17 - 07 - 2024

لا يا صديقي … لسنا في مركب واحد

لا يا صديقي … لسنا في مركب واحد

ترددت كثيرا قبل ان اتخذ القرار بالكتابة تعليقا علي مقال المهندس يحي حسين عبد الهادي الأخير والمعنون : من يتحدث باسم مصر ؟ المنشور بموقع " ذات مصر " يوم الأحد ٣٠ يوليو ٢٠٢٣، وذلك بعد أن قرأت المقال بعناية فائقة عدة مرات. 

وجاء ترددي للأسباب التالية : 

أولا : ما يربطني بالمهندس يحي حسين من احترام متبادل، وخشيتي من إساءة فهم ما أريد قوله وما يعبر عن قناعاتي التي تختلف مع أفكار اساسية وردت بالمقال وبني عليها الصديق يحيى حسين صرح مقاله وفكرته الجوهرية.. ولكنني حسمت ترددي فيما يتعلق بذلك الأمر، انطلاقا من قناعتي بأن الاختلاف في رؤيتنا حول قضايا الوطن أمر طبيعي ويحتمل الجدال حوله، طالما يتم باحترام قواعد العمل الديموقراطي وآليات وآداب الحوار المحترمة.

ثانيا : خشيتي من الانزلاق الي دهاليز التناول المركب للمقال والاصطدام بالالغام التي وردت به، حيث يتناول الكاتب بالحديث - عن حق - أمورا تتعلق بأخطاء، بل وجرائم السلطة المتعلقة باعتماد أسلوب تكميم الأفواه والزج بصاحب كل رأي، وأي رأي مخالف لهم، في السجون، وانتهاج سياسات اقتصادية أدت إلى التدهور الشديد في مستوي معيشة المواطنين، و إضعاف المجتمع والنخب والجماعات السياسية المدنية، بالدرجة التي جعلتها خاضعة وخانعة لمطالب السلطة ورغباتها. 

لكنه يصل بنا إلي استنتاجات خطيرة تتنافي في رأيي مع المنطق والنهج الديموقراطي المستقيم، استنتاجات لا علاقة لها بالمقدمات، وهو ما سأسعي في السطور القليلة القادمة إلى الكشف عنه.  

أن أختلف مع السلطة الحاكمة، وأن أعترض بشدة علي مجمل سياساتها في الحكم وإدارة شؤون الدولة، أن أناضل وأدعو للنضال باستخدام كافة الأساليب والأدوات الديموقراطية للتغيير، هذا شئ وأن يعميني ذلك عن رؤية الحقيقة شئ آخر. 

والحقيقة التي توجد عليها آلاف الشواهد والأدلة، هي أن جماعة الإخوان وتحالفاتها الشيطانية مع أطراف ظلامية وإرهابية عديدة خاضت حرب ضروس ليس فقط ضد سلطة اختلفت معها وأزاحتها من الحكم، ولكن ضد الوطن، ضد بلد بأكمله، ضد الدولة المصرية التي أرادت هدمها واستباحت أهلها ومواطنيها واستحلت دمائهم واعتبرتنا جميعا خصوم لها، وأقصد بجميع االشعب المصري كله، طالما ليس إخوانيا وليس مؤمنا بفكرهم !!!

لقد خاضت الدولة المصرية : جيشا وشرطة وأهالي منذ أن تمت إزاحة الجماعة من الحكم بعد الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، معارك شرسة امتدت لسنوات ضد إرهاب الجماعة وعنف وإرهاب جماعات الارهاب المتستر بالدين، الخارج من أحشائها والمتبني لأفكارها في أنقي صورها وأكثرها وضوحا، ما جعلنا ندفع من دماء أبنائنا الكثير، ثمنا غاليا لإزاحتهم من المشهد، ولاستعادة الأمن والأمان للدولة والمواطن المصري، ولا يعنيني هنا إذا ما كان حسن البنا قد أسس جماعته مقابل ٥٠٠ جنيه من الإنجليز أو مقابل ١٠٠٠ جنيه ؟! فهو أمر مضي عليه ما يقارب المائة عام قدمت خلالها الجماعة الكثير من أعمال العنف والقتل والاغتيالات وغيرها من الجرائم في حق الوطن، ولا يمكن أن نتغافل عن أن غالبية التنظيمات والجماعات التي اعتمدت العنف والإرهاب وسيلة للتغيير، قد خرجت جميعها من رحم الجماعة فكرا وتنظيما.

وردا علي السؤال الذي سيطرحه الكثيرون حول اضطهاد السلطات لهم في محطات كثيرة والبطش بهم والتعامل معهم بشراسة وعنف، فإن ردي ببساطة هو أنني لا أدافع هنا عن مخطئ أو عن مجرم، فالسلطات تقاوم بالأساليب الديموقراطية والشعوب يتم حشدها باستخدام الأدوات والأساليب السلمية والديموقراطية من أجل تغيير الحكام ومن أجل محاسبة المخطئين وحتي مرتكبي الجرائم، لكن ليس عن طريق الفوضي واستخدام العنف وهدم أسس ومؤسسات الدولة وهو ما اعتمدته هذه الجماعة أسلوبا ونهجا لم تغيره ولم تعترف بخطئه أو تعلن التراجع عنه حتي تاريخه.

يأتي بعد ذلك وفي ثنايا الحديث عن مكونات التيارات السياسية في مصر، سواء الليبرالية أو أصحاب الفكر القومي أو اليسار بتلاوينه المختلفة تلميحات ذات مغزي للخلافات بينهم، في إشارة واضحة للتراشقات الأخيرة، ويزج الكاتب هنا بنعومة ورشاقة بجماعة الإخوان بين تلك القوي والتيارات، معتبرا إياها جزءا من تلك التكوينات التي يدعوها للتجمع والاتحاد ونبذ الخلافات لمواجهة العدو المشترك الذي هو السلطة الحاكمة !!! 

وأتصور أن جميع أطراف القوي والتيارات السياسية المدنية المؤمنة بالديموقراطية كطريق ونهج للتغيير السياسي في البلاد والتي تلتزم بالدستور وتحترم القانون، مدعوة بالفعل للحوار ولمقارعة الحجة بالحجة (وليس باتباع أساليب التخوين والتسفيه والحط من وجهة نظر الآخر) لتكوين الكتلة المدنية العريضة التي تسعي للتأسيس للدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، ولكني لا أستطيع أن أري او أتصور وجود جماعة الإخوان ضمن هؤلاء، فالجماعة قطعت كل صلاتها بالدولة المدنية في مصر عندما اعتمدت العنف والإرهاب وسيلة للتغيير، منذ أن أعلنت الحرب علي الدولة المصرية ومنذ أن تآمرت علي مصر سلطة ومؤسسات ، دولة وشعبا من أجل إقامة دولتهم التي مازالوا يطلقون عليها دولة الخلافة !!!

لكل ما تقدم أجيب عن سؤال المهندس يحي حسين عيد الهادي: من يتحدث باسم مصر؟ بأننا لسنا جميعا في مركب واحد، كما ذهبت في مقالك الأخير، وأن هناك الكثيرين من أبناء مصر الشرفاء يسعون للتغيير، يصيبون أحيانا ويخطئون كثيرا، ولكنهم يحاولون بشرف وأمانة ويقدمون التضحيات، وهم أبدا ليسوا إرهابيين أو أعداء لبلدهم ولا يعتمدون العنف وسيلة للتغيير، وليس من بين أهدافهم النبيلة الكثيرة تدمير أركان الدولة المصرية، ولكنهم يسعون بكل صدق لإصلاح ذلك الكيان بالتصدي لمنظومات الظلم والفساد والاستبداد باستخدام الأساليب والأدوات السلمية والديموقراطية، لكي يصنعوا التغيير المنشود.
--------------------------------
بقلم: د. مجدي عبد الحميد

مقالات اخرى للكاتب

حارة نجيب محفوظ ومشهد الانتخابات الرئاسية