا مع الهجوم على عبدالناصر وثورته وتمجيد ماقبل ثورة 1952 وشيطنة ما بعدها بلا حياء ولاموضوعية وبمغالطات تاريخية لسببين الأول: طالما كان الهجوم يشكل مصدرا وموردا ماليا للمهاجمين، وثانيا فرصة لكشف الأقنعة وفضح الآكلين على كل الموائد. 

عبدالناصر ليس ملاكا ولا شيطانا.. أصاب وأخطأ ومات منذ 50 عاما. هناك نخب سياسية عاجزة تجيد النحيب كالنساء على مصيبة حلت بوطن، وتبحث عن شماعة تعلق عليها عجزها وتوارى خلفها كراهيتها للوطن والشعب. شيطنة مابعد ثورة 1952 هو شيطنة لتاريخ شعب بحلوه ومره، شعب دفع الثمن دما من أجل البناء والحصول على مكاسب قليلة لم تكن متاحة له قبل ثورة 1952. 

وهناك نخب سياسية فاعلة تجيد العمل، وتأخذ عظة من مصائب ماضيها وتنطلق للأمام كما حدث فى ألمانيا. ألمانيا تعرضت لهزيمة على يد قائدها هتلر فى الحرب العالمية الثانية أسوأ مما تعرضت لها مصر فى هزيمة 1967، وتم تقسيمها إلى المانيا الشرقية والغربية. أدركوا سبب الهزيمة، ولم يجلسوا يندبوا حظهم كالأرامل ويبحثون عن شماعات يعلقون عليها عجزهم ويبثون كراهيتهم وحقدهم على وطن لم يستأثروا به. لم يتوقفوا كثيرا أمام هتلر وهزيمته – كما يفعل أعداء عبدالناصر وهو حق لهم فى النقد والمراجعة ولكن بأمانة وموضوعية للتعلم والإدراك وتجاوز الهزائم والإنطلاق- عرف الألمان أن هتلر سبب المصائب والانقسام، وعملوا على تجاوز مصائبهم، وأعادوا لحمة المانيا بين شرقها وغربها، وأعادوها كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية، وانطلقوا وتقدموا وصاروا فى مقدمة الدول الاقتصادية عالميا. 

لو أن النخب الألمانية فعلت مايفعل بعض أعداء عبدالناصر ماتقدموا ولا بنوا المانيا الموحدة المتقدمة. هذا هو الفرق بين الشعوب العربية والشعوب الأوربية. ويفسر لنا لماذا تجاوزت المانيا محنتها وتقدمت فى فترة قصيرة، ونحن لنا 53 عاما منذ هزيمة 1967، وبالرغم من بداية حرب الاستنزاف ومعركتى راس العش وإغراق المدمرة إيلات فى فترة لا تتجاوز الأربعة أشهر من الهزيمة، ثم الانتصار فى حرب 1973 فى عهد الرئيس السادات إلا أنهم مازالوا يشيطنون مابعد ثورة 1952 وحتى اليوم.

إذا كان عبدالناصر وعصره يعيشون وفاعلون حتى الآن، إذن فنحن شعب من الأموات ونخب من المأجورين العملاء. هاجموه فى يوم ثورته لأنه يستحق، وانسبوا له كل المصائب منذ مجيئه وحتى الآن فهو الميت الفاعل فى مجتمع سياسى خامل كاره لنفسه قبل أن يكون كارها للوطن وحاقدا على الشعب. هاجموه فهو يستحق لأنه الميت الفاعل فى الحياة.

لا يمكن التجاوز عن الممارسات القمعية لحكم عبدالناصر، فحكم الثورة كان تجربة حية فيها الصواب والخطأ، وحكم الثورة لم يكن وليد تجربة حزبية وممارسة ديمقراطية (من يتحدث عن ديمقراطية ماقبل 1952 وان ثورة يوليو قتلتها فببساطة وبدون تفاصيل لاتوجد ديمقراطية فى دولة محتلة يديرها المندوب السامى من قصر الدوبارة بجاردن سيتى. حزب الوفد صاحب الأغلبية كان يفوز فيقيله الملك لعدم رضاء الإنجليز عن الحزب، والمفارقة أنهم فرضوه على الملك فيما عرف بحادثة فبراير 1942، كانت الديمقراطية ألعوبة فى يد الانجليز ليأتوا بمن يشاءون، هذه ديمقراطية ماقبل 1952).

أضير من الثورة أناس واستفاد كثيرون. وتبقى الكراهية للظلم مهما كان حجم الاستفادة، لكن النتيجة العامة هى المحصلة النهائية لاستفادة الشعب. فى كل العمليات الجراحية لإنقاذ الأشخاص والأوطان توجد آثار جانبية مؤلمة. كل ما أتمناه أن نعرف الاخطاء وتتداركها ونعمل على حلها لصالح الوطن، وننصف من ظلمتهم الثورة، ونتوقف عن بث مغالطات تاريخية احتراما للذات وللشعب كما صنع الألمان فتقدموا. أما إذا كان الهدف من وراء الهجوم هو شيطنة تاريخ فترة هامة نظير تمويل مستمر.. فاستمروا ، فقطع الأرزاق مر، والشعب ليس بغبى قد يصمت لكنه يختزن فى رأسه مواقف المتحولين والمتاجرين. لن اتحدث عن الإيجابيات فهى واضحة ومنها تأميم القناة وبناء السد العالى والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصانع التى مازالت الأنظمة التى جاءت بعده تبيع منها حتى الآن. أليست هذه المصانع موروثة من دولة عبدالناصر!
------------------------
بقلم: د. يحيى القزاز


مقالات اخرى للكاتب

العوار الوطنى.. إشكالية المثقف والسلطة