17 - 07 - 2024

المتحف المصرى الكبير يفتقر إلى سمات ومقومات الكبير

المتحف المصرى الكبير يفتقر إلى سمات ومقومات الكبير

- من غير اللائق أن يفتقر المتحف إلى الحماية والجمال

من المؤكد أن اختيار موقع المتحف المصرى الكبير هو بكل المقاييس اختيار عبقرى وذكى جداً. فعلم المتاحف يقول أن متحف الدولة الرسمى والأكبر يكون إما فى وسط العاصمة ليكون وسط الناس ولسهولة الوصول إليه، رغم ما يمكن أن يتعرض له من ملوثات الضوضاء والزحام وعادم السيارات. وإما أن يكون على أطراف العاصمة لتوافر مساحات من الأراضى أكبر، ويكون بعيداً عن الزحام والضوضاء وعادم السيارات.

ويأتى اختيار موقع المتحف المصرى الكبير على أطراف القاهرة الكبرى اختياراً عبقرياً حيث تتوفر مساحة الأرض المناسبة، ولكون المتحف يقع على مفترق طرق لكل أرجاء الجمهورية، حيث طريق الصعيد الغربى وطريق الفيوم والواحات وطريق العلمين- مطروح وطريق القاهرة الأسكندرية الصحراوى والطريق الدائري والدائري الأوسطى. والأهم من كل ذلك أنه جاء بجوار أهرامات الجيزة ذات الشهرة العالمية ليكون معها بانوراما الخلود والفن والحضارة. ويجعل من هذه المنطقة قصة الزمان والمكان ماضيه وحاضره. إنها حقاً عبقرية المكان وأنشودة الزمان.

ولكى يكون هذا صحيحاً، ويكون المتحف الكبير كبيراً وعالمياً، لابد من مراعاة وتوافر كافة سمات ومفردات هذه الأنشودة العبقرية، ونكون نحن صانعى بانوراما الخلود والفن والحضارة هذه على قدر المسئولية والحدث، نحن أحفاد بناة الأهرامات نتمثل بهم ونبنى بجوارهم ما يليق بأن يكون جاراً لهم.

 من بعيد نجد أن المتحف المصرى الكبير يفتقر إلى أهم مفردات الحماية فى هذه المنطقة الصحراوية متعددة عوامل الضرر للمتحف، والتى تتمثل فى الرياح والأتربة ودرجات الحرارة العالية وغيرها. هذه الحماية تتمثل فى ضرورة وجود غابة شجرية تمتد حول المتحف لمسافة لا تقل عن ألف متر، ماعدا واجهة المتحف والمدخل الرئيسى فلهما قصة أخرى.

هذه الغابة الشجرية ستكون الحامية لهذا المتحف من أجل تقليل أضرار العوامل البيئية التى ذكرناها أو انعدام هذه الأضرار، ولتكون هذه الغابة فى حد ذاتها مزاراً يكاد يكون منفرداً بجوار المتحف.

 فليجتمع خبراء الزراعة والتشجير والبساتين ويُعدوا دراسة وافية وشاملة لكافة أشجار ونخيل وزهور ورياحين العالم، وما يتفق عليه هؤلاء الخبراء من شجيرات وغيرها نصنع منها غابة حماية شجرية حول المتحف تمثل العالم كله. 

ويأتى المهندسون ومنسقو الحدائق ليقوموا بتخطيط هذه الغابة لتكون بها استراحات وأكشاك للموسيقى وأكشاك للشاى والمشروبات ودورات مياه ومساحات للأطفال وغيرها. بشكل حضارى جذاب لنجعل من هذه الغابة مزاراً سياحياً فريداً ومتنفساً أخضر جميلا فى هذه المنطقة الصحراوية، مع مهمة الغابة الرئيسية فى كونها حامية للمتحف من العوامل والأضرار البيئية. كما يمكن أن تكون بها مسارح لعروض غنائية ومسرحية.

إنه الحلم والخيال والإبداع لجعل المتحف المصرى الكبير مؤسسة ثقافية وتربوية وعلمية وترفيهية وأيضا اقتصادية. بديلاً عن بعض شجيرات النخيل الهزيل العليل الموجود الآن بجوار جدران المتحف التى لا تؤدى أى مهمة ولا تستطيع أن تصد ولا ترد، بل إنها تتوسل الحماية والرعاية والظل من جدران المتحف.

ولنا أن نتمثل فى ذلك بما فعله الخديوى إسماعيل، منذ حوالى مائة وخمسين عاماً، عندما أنشأ متنفسا أخضر جميلا على أطراف القاهرة، فى ذلك الوقت، وهى حديقة الأورمان التى تمتد على مساحة حوالى 110 ألف متر مربع، وتتوسط ميادين الدقى والجيزة ونهضة مصر، تلك الميادين التى كانت حديثة فى ذلك الوقت.

 وكما أن غابات الآمازون تمثل رئة العالم ، فعلينا أن نجعل من غابة المتحف المصرى الكبير رئة لهذه المنطقة على أطراف القاهرة الكبرى، ولتكن آمازون المتحف الكبير أو آمازون الأهرامات أو آمازون الجيزة، سمها ماشئت، المهم أن تكون إحدى مفردات مؤسسة المتحف المصرى الكبير، وتدار بشكل اقتصادي وترفيهي وثقافى حديث ومبتكر.

 نحن لا نبتهج بالحلم من حيث هو حلم، ولا بالخيال من حيث هو خيال، وإنما نبتهج بالإبداع الذى يتحول إلى واقع يكون سبباً فى إسعاد الناس وبهجتهم وازدياد حسهم الراقى وكبريائهم وفخارهم بحاضرهم وتاريخهم وحضارتهم التى يشير إليها ويعبر عنها هذا المتحف.

وأما عن مدخل المتحف فيجب أن تكون هنا حديقة متحفية مناسبة لأهميتها على المستوى الجمالي والحمائى للمتحف، وأهميتها على المستوى الثقافي والنفسي للزائرين. 

الحديقة المتحفية مكانها أمام المدخل الرئيسى للمتحف لتؤدى عدة أغراض. أولها، أن تكون حامية للمدخل من أي تصرفات أو ازدحام أو سيارات قد تتواجد أمام مدخل المتحف، فتجعل مدخل المتحف بعيداً عن حياة الشارع. ثانيها، أن تكون عاملا جماليا أخضر لمدخل المتحف بما تحويه من مفردات أشجار وزهور ونخيل ورياحين وتماثيل وأشكال فنية وغيرها. ثالثها، تكون هذه الحديقة أول من يستقبل الزائرين للتعارف المبدئى بين الزائر والمتحف. وتعطى للزائر بعض المعلومات الثقافية عما تحتويه، وتعمل على تهدئته قليلاً ليتعرف على مكونات هذه الحديقة ويتساءل عما يجهله، وتمتص انفعالاته التى أتى بها من الشارع، وتهيئه نفسياً ووجدانياً للدخول فى جو وحالة المتحف، ولتكون هذه الحديقة المتحفية عاملا نفسيا إيجابيا للزائرين تثير إعجابهم وشغفهم وحميتهم لمعرفة المزيد عن المتحف وعما بداخله من تاريخ وحضارة وفن مصرى عريق.

ولنا فى حديقة المتحف المصرى بالتحرير النموذج والمثل. تلك الحديقة التى تجاوز عمرها مائة وعشرين عاماً. وتعبر عما بداخل المتحف من حضارة وآثار مصر القديمة. حيث نجد أهم ما يميزها تلك النافورة الموجودة فى وسطها خلف البوابة مباشرة، والتى يزرع فيها أهم نباتين فى مصر القديمة وهما البردى واللوتس. كما توجد بالحديقة أشجار النخيل بأنواعها المختلفة، سواء العادى أو الملوكى. وأيضا توجد أشجار الفيكس وأشجار جوز الهند. كما توجد بالحديقة بعض المعروضات من الآثار، مثل تمثال الملك تحتمس الثالث، وتمثال الملك رمسيس الثانى، وبعض قمم المسلات الفرعونية الشهيرة.

  على بعض الناس أن يتقبلوا النقد البناء للصالح العام، وأن يواجهوا بعض الحقائق الإبداعية ليجدوا أنفسهم عظماء فى عملهم وإنتاجهم، وخالدين فيما يتركوه من إبداعات تضاف إلى إبداعات أجدادهم. وللحديث بقية فى مفردات أخرى.
----------------------

بقلم: د. حسين إبراهيم العطار *
* أستاذ علم المتاحف والمؤرخ
من المشهد الأسبوعية

مقالات اخرى للكاتب

المتحف المصرى الكبير يفتقر إلى سمات ومقومات الكبير