19 - 06 - 2024

المشاهد المسمومة في مسلسل فوضى: "عرب أشرار" بإمكاننا قتلهم بضمير مستريح "كما نفعل بالدمى في ألعاب الكومبيوتر"!

المشاهد المسمومة في مسلسل فوضى:

أثناء بحثي عن مسلسل جديد لأتابعه على منصة نتفلكس، لاحظت في العرض الجديد مسلسلا بعنوان فوضى لممثلين عرب لم أرهم من قبل، تدور أحداثه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة باللغة العربية. 

شدني التصوير في شوارع المدن الفلسطينية التي أراها للمرة الأولى بعد أن حلمت بزيارتها طوال حياتي، حتى حين كانت غزة تحت الإدارة المصرية وكانت مدرستي ترتب رحلة بالقطار كل عام لم أستطع الاشتراك بها لصغر سني، وكان طلاب المرحلة الثانوية يذهبون ويعودون بكثير من القصص حول زيارة فلسطين. 

كنت أسمع دعاء جدتي على أمريكا وإسرائيل، لأنها لا تستطيع بعد أن حجت أربع عشرة مرة أن تقدس بسبب احتلال فلسطين، وكانت تعتقد أنها ملزمة بهذا كي يكتمل أداء فريضتها ثم تعود للدعاء على أمريكا وإسرائيل لأنهما احتلا قناة السويس ومنعاها من السفر بالباخرة التي تحبها بدلا من الطائرة التي تشبه الحدأة.

أتخيل القدس التي تكمل طقوس حج جدتي ويقتلني بكاؤها عليها. ولأننا قاطعنا السفر طالما الأرض محتلة ولا يستطيع الفلسطيني العودة إلى وطنه، ظل حلم زيارتها يراودني رغم الدعوات العديدة التي وجهت إليّ من اتحاد كتاب فلسطين أو من وزراء الثقافة الفلسطينيين بالتتابع، إلا أن موقفي ظل كما هو حتى عندما أقيم مؤتمر للرواية وذهب العديد من الكتاب العرب لم أستطع كسر هذا الحظر.

 لهذا فإن مسلسلا تدور أحداثه داخل الأرض الفلسطينية كان مفاجأة سارة جدا، جعلتني لا أنتبه لصناع العمل خاصة، وأن معظم الأبطال كانوا عربًا وهناك طبعا الإسرائيليون على الجانب الرسمي والشعبي. 

في البداية كنت أتصور أن الفوضى هي ما يحدث في الشارع بين الفريقين أو الفرق كما حاول المسلسل أن يصور المجتمع لكني اكتشفت أن فوضى هي شفرة بين أفراد وحدة المستعربين تشير إلى أن العملية تخرج عن مسارها.

 حاولت في البداية أن أفهم هدف المسلسل وإلى أي جانب ينحاز، خاصة أن العمل يعتمد على صراع وحدة سرية للمخابرات الإسرائيلية مع المقاومة الفلسطينية، ومع تتابع الحلقات التي حركت الأحداث بصورة مذهلة لي داخل نابلس والقدس ورام الله وخان يونس وطولكرم وغزة ورفح ثم بيروت وبروكسل، وأخذني التجول بين المخيمات التي أسمع عنها والشوارع والصحراء والمزارع والأسواق، وأنساني الحذر فتركت نفسي عامدة متعمدة للمتابعة اليومية لأكثر من حلقة.

في الحلقة الأولى اختطفت الوحدة السرية رجلا استجوبه الكابتن أيوب وهو يعرض عليه صورة ابنته التي تحتاج إلى نقل كلى قائلا: في مجتمعنا كانت ستتعالج في أكبر المستشفيات في مجتمعكم يهتمون بأولاد السلطة فحسب. 

كان رجال المخابرات يريدون معرفة معلومات عمن يخطط لعملية تهريب  للغاز من خلال العقبة وبعد استخدام كل الضغوط اعترف الرجل  بأن المنفذ هو أبو أحمد توفيق حامد المعروف ب "الفهد" لكنهم أنكروا فقد قتلوا الفهد من قبل، وبهذه الطريقة وصلت المعلومات إلى المخابرات الإسرائيلية أنه ما زال على قيد الحياة، ومن ثم وضعوا خطتهم على أساس الإمساك به في حفل عرس أخيه بشير. قالوا إن أبو أحمد قتل 116 إسرائيليا فجرهم بنفسه منهم أطفال ونساء ورجال وجنود وظهرت الصور المقابلة صورة الفهد عند الفلسطينيين باعتباره بطلا، والصورة الأخرى له باعتباره مجرما وإرهابيا.

 يعود الضابط المتقاعد "دورون كابالو" إلى الخدمة بطلب من مديره السابق" أيوب" بعد اكتشافه أن "الفهد" الذي كان يظنّ أنه قتله، ما زال حيا وأنه ما زال مسؤولاً عن عشرات الهجمات الانتحارية التي تؤدي إلى مقتل الإسرائيليين. وتضع وحدة المستعربين خطة لدخول أفرادها إلى العرس متنكرين تحت مظلة محل الحلويات الذي يقدم الطعام للقبض على الفهد حال وصوله. ومع الإثارة وإمكانات كشفهم وانهيار الخطة نرى التنقل بين أحداث العرس والاقتحام ونرى أبو خليل أحد أفراد الأسرة القادم من عمان قائلاً: ما زلنا قادرين على أن نتزوج وننجب ونؤسس عائلات ويترحم على الشهيد "الفهد" حتى ينكشف أمر رجال المخابرات وتنطلق النيران مخترقة صدر العريس وعدد من المدعوين.

 بداية قوية تشد الانتباه على كل المستويات وتؤثر على مشاعر المشاهد وهو ينتظر معرفة رد فعل العروس بعد أن يقتل زوجها. وبعد فشل القبض على "الفهد" الذي يستشعر الخطر فيهرب، تدور المناقشات حامية بين أفراد الأسرة حول رغبة العروس آمال في الانتقام لمقتل عريسها والطريقة التي يتم بها هذا الانتقام من ناحية، ورغبة أبو خليل في التعامل مع الأمر بالنظر إلى المستقبل وإلى دورها كفلسطينية في استمرار العائلات والبقاء على الأرض وإنجاب الأطفال.

و نرى تداعيات فشل العملية عند وحدة المستعربين ومشاعر الثورة والعنف داخل عائلاتهم، والثمن المدفوع عند الطرفين ولا أحد يسأل عن المسؤول أو عن الأسباب التي أدت إلى هذا العنف. 

واستعرضت الحلقات حياة المواطن العربي داخل الأزقة والحارات والحوانيت والأسواق والبيوت الضيقة التي يستمع فيها الجميع لأسرار الجميع وفي وسائل المواصلات والشوارع، وكذلك حياة المواطن اليهودي في المستعمرات والمدن الكبيرة والبارات والضيعات والرفاهية التي يعيشها في بيوت واسعة مريحة ذات حدائق وأشجار، على عكس المواطن العربي الذي يعيش ضيق الحال في ظروف صحية وبيئية ومادية بائسة وينتظر المساعدات من أبنائه في الخارج حتى يستطيع أن يحيا على حد الكفاف.

خوف واستنفار دائمين

 كما عكست حالة الخوف والاستنفار الدائم عند العرب من هجمات وحدات المستعربين، أو المخابرات، أو الجيش، أو الشرطة المفاجئة على بيوتهم وأراضيهم للتفتيش عن أفراد المقاومة الفلسطينية، والتي تؤدي إلى قتل العديد من الناس الذين يتصادف مرورهم في المكان وأيضا خطف الأطفال والأهالي للضغط على الإرهابيين - كما تسميهم - لتسليم أنفسهم. 

وفي الجهة المقابلة يعيش الإسرائيليون في أمان، إلا من يعملون في مثل هذه الوحدات المسلحة، كما عكست الحلقات الترتيبات الأمنية المدرب عليها يهود المستوطنات عند سماع صفارة إنذار الاختراق، وكيف يتحركون بسرعة كأنهم يعيشون في معسكر مؤقت يستطيعون نقله في أي وقت، وسواء أكانت هذه المشاهد مقصودة لإرهاب المواطنين الفلسطينيين وبث اليأس في نفوسهم أم لإظهار أنهم قادرين على حماية أنفسهم مهما بلغت قدرات المقاومة وبث الطمأنينة في نفوس اليهود في المستعمرات، فإن النتيجة عكست الحياة القلقة بسردها لوقائع حقيقية لما يعيشه الصهاينة مهما طال زمن استيطانهم للأرض المحتلة.

بعد أكثر من عشر حلقات لم أستطع إدراك إلى أين يتجه المسلسل، كلما توصلت إلى نتيجة جاء مشهد لينسف توقعاتي ثم كتبت بعض الملاحظات: 

أولا: ضخامة الإنتاج والتصوير الخارجي في كل الأراضي الفلسطينية؛ في الأزقة والشوارع والبيوت والضيعات والمدن الكبيرة والمنازل الفاخرة والفقيرة الحقيقية.

ثانيا: ممثلون محترفون على أعلى مستوى من الكفاءة الفنية سواء من يمثل الجانب الفلسطيني أو الجانب الإسرائيلي.

ثالثا: تصوير مشاعر وأراء كل جهة بشكل احترافي حتى أني ارتبكت أمام انحياز المسلسل، فراجعت الأسماء من مؤلف ومخرج وغيره فوجدتها أسماء يهودية مما زاد أكثر من حيرتي. العجيب أني لم أبحث في جوجل عن هذه الأسماء لأعرف معلومات كافية عنها ربما أردت خداع نفسي لكي أواصل متابعة ما يجري على أرض فلسطين من الداخل.

رابعًا: قدم المسلسل تنوعات الفلسطينيين على مختلف فصائلهم بين الفلسطيني غير المنتمي لأي مقاومة أو أعضاء حركات المقاومة. 

خامسًا: عكس المسلسل الاختلاف والتنوع في المشاعر داخل الأسرة الفلسطينية وأيضا داخل الأسرة اليهودية ونقل صورة الصراع الحقيقي داخل هذه الأسر في الانتماءات السياسية وتنوعها وتضادها أيضا وموقفها حيال الآخر، وحين بدأت أشك أن الغرض هو استدراج المشاهد العربي خاصة أن الحوار يدور باللغة العربية باللهجة الفلسطينية إلا إذا تحدث اليهود داخل بيوتهم بالعبرية فتكون هناك ترجمة عربية، لم أتوقف عن المشاهدة لأن ما قدمه المسلسل يفوق خيالي حتى ولو صنع بمهارة إسرائيلية لكي يدس السم في العسل ويوصل ما يريد أن يقوله للعالم العربي بدليل أن الترجمة الموجودة عربية في المشاهد غير العربية فحسب، وسوف أبحث عن نسخة أخرى لأعرف إن كانت هناك نسخًا بلغات أخرى سيختلف الأمر لأن الهدف يكون واضحا ببساطة؛ أنه موجه إلينا. وقد حدث لم أجد غير نسختين واحدة بالعربية والثانية بالعبرية.

ثنائية المشاعر والاحتراف المهني

 أعذروني لأني سأخلط بين مشاعري واحترافي المهني لأنها ليست قضية عادية، بل هي مأساة حياتنا وسأعترف أن ما عرفته من هذا العمل: "فوضى" يفوق بكثير ما كنت أعرفه مما يعانيه المواطن الفلسطيني داخل بلده، حتى لو لم يكن هذا هو غرض المسلسل. صحيح أني أتابع كل يوم ما يجري على الأراضي الفلسطينية، لكن أزمنة القضية التي تلح علينا إعلاميًا كل دقيقة تحول ما يجري إلى أرقام مهما بذلنا من جهد نحو قضية نعتادها يوميًا، فلا يصبح للدم والقتل نفس التأثير الذي يحدث عندما نراه فجأة في قضية أخرى، وتمنيت ساعة إدراكي هذا أن تكون صديقتي ورفيقة العمر الفنانة التشكيلية الفلسطينية لطيفة يوسف الراحلة هذا العام على قيد الحياة حتى يكون تصرفي معها أكثر فهما، أكثر تعاطفا، وربما أكثر مساعدة، كانت تنتمي إلى الجبهة الشعبية وكنت أرى حيرتها بين اتجاهها السياسي اليساري وبين شباب عائلتها الذين يعيشون داخل فلسطين وينتمون إلى حماس وبين التناقضات مع فتح وحرصها الكبير على ألا تنقسم الفصائل الفلسطينية وأن تبقى متحدة، كنت أعرف مشاعرها حين يستشهد لها أخ شاب لكني لم أعرف حقيقة الأمر مع كل هذه الفوضى التي قدمها المسلسل وسألت نفسي كيف سمحت لنفسي بكل هذا الجهل؟

اختلفت نظرتي للعمل مع المعلومات الجديدة وتكشفت بعض المشاهد المسمومة أمامي قررت أن أهتم أكثر بالحوار ومتابعة الصورة العامة وتحليل المشاهد خاصة بعد اتضاح تفاصيل حياة الشخصيات الفدائية في علاقتهم بعائلاتهم واستعدادهم للتضحية بهم بدون أي شعور بالإنسانية أو الرحمة حتى نحو الأطفال. 

 بعد أن وصلت إلى نصف الجزء الأول من أربع مواسم أدركت أن كل هذا كان استدراجًا لكي يقدم الصراع بين الأمن الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيلية بحتة، وأظن أن الحلقات القادمة ستكشف لي أكثر عن أهداف أخرى مصاغة باحترافية عالية جدا كتبت بعض الملاحظات الأولية ثم بحثت عن المعلومات عن العمل فوجدت أنه من إنتاج شركة يس ومن إخراج عوفري جيعفون تأليف آفي يساخاروف، وهو صحافي مقربٌ من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مع الممثل ليؤور راز بطل العمل الذي يلعب دور: دورون كافيلو (وهو من أصل عربي والده من العراق ووالدته من الجزائر)، وقد خدم كل منهما"راز وايسخاروف" في واحدة من هذه الوحدات وشاركا في عدد من العمليات ضد فلسطينيين ويلعبان دور البطولة أيضًا مع الممثلين: بواز كونفورتي: أفخاي، ورونا لي شيمون: نوريت، ودورون بن ديفيد: هرتزل بنتو، والممثلة لاتيتيا عيدو في دور: الطبيبة شيرين العبد. وعلمت أن بعضا من الممثلين الفلسطينيين مشاركين في العمل منهم: فراس نصار في دور: نضال المقدسي، وشادي مرعي: وليد العبد، وهشام سليمان: توفيق حامد. رائده ادون: ام نضال زوجة الشيخ عواض، حنان هللو: العروس آمال، لوسي أيوب: مايا طوالبة، سمر قبطي: هيفاء حمدان، علاء دقة: بشار حمدان.

عرفت كذلك أن موسمه الأول كان في 15 فبراير عام 2015 وتم عرضه على منصة نت فليكس عام 2016 ثم أُضيف الموسم الثاني إلى نت فليكس في مايو 2018. عدد المواسم حتى الآن أربعة، عدد الحلقات 48 مدة العرض كل حلقة  45 دقيقة. وتشير المنصة أنه من أعمالها الأصلية وأن العمل مبني على أحداث حقيقية، وأن سر عرضه على منصة نتفليكس بإلحاح الآن سببه أنها تعرض الموسم الرابع للمرة الأولى. 

وتعجبت كيف يخدع الانسان نفسه وكيف ابتعدت عن المهنية وأنا أغفل بديهيات العمل الصحفي في معرفة كل المعلومات أولا قبل أن أصل إلى أي نتائج، ثم توقفت عند تصريح "ليؤور راز": "نريد أن ندفع الناس لمشاهدة هذه القصة والحبكة التي نكتبها، نحن لا نسعى إلى تغيير العالم. بوسعنا السعي فقط إلى جعل الناس يتجهون إلى الحديث مع بعضهم البعض والسعي لفهم كل طرف للآخر بشكل أفضل."

  تتبعت أحداث العمل والصورة التي ينقلها لمعرفة أن كانت المقولة صحيحة أم تخفي وراءها ما تريد تمريره حتى أنهيت المواسم الأربعة.

الكيل بمكيالين

ركز الموسم الأول حول الصراع بين إسرائيل وحماس2015، وتدور القصة حول عملية الفهد الذي يخطط لتفجير قنبلة غاز السارين وهو خمسمائة ضعف السيانيد أتى بها أبو خليل من عمان وسلمها إلى الفهد مع بعض الأموال بعد أن سرق بعضها، في حين يتسلل دورون متنكرًا إلى خلية الفهد ليقوم لهم بعملية انتحارية ولا يوافق وزير الدفاع على هذه الخطة قائلا: لا أخاطر بالنظام بسبب فكرة مجنونة لكن أفراد الوحدة يتضامنون مع دورون سرًا. 

وتنتهي بقتل الفهد والسيطرة على القنبلة بعد أن ضحى الفهد بالجميع بما فيهم ابنته والشيخ أبو نضال المؤسس لحماس.

في الموسم الثاني دار الصراع بين المستعربين وحماس من ناحية وأحد المنشقين عنها ليعلن دخول داعش الأراضي المحتلة، وتستعرض الحلقات شخصية نضال المقدسي بفساد أخلاقه وتدميره للعائلة كلها بما فيهم أخيه المسالم وزوجته الحامل ووريث الفهد وليد العبد المختل نفسيًا الذي يجبر حتى عائلته على الانصياع لشهواته في التدمير والقتل.

يكافح دورون ليوقف كل عمليات المقاومة وفي لقطة مع أبيه أثناء شراء قش لخيل مزرعته من العرب يتضح أنه كمين ينجوان منه بمعجزة وتعلن كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس مسؤوليتها عن مقتل خمسة في حاجز أورينت، فيجن جنونه وينجح نضال المقدسي في قتل عاموس أبو دورون فيثور دورون، ويترك كل شيء في حياته يسير في خط الانتقام وحده. دون أن يسأل نفسه عن حق نضال في الثأر لأبيه الشيخ عواض الذي قتل وإعلانه أنه سيطارد أسرة عواض كلها حتى يقضي عليها. وتكون النهاية كما في الجزء الأول لصالح دورون البطل الهمام ومجموعته التي يمثل انتصارها الوهمي على المقاومة الفلسطينية تحقيق لنشوة بديلة في الخيال وترسيخ لمشاعر طبيعية بالراحة أمام ما يجري بالفعل في أرض الواقع من قمع جميع العرب سواء في قطاع غزة أو الضفة أو حتى عرب 48.

في الجزء الثالث تنتقل الأحداث إلى غزة وتتصاعد العمليات السرية لوحدة المستعربين في المواجهة مع منظمات أخرى خاصة جماعة النخبة وتعتمد الحلقات على قصة خطف اثنين من شباب اليهود بغرض مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين داخل سجون إسرائيل ودخول المستعربين قطاع غزة لتحريرهم، وسط تشابكات كثيرة لعناصر المخابرات وتضارب أهدافها بين تحرير الرهينتين والقبض على أحد عناصر المقاومة فشلوا من قبل في القبض عليه وضياع حياة شاب تسلل دورون إلى حياته البسيطة للقبض على عنصر آخر. يشعرك الجزء الثالث أن لكل مواطن فلسطيني ثلاث رجال مخابرات على الأقل يراقبون حياته وأفراد أسرته، ويشكك في كل فرد من أفراد المقاومة وأهدافه وانتماءاته ومصداقية مشاعره ويرسم صورة غاية في التناقض بين المواطن الفلسطيني والمواطن اليهودي ويكيل كل تصرف بمكيالين لكنه يرسم في النهاية حياة الفلسطينيين كأقبح ما يكون حتى من وجهة نظر الإسرائيليين، دون أن ينسب هذا للاحتلال بالطبع حتى أن إحدى الصحفيات الإنجليزيات أشارت إلى القطاع المحاصر الذي أغلقته إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمان، والطريقة التي عاقبت بها أكثر من مليوني إنسان فيه بالموت البطيء.

تعجبت قليلا من حوار جاء على لسان دانا رئيسة الأمن في غزة وهي تحقق مع شاب قتل بعض رجال الأمن في بيوتهم قالت: يقول اليهود من عمل منكم عملا فليتقنه، على الرغم من صحة الحديث الذي جاء على لسان رسول الله "إن الله يأمركم إذا عمل أحد منكم عملا أن يتقنه" ولم يقتصر الأمر على سرقة أحاديث رسول الله، بل الرقص على شكل دبكة فلسطينية أحيانا والرقص على أنغام الموسيقى العربية خاصة أم كلثوم وترديد الغناء العربي في أفراح الفرقة الخاصة التي تقتل العرب.         

 

تدور أحداث الجزء الرابع عن علاقة إيران وحزب الله بالإرهاب وتصور بين أماكن متعددة داخل الأراضي المحتلة وتركز على مخيم جنين وتل أبيب والكيبوتس والشيخ مؤنس التي يسميها اليهود: رامام أبيب ثم يخرج من محليته إلى الخارج إلى بروكسيل في بلجيكا وحدود سوريا والأردن حيث غور الأردن ومجدل في شمال هضبة الجولان وبيروت وقرية فندقية شمال لبنان. أبطال الموسم تم تغيير بعضهم فحل أبو أسامة محل أبو ماهر في قيادة الأمن الوقائي الفلسطيني وحل حزب الله محل حماس والنخبة وغيرها من الفصائل الفلسطينية وحتى داعش لهذا كان من الطبيعي الخروج إلى أوروبا ثم إلى بيروت لاحقا عبورا بسوريا عن طريق الجولان. تشارك الموساد بصورة مباشرة في المهمات الخارجية ويتضح لنا حجم التعاون بين الموساد والعناصر الاستخباراتية في العديد من البلاد الأوروبية وغيرها منها أثيوبيا على سبيل المثال بحجة تخليص العالم من الإرهاب الإسلامي. 

على نفس نهج الإثارة الذي قدمه مسلسل فوضى من قبل عرفنا من البداية أن نتيجة العمليات في غزة أدت إلى إبعاد دورون من الوحدة لأنه تسبب في مقتل زميله أفخاي بعد أن رفض تنفيذ الأمر بالعودة واستمر في مطاردة بشار الذي خطف الرهينتين. لا تتوقف ثورة دورون ضد زملائه خاصة جابي أو أيوب الرئيس الأكبر الذي يدعوه إلى السفر معه إلى بلجيكا ليشارك في القبض على مجموعة من حزب الله تعمل من هناك، تمكن جابي من زرع عنصر فلسطيني داخلها هو عمر طوالبة ابن اياد طوالبة العميل الإسرائيلي من جنين الذي سلم تنظيم جهاد الإسلامي في 2002 بما في ذلك أخيه.

 عمر أيضا هو ابن عم عادل طوالبة المسؤول عن حزب الله في فلسطين. في بروكسيل يلتقي جابي ودورون بالمسؤول الإسرائيلي ويتجهان إلى عمر الذي يخبرهم شكه في أن رفاقه داخل الحزب تراودهم الظنون حوله ويطمئنه جابي فيستدرجه ويقبض عليه وتدور المعركة بين طرفين، الموساد والوحدة الإسرائيلية التي تذهب إلى بروكسيل من ناحية وحزب الله من ناحية أخرى ويموت جابي ويستغل الموساد الذي يقود المجموعة العلاقات العائلية في عائلة طوالبة للوصول إلى عمر في بيروت للوصول إلى جثمان جابي الذي يشك دورون في موته أصلا ويقترح خطة انتحارية لاستعادته منها استغلال مايا أخت عمر. وبعيدا عن تفاصيل البطل الخارق القادر على اقتحام كل شيء رصدت عدة ملاحظات على المواسم الأربعة:

- صنع المسلسل عالمًا غامضًا على الحدود المسورة يعيش فيه عرب أشرار تبذل كل الجهود لكسر شوكتهم وابعادهم عن تعكير الحياة الآمنة لسكان المستعمرات الاسرائيلية وتحولت حياة الفلسطينيين ومقاومتهم للاحتلال الغاصب إلى مادة ثرية للإثارة عن مطاردة البطل دورون للمجرمين واصطيادهم وإثارة غريزة القنص لدى المشاهد ليجلس ساعة يوميا على الأقل مترقبًا كيف يتم الانتصار على الفلسطيني عدو دولة اليهود متجاهلا الغاصب المحتل سارق أرض الفلسطينيين، معطيًا شرعية وراحة نفسية له بعد أن داعب غرائزه كصياد في البراري المتوحشة.

لكن على الرغم من المجهود الفني الجبار والميزانية الضخمة إلا أن المسلسل لم يستطع إغفال الحياة شديدة القسوة غير الإنسانية التي يعيشها الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة، ولا حجم المعاناة التي يعانيها من إهدار آدميته على يد الجنود الإسرائيليين بكل تنوعاتهم المهنية، وضاعت المشاهد التي تكلفت الملايين لإظهار الفلسطيني الإرهابي المتوحش الذي يهاجم اليهودي المسالم بلا ذنب اقترفته يداه أو صنعته حكومة الاحتلال أمام حقائق دامغة تهين الإنسانية كلها حين تحقر من آدمية الفلسطيني وحقه في حياة كريمة في وطنه. ولن أتعجب مطلقًا إذا جاء يوم تعترف فيه إسرائيل بما اقترفته وتسمي الفلسطينيين المواطنين الأوائل كما يفعل الأمريكيون الآن مع الهنود الحمر دون أن تهتز لهم شعرة بعد القضاء على شعب بأكمله، ولكن لن يضيع حق وراءه مطالب.

- تتصاعد على مدى الحلقات نظرة التعالي على العرب وتهميشهم داخل المجتمع إلى الحد الذي يتم فيه انكار قدراتهم حتى في المعارك التي تنتهي بتراجع إسرائيل أو اكتساب العرب لمهارات ما داخل الجامعة أو وجود مناضلين يتنكرون في صورة يهود ويتقنون العبرية ويعتبر رجال المخابرات الإسرائيليين هذه الخطوة كارثة قومية لم يتوقعوها أبدًا وينقلون على لسان العرب الترهيب من إسرائيل: هذه إسرائيل يا خيي. يقولونها برعب كأنها المستحيل. ومع تصوير حياة الفلسطينيين الشخصية وعلاقاتهم العائلية فإن هذا لا يكفي ليقيم حياة على قدم المساواة، حتى لو ظهرت مشاهدًا تدين الإسرائيليين "مثل مشهد سرقة الجنود لمستلزمات جهاز أخت نضال أثناء تفتيش البيت ونعت أمه لهم باللصوص" لأنها تنتصب وحيدة ضمن طوفان من المشاهد النقيضة لها. وويكفي أن العمل يدين كل الفدائيين ويبذر الفرقة بين الفصائل الفلسطينية بتخوين الجميع ولم يظهر نموذجًا واحدًا لفلسطيني متوازن باستثناء أبو بشار المناضل الذي يسمى أبو الأسرى وأبو ماهر رئيس الأمن الوقائي الفلسطيني الذي يقدمه من ناحية ثانية كعميل لإسرائيل ويصم كل رجال السلطة بالعمالة والخيانة بما فيهم أبو سمارة رئيس حماس وكل فدائي فلسطيني. 

- ومع كل المحاولات الإعلامية لتصوير المسلسل باعتباره محايدا يبحث عن نقطة للحوار فإن معظم ما جاء من أحداث ومشاهد صب في عكس هذا الاتجاه بافتراض أن مقاومة الاحتلال والظلم هو إرهاب وقد وجدت مقالا للصحفي الفلسطيني معد فياض ينقل فيه ما جاء على لسان مؤلف فوضى آفي ايسخاروف وهو صحفي إسرائيلي ومحلل سياسي يقول فيه: "حل الدولتين انتهى لأنه لا يوجد شركاء سلام، لا يوجد شريك إسرائيلي ولا يوجد شريك فلسطيني أما حل الدولة الواحدة فهو بعيد عن التحقق". ويعلق معد فياض على هذا الكلام قائلا: إن حكومات يمينية تسيطر على الدولة مثل حكومة نتانياهو لا يمكن لها أن تعطي "حقوقًا مدنية أو سياسية للفلسطينيين في الضفة، مما يضع الأمور رهنا للرعب القادم من الاحتمالات المفتوحة، طبعا في غياب شركاء السلام". 

- ينتهي الموسم الرابع بسقوط عناصر وحدة المستعربين جرحى وهم يقرأون الفاتحة وبعض من كلمات التوراة: يا إسرائيل الإله واحد ثم يقرأ فقرة من التوراة فهل انتهى العمل عند هذه اللقطة الملغزة؟ لا أظن، أولا لأن قماشة المسلسل تسمح كل يوم بقصة جديدة عن هذا الصراع وطبعًا ينتهي بقتل العربي وانتصار دورون، وثانيا انتهى كل جزء من الأجزاء السابقة بخروج دورون من وحدة المستعربين ثم عودته لأسباب حتمية في جزء جديد. ثالثا لقطة النهاية لا تعني أن العرب والإسرائيليين واحد رغم أن الله واحد وقد بذلوا مجهودًا كبيرًا لإثبات أن قتل العربي يماثل قتل دمية في ألعاب الكومبيوتر المعروضة بإفراط على الشبكة الدولية.

- يطرح المسلسل قضايا كثيرة منها اشتراك ممثلين عربًا في التمثيل وددت أن أسألهم لماذا؟ وهل صدقوا بالفعل أن الإسرائيليين سيدفعون الملايين لإنتاج مسلسل ينصف القضية العربية؟ ألم يقفوا طويلا أمام احتفاء الرئيس الإسرائيلي بالعمل وتكريم العديد من الهيئات للمسلسل لأنه ينصف صورة إسرائيل! وهل ستعطي إسرائيل سبعة عشرة جائزة لمسلسل تتساوى فيه القضايا العربية مع الإسرائيلية؟

- يثير عندي مسلسل فوضى أيضًا قضية التكوينات الاجتماعية الجديدة للفلسطينيين في الداخل والخارج وتأثير الشتات على حياتهم وأفكارهم واستمرار قضيتهم هل يأتي يوم يذوبون في بلاد الشتات بالفعل أم أن المستقبل يطرح إمكانيات جديدة تعيد الحق لأصحابه؟

- عشرات الصور الملحة أثارها المسلسل في رأسي بكل وعيي بالقضية، فماذا يفعل الانسان البسيط أمام الآلة الإعلامية الجهنمية؟ لم تعد الحرب بالنار وحدها، ولكن بوسائل كثيرة أكثر تدميرًا. ماذا نحن فاعلون ألم يأت الأوان لعمل شركة انتاج كبيرة تقدم أعمالا فنية رفيعة المستوى وترد على مثل هذه الادعاءات؟ خاصة أن المسلسل يعلن عن اعتماده على وقائع حقيقية فكيف نترك تاريخنا يكتب بيد غيرنا كما يحدث مع المهزومين ونحن لم نهزم بعد، وحتى لا ننتهي إلى هزيمة لابد أن يؤدي كل منا دوره على الأقل في فضح مثل هذه الأعمال التي كالت بمكيالين بين الفلسطيني والإسرائيلي ، والتي تبرر وجود القوة القاهرة وسحق الفلسطيني على أرضه باعتباره ليس بشرًا.

لن تتوقف اسرائيل عن استخدام كل القوى المدمرة والناعمة لإقناع العالم بأحقيتها المزيفة في الأرض ولن نتوقف نحن في الدفاع عن أرضنا في فلسطين.
-----------------------
قراءة وتحليل: هالة البدري*


* حاصلة على جائزة الدولة التقديرية في الآداب
من المشهد الأسبوعية







اعلان