30 - 06 - 2024

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٦)

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٦)

إذن كان وضع القوى السياسية والحزبية فى الشارع بعد ترك مبارك للحكم لا يتماشى ولا يصل إلى الزخم والحشد الجماهيرى غير المسبوق الذى ساد على ظاهر المشهد، أى أن الشارع السياسى بالمعنى المجرد كان يوحى بأنه هو الذى يحكم وأن الجماهير هى صاحبة القرار. وكان هذا الإيحاء وليد غياب وجود تنظيم سياسى وثورى مرتبط بالجماهير ويمكن له قيادتها. أى أن هذا الزخم الجماهيرى بلا قيادة سياسية موحدة ومعروفة ومعلنة، وجدنا الميدان يمور ويفور بهتافات يجمعها الهدف العام وهو الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ( وهذا كان بلا برنامج ثورى يؤكده)، فى الوقت الذى كانت هناك هتافات واجتماعات وبيانات طوال الوقت فى الميدان تؤكد غيابا حقيقيا لتوافق حول الوصول إلى بر الأمان، أو بداية صحيحة وحقيقية لتجسيد تلك الأمانى والشعارات على أرض الواقع. 

الذى أكد ذلك هو صدور بيان دستورى فى ١٣ فبراير، أى بعد رحيل مبارك بيومين من القوات المسلحة، يقول بتسليم السلطة لحكومة منتخبة فى غضون ستة أشهر، وهذا يعنى أن هذه الانتخابات ستتم فى ظل ظروف سياسية غير مواتية وليست فى صالح كل القوى السياسية والحزبية الموجودة على الساحة باستثناء الإخوان. وتأكد هذا البيان بالبيان الدستورى الثانى الذى تم الاستفتاء عليه فى ١٩ مارس ٢٠١١، ذلك الاستفتاء الذى كان هو المدخل (الدستوري) الذي يمهد الطريق لوصول الإخوان للحكم، حيث أن هذا الإعلان أكد على إقامة انتخابات المجلس التشريعى لتشكيل حكومة منتخبة تتسلم السلطة بدلا من القوات المسلحة. فكان هذا الاستفتاء هو قارب النجاة وأداة السيطرة القادمة للجماعة ومن معها من باقى تيار الإسلام السياسي، حتى وجدنا السلفى محمد حسين يعقوب يصف الاستفتاء بغزوة الصناديق ، أى بانتصار الإسلام على أعدائه. 

كانت نتيجة الاستفتاء أكثر من ٧٧ % لنعم، فكانت هذه هى البداية لتصاعد سيطرة التيار بقيادة الجماعة على المشهد السياسي، ونتيجة لذلك كانت اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع كل القوى السياسية لمناقشة الأمر وكيفية إدارة المرحلة وتسليم السلطة. 

كانت المناقشات والمناورات تتم والنتيجة لصالح ماتريده الجماعة سواء أن يتم هذا عن طريق هذه الاجتماعات او عن طريق المظاهرات المليونية التى تتم تحت شعارات تهديدية وعلنية للقوى السياسية، وللمجلس الأعلى . وهذا هو الاهم عن طريق غير مباشر. 

غاب التوافق الحقيقى لكل القوى السياسية والحزبية عن القواعد الجماهيرية لها فى الوقت الذى استولت فيه العاطفة الدينية (تطبيق الشريعة ونصرة الدين...الخ ) على المشهد بالكامل مما جعل هذه القوى تحاول أن تحدث توافقا ما مع الإخوان بصورة أو بأخرى، تحت شعار التوحد ضد النظام السابق بفلوله. 

ولذا رأينا من قالوا بأنهم ممثلو القوى السياسية المدنية وقد انحازوا للجماعة سواء في تحالفات انتخابية بالبرلمان أو موافقة على مرشح الجماعة فى موقع إلرئاسة. 

وأعتقد أن هذا الموقف كانت نتيجة لمقولة (مكره أخاك لا بطل)، استغلت الجماعة كل الظروف من خلال تطبيق سياساتها وتعليمها وأهدافها التى لم تر فرصة للتطبيق العملى قبل ذلك منذ انشائها، فحاورت وناورت وداورت وادعت وكذبت على الجميع، على المجلس الأعلى وعلى القوى السياسية وعلى الجماهير استغلالا للعاطفة الدينية حتى مع باقي التيار الاسلامى فيما بعد ذلك، حين وصلت الجماعة للحكم .

ولأن الجماعة لم تمارس السلطة السياسية عمليا على أرض الواقع بعيدا عن التنظيم الداخلى، فمن حسن الحظ أنهم تصوروا أن مصر هى ذات تنظيم الجماعة، تخضع للتعليمات والقيادات تحت شعار السمع والطاعة، وأن شعب مصر هو ذلك الشعب الذى يؤمن ويتعامل مع الجماعة مثل أى عضو منظم داخلها، فوجدنا مرسى فى اول خطاب بميدان التحرير يخاطب الشعب المصرى بكلمة (أهلى وعشيرتى) ( كتبت مقالا لحظتها فى اليوم السابع أقول فيه بأننى للأسف وأمثالى بالطبع لست من أهله ولا عشيرته سياسيا ودينيا).

تحقق حلم لم يكن فى الحسبان، فظهروا سريعا جدا بصورتهم الأصلية بلا رتوش وبلا تجميل، تم أخونة المصالح، كانت سياستهم من ليس معى فهو ضدي، فاختلفوا مع الجميع من كان معهم ومن لم يكن. 

الشعور بالقوة الكاذبة وإحساسهم بالسيطرة على الشارع باسم الشريعة والإسلام صور لهم أن هذا يبرر كل مايفعلون . حاصروا المحكمة الدستورية، حاصروا واعتدوا على مدينة الإنتاج الإعلامى، اعتدوا على الكاتدرائية المرقسية (لأول مرة فى التاريخ)، حاصروا القضاء وعزلوا النائب العام. 

 كانت مذبحة الاتحادية التى أكدت اسلوبهم فى الحكم (إما نحكمكم أو نقتلكم)، وكانت بداية النهاية إعلان البيان الدستورى فى ٢١ نوفمبر ٢٠١٢. هنا تغير الموقف ووضحت الصورة وتحرك الشعب ونفض عن كاهله تلك العاطفة الدينية التى دائما وأبدا يتم استغلالها فى كل زمان ومكان. 

تدخل الجيش فى محاولة لمعالجة الموقف، فكان الإصرار والغباء وغير ذلك كثير، وحتى نحافظ على مصر وشعبها وتاريخها وهويتها ومستقبلها خرج الشعب كما لم يخرج قبل ذلك فى التاريخ لإسقاط حكم الجماعة. 

هنا كان من الحتمى أن تحدث ثورة يونيو ٢٠١٣، تلك الثورة التى نتمنى أن تتأكد كثورة تغير الأوضاع تغييرا جذريا للأحسن لصالح الوطن والمواطن، لتحقيق الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية التى تحقق العدل والعدالة الاجتماعية.  

حمى الله مصر وحفظ شعبها العظيم وساعده في تخطي كل الصعاب حتى تظل مصر لكل المصريين.
---------------------------
بقلم : جمال اسعد

المقالات السابقة

كان لا بد من ٣٠ يونيو (1)

كان لابد من ٣٠ يونيو (٢)

كان لابد من ٣٠ يونيو (٣)

كان لابد من ٣٠ يونيو (٤)

كان لا بد من ٣٠ يونيو (٥)

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٤)





اعلان