23 - 07 - 2024

د. إشراقة مصطفى حامد: المتصارعون في السودان قطع شطرنج والصراع تديره محاور دولية وإقليمية

د. إشراقة مصطفى حامد: المتصارعون في السودان قطع شطرنج والصراع تديره محاور دولية وإقليمية

- شركاء الدم  يهللون (الله أكبر) كلما قتلوا روحا بريئة والشعب السوداني بين سندان ومقصلة 
- السودانيات عانين مرارات تحتاج إلى مسودات توثق القمع الذي واجهنه بصبر أثناء الحروب
- من المهم أن نتساءل عن مصادر السلاح الذي يقاتل به الجنرالات

يشهد التاريخ الإنساني قديمه وحديثه أن ويلات الحروب والنزعات المسلحة والحروب الأهلية تلقي بظلال كارثية على المرأة، فعلى الرغم من أنها ليست كائنا ضعيفا وتملك القدرة على المواجهة، لكن تحالف الآلام والمصائب عليها بدءا من فقدان الأمن والأمان ومرورا بالفرار والتشرد وانتهاء بالضغوط الإقتصادية والتعرض لانتهاك حرمتها وحرمة أسرتها، وقد شهدت السنوات الأخيرة عربيا بسبب الحرب في سوريا واليمن وليبيا والعراق ولبنان هجرات وتشردات ومآسي وكوارث لحقت بالمرأة وأبنائها.

 والآن الحرب في السودان تفعل نفس الفعل، وما نراه على حدود الدول المجاورة للسودان من فرار النساء والفتيات والأطفال أمر كاشف للويلات التي عانت وستعاني منها المرأة السودانية التي قضت الحرب أمنها وأمان أسرتها. وفي هذا الحوار مع الكاتبة والأكاديمية الناشطة السودانية في مجال حقوق المرأة وخاصة المرأة السوداء د.إشراقة مصطفى حامد نلقي الضوء على أوضاع المرأة السودانية في ظل هذه الحرب الدائرة.

بداية تشير د. إشراقة مصطفى إلى إن الحرب الدائرة الآن ليست الحرب الأولى في السودان، وتقول "سبقتها حروب ضروس في غرب البلاد وفي جبال النوبة والنيل الأزرق ومن قبل جنوب السودان قبل إنفصاله، حيث عانت النساء مرارات تحتاج إلى مسودات توثق القمع الذي واجهته بصبر أثناء تلك الحروب، بل تم لأول مرة استخدام الاغتصابات كسلاح حرب، وفي هذا السياق لا يمكن المرور دون الاشارة الى الجنجويد الذي يقوده نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي الذي كان متحالفا مع البرهان الذي قاد الحرب أيضا في دارفور. لا يمكن الحديث عن ما يحدث الآن بمعزل عن ماعايشته النساء السودانيات من قهر وقمع وبطش في ثلاثين عام عجاف من حكم الإسلامويين وشرعنتهم لسياسة القهر بالقانون. 

وتضيف "مشاركة النساء في مقدمة الثورة أكبر دليل على عزيمتها للتخلص من القمع وتحقيق المشروع الوطني حيث ينعم الجميع بالحرية والسلام العادل والتحول الديمقراطي الذي لم يكن ممكنا في ظل اللجنة الأمنية لحكومة البشير. إشتعلت الحرب حين تضاربت المصالح بين الجنرالات ودفع الانسان السوداني بشكل عام الثمن، وبشكل خاص النساء. التأثير على حياتهن التي من الممكن أن تنهيها رصاصة طائشة في حرب الشوارع. لم يعد الأمر العاجل الآن حريتها بل حياتها، وبالتأكيد لا يمكن فصل الحياة عن قيمة الحرية، ولكن في ظل الحرب يصرخ الجميع، الأمهات، البنات الصغيرات، الحوامل والرضع وكبيرات السن. في الحرب يخسر الجميع وليس هناك منتصر. النساء بائعات الأطعمة اللاتي لا سبيل لهن غير العمل ليطعمن صغارهن وقد تم قتل ثلاثة منهن حتى الآن كما توافد في الأخبار من السودان. الوضع عموما مأساوي، مجاعة قادمة إن لم تكف الحرب عن جنونها. لا ننسى النساء اللآتي يتلقين علاجا يوميا في المستشفيات التي طالها الخراب، وبالتالي تعرضت حياتهن للخطر خاصة اللآتي يتلقن جرعات لمقاومة السرطان أو غسيل الكلى أو اللاتي يمنحن حياة جديدة تمتزج فيها صرخة الحياة الأولى للمواليد الجدد بهدير المدافع وأزيز الطائرات المرعبة، تماما كالصور البشعة التي نشاهدها مثل امرأة في حالة ولادة، قتلتها شظيه في لحظة صرخة مولودها. هل كانت تحسب لذلك وهي تعد أفراحها للقادم؟ مثل الأم التي ظلت تلهج بالدعاء لأجل ابنها طالب الطب متحملة ألم شظية اخترقت رقبتها في بيتها حيث أمنها وأمانها. مات الابن ولحقت به الأم في اليوم التالي. هذه مشاهد عادية للأسف ومتوقعة، وتكفي الجثث المرمية على الطريق أو طالب الجامعة الذي دفن على ترابها. 

جيوش بدلا من جيش!

وحول ما إذا كانت تعتقد أن الحرب الدائرة وراءها محاولة لاستمرار نظام حكم البشير وحركة الإخوان المسلمين تؤكد د. إشراقة مصطفى: "بالتأكيد وراءها الإسلاميون الذين شكل لهم البرهان حماية وحميدتي الذي فتحوا له الابواب على مصرعيها ليكون في البلاد جيوش بدلا عن جيش واحد له عقيدة واحدة وموحدة تجاه الوطن وحماية المواطن. معروف إن حكومة الإنقاذ مكنت من تريدهم عبر سياسة التمكين التي صفت القوات المسلحة من الوطنيين، طالتهم يد الصالح العام وأصبح الدخول لهذه المؤسسة مشروط بالأنتماء أو الولاء للاسلامويين. مراجعة التاريخ يجعل الصورة أكثر وضوحا منذ أن استدعى البشير حميدتي ومقولته تلك الشهيرة (حميدتي حمايتي) وماقاله البرهان (إن قوات الدعم السريع وُلدت من رحم القوات المسلحة)، مهدوا له الطريق، عبدوه لمزيد من الجثث التي لم تبدأ بمجزرة فض الإعتصام في التاسع والعشرين من رمضان في 2019، ولم تنته منذ سنوات حيث كانت فيها البنادق موجهة لصدور الثائرات والثوار. 

وتلفت د. إشراقة إلى أن في السودان ميليشيات عديدة، كتائب الظل والدفاع الشعبي والدعم السريع وما خفي أعظم. وللإسلامويين دور كبير خاصة إنهم مازالوا متمددين في مفاصل الدولة التي تنهار الآن قبل أن تكتمل ملامحها مجسدة أحلام ثورة ديسمبر المجيدة. استثمر الإسلاميون بحماية الجنرال البرهان في قائد الدعم السريع حميدتي الذي قمع انتفاضة 2013 وذات حميدتي الذي تم تفويضه لتجنيد عدد مهول من اليفع السودانيين الذين لا خبرة لهم في الحروب وتسفيرهم لليمن مستغلين حاجتهم للمال لتصفية الدم اليمني. أن ذلك يندرج تحت الإتجار بالبشر. إن ما يحدث في السودان تديره محاور دولية وإقليمية لا تعدو سوى أن تكون قطع شطرنج في يد هذه المحاور العظمى لاستنزاف ثروات السودان الخام من الذهب، الفضة، الزنك، الحديد والنفط، النحاس وغيرها من المعادن. من المسؤول عن شرعنة الجنجويد ومنحهم حاضنة إجتماعية؟.

وتوضح مصطفى "دفع الإتحاد الأوربي أموالا طائلة لحكومة البشير لتنفيذ ما عُرف بعملية الخرطوم التي تهدف إلى إيقاف ما أطلقوا عليه (الهجرة غير الشرعية)، وقامت بعض دول الاتحاد الأوروبي بتدريب قوى عسكرية لعسكرة الحدود في الوقت الذي تستمر انتهاكات حقوق الإنسان الشيء الذي يدفع للهجرة القسرية، وهذا ما يحدث الآن في المناطق التي استهدفتها حرب العصابات. من المهم أن نتساءل عن مصادر السلاح الذي يقاتل به الجنرالات، ومعلوم إنه ليس هناك مصانع أسلحة في السودان. مالذي فعله حميدتي في روسيا قبل ساعات من اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟ للحرب وجوه عديدة، شكلتها شهوة الثروة والسلطة. من البديهي إن أي إنسان عاقل يحلم بقوات شعب مسلحة موحدة، شعارها الوطن وحمايته وبعيدة عن الأدلجة والعمل السياسي وقد كان الشارع واعيا عبر هتافاته (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) أو الهتاف الواضح وصريح (مافي مليشيا بتحكم دولة). نلاحظ وعي الثورة الذي نادي بجيش واحد يحرس شعبه وتطلعاته المتمثلة في أهداف ثورة ديسمبر المجيدة: حرية سلام وعدالة ومدنية خيار الشعب. هل ذهب كل ذلك أدراج الرياح؟ أؤمن بقدرات الشعب السوداني والوطنيين في صفوف الجيش وإن تمت إزاحتهم. 

وترى إن مفتاح عملية الإصلاح لمنظومة القوات المسلحة يتمثل في جيش ذي عقيدة موحدة تراجع تجربتها في قتل وسحق الجماهير التي لا تحمل سوى احلامها وتطلعاتها، فما قام به الجيش المؤدلج هو نفسه ماقام به حميدتي وبقي الشعب السوداني بين سندان ومقصلة. الحل في إيقاف الحرب فورا، ليس في الحرب منتصر، في الحرب الكل مهزوم، لذا على القوى السياسية أن توحد صفوفها وأن تراجع تجربة التفاوض والشراكة مع العسكر بذهن منفتح ووعي نقدي، وأن تسعى جادة إلى إصلاحها داخليا حتى تخرج السودان من فوهة البندقية إلى رحابات الحياة الكريمة وآمنة. إن لم تقف الحرب والتفت السودانيات والسودانيون حول برنامج وطني يحفظ للجميع حقوقهم بسيادة القانون، فهذا مدعاة ليس فقط للهيمنة على السودان لموقعها المتميز بل كل المنطقة، فمن المستفيد من ذلك؟ من؟ ولا أحد يعرف عدد الضحايا الذين قتلتهم أسلحة الجنرالات، من رصاص وقنابل وقصف الطيران بأسلحة ثقيلة بشكل عشوائي راحت على اثره أرواح وتهدمت البنيات التحتية هذا غير الرعب الذي سببته هذه الحرب للصغار قبل الكبار. الغريب في الأمر يهلل شركاء الدم (الله أكبر) كلما قتلوا روحا بريئة. لا سبيل سوى تكوين جبهة مناصرة عريضة لأجل السلام مسنودة بتضامن حقيقي من العالم المحب للسلام. 

وترى د. إشراقة مصطفى أنه من المؤسف إن ضعف مشاركة المرأة في المشهد السياسي السوداني بعد الثورة وكذلك تهميشها في اتفاقية جوبا للسلام ساهم في اقصائها من صناعة القرار السياسيى. أربع وزيرات وإمرأتان في مجلس السيادة، واجازة الوثيقة الدستورية دون مشاركة واسعة للنساء رغم إن العالم يشهد إن قرابة السبعين في المئة أيام الثورة كن نساء. تحملن الضرب والاعتقالات والتحرشات من ذات الجيش المؤدلج والدعم السريع خاصة. هنا لا بد أن ألفت الانتباه إن هتاف الشارع كان عاليا بأنه (لا تفاوض، لا مساومة ولا مشاركة) مع العسكر، وقد أثبتت التجربة فشل ما تم وأدى ذلك إلى الإنقلاب الأخير في 25 أكتوبر 2022. لا يمكن أن يكون هناك إحلال للسلام، لذا من الصعب في ظل الحرب تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1325 المرتبط بتفعيل دور النساء في عمليات السلام والأمن، لأن الأمن والأمان معدوم خاصة مع ممارسة العنف المفرط تجاههن، إذ يصعب توفير بئية آمنة لهن خاصة إن كل الخطط التي تم وضعها أصبحت في مهب الرياح، إن كل ذلك لن يتم ما لم تقف الحرب وليس فقط وقف إطلاق النار. 

وتشدد على أنه رغم كل هذه الظروف القاهرة تلعب النساء السودانيات دوراُ عظيما لوقف الحرب وتضع الخطط لإدارة النزاعات رغم كل العوائق الاجتماعية والسياسية، والوضع الاقتصادي، إذ يصعب التواصل عبر الميديا الإجتماعية مع انقطاع التيار الكهربائي ليتواصلن مع النساء السودانيات في الدياسبورا اللاتي تحركن في جهات عديدة لعكس ما يحدث في السودان من حرب عصابات يدفع الإنسان ثمنها فادحا، أرواح زُهقت وتشريد من بيوتهم ورعب الأسلحة التي تزأر فوق رؤوسهم إضافة لما يهدد البلاد من مجاعة. 

وتتابع مصطفى إن إيقاف الحرب أول الأهداف التي تعمل عليها العديد من النساء وخاصة النساء المهاجرات إذ تم تكوين أجسام عديدة يحاول بعضها أن يخلق تشبيكا ولوبيا يضيء ما عتّمه الإعلام. تكونت مثلا (سودانيات مهاجرات ضد الحرب) وشملت نساء من دول عديدة، النمسا، بريطانيا، كندا، أمريكا، فرنسا، أستراليا والسويد. شبكة تعكس قدرات النساء ووعيهن المجتمعي باهمية إيقاف الحرب والمساهمة في إحلال السلام، ووضع خطط وآليات عمل تعمل على تمكين مشاركتها لاحقا في بناء السلام والفضاءات الآمنة للنساء. هذا كله يتطلب سيادة حكم القانون والمواطنة. 

وختاما وحول رؤيتها للانسحاب الدولي من السودان عبر إجلاء معظم الدول لرعاياها وتأثيره على الشعب السوداني، تقول "الدول المحترمة تحترم مواطنيها وتحمي حقهم في الحياة. الانسحاب طبيعي، ولكن هذا يتعارض مع حقوق الانسان التي لا تتجزأ. الأمر بالتأكيد ليس بالتمني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السودانيات والسودانيين العالقين بين مشاجب الموت والموت. أما كان ممكنا أن تعبأ هذه الطائرات بالأدوية الضرورية والأغذية وهي قادمة لإنقاذ مواطنيها؟ أين التضامن بين الشعوب. إن الاجلاء كان مؤشر لجدية هذه الحرب العبثية، مؤشر إلى حافة الهاوية التي ستبتلع الجميع إن لم يقف إطلاق النار والالتزام بذلك تمهيدا لإيقاف الحرب. 
----------------------------------
حوار - محمد الحمامصي

من المشهد الأسبوعية