25 - 06 - 2024

د. حمدي السيد يروي ذكرياته مع 5 رؤساء لمصر: خدعت في الإخوان ولولا السيسي لضعنا

د. حمدي السيد يروي ذكرياته مع 5 رؤساء لمصر: خدعت في الإخوان ولولا السيسي لضعنا

* أرسلت للسادات أقول له:"كنت رفيق عبد الناصر في كل الأوقات، لماذا الآن تتخذ طريقاً مختلفاً" لكن تبدل موقفي تجاهه بعد اتفاقية السلام، ولمست عن قرب وطنيته وحبه لشعبه
*جلست أمام مبارك حين كان نائبا للرئيس واضعاً رجلا علي رجل أمامه فقال لي: "انت راجل صعب قوي يا دكتور"
* طلبت من مبارك الإفراج عن سجناء 15 مايو فقال: "علشان يقولوا عليا بره إنى من أولاد عبدالناصر ويعملوا لى قلق ووجع دماغ؟ .. نام يا حمدى أنا عارف الكبيرة والصغيرة"
* عصام العريان قال في النيابة إنه ينوي الترشح أمام مبارك فقلت له: "انت اتجننت ياولا"
* السيسي يجري بمصر بسرعة البرق والمشاريع التنموية نهضة لمصر 
واللي مش عاجبه التنمية يشرب من البحر

قضي رحلة طويلة من العمل السياسي والحزبي والنقابي، عاصر فيها أكثر من عهد بداية من الملك فاروق مروراً بالجمهورية حتي الرئيس السيسي ، وكان فيها شاهداً على الأحداث وسافر إلى عدة دول بدأت بمنحة في ريعان شبابه في أوائل الأربعينات ، وهو يجلس الآن فى منزله بعيداً عن العمل السياسى والنقابى يتابع المشهد السياسي والنقابي من مكتبة الخاص في ضواحي القاهرة  وقد تجاوز عمره 92 عاماً.

الدكتور حمدى السيد، الذى تقلّد منصب نقيب الأطباء لمدة 28 عاماً، وشغل عضوية مجلس الشعب لمدة 31 عاماً، وعمل مع 18 وزيراً للصحة، وشهد عصر الملك فاروق و 4 رؤساء بعده، بداية من جمال عبدالناصر عندما كان طبيباً شاباً، وأنور السادات الذى خاض فى نهاية عهده أول انتخابات نيابية، وحسنى مبارك أكثر الرؤساء الذين اقترب منهم وأصبح فى عهده أحد كوادر الحزب الوطنى الحاكم فى هذه الحقبة، ثم المجلس العسكري إبان ثورة يناير الذي منحه تكريماً خاصا، نهاية بالرئيس عبدالفتاح السيسي .

فتح  د. حمدى السيد ، فى حواره لـ" المشهد" خزينة ذكرياته ومواقفه وروى ملابسات كتابه "أنا والرؤساء" الذي يحوي علاقاته بكل الرؤساء بداية من الملك فاروق حتي الرئيس السيسي ، مؤكدًا أنه  قرر اعتزال الحياة العامة بسبب كبر سنه الذي تجاوز الـ92 عاماً، لافتًا أنه يحرص على قراءة الصحف يومياً، ويحرص كذلك على مطالعة بعض الكتب فى مكتبة منزله، ويتمتع بذاكرة قوية، ويبرر ذلك بمحافظته على صحته والتزامه بممارسة الرياضة وامتناعه عن التدخين طوال شبابه.

المشهد حاورته ثلاث ساعات يفصح فيها عن كواليس وأسرار علاقته بالرؤساء والمواقف التي خاضها الدكتور حمدي السيد وشهادته على أكثر من عصر.

فإلى نص الحوار:

بداية يقول: رفضت المشاركة في السياسة خلال عهد فاروق وكان عندي أمل في عبد الناصر ولولاه لتركت البلد بلا عودة ، أعتبر من الأطباء القلائل الذين لا يزالون على قيد الحياة ممن عاصروا الملك فاروق وحتي الرئيس السيسي، ولديهم القدرة على التقييم. 

كنت جزءا مهما في مسيرة المهنة، نقيبا للأطباء 28 سنة وعضو مجلس شعب لـ 7 دورات متتالية، وكنت من أول من أدخل جراحة القلب المفتوح إلى مصر في سنة 1965، في وقت لم تكن دول أوربية كثيرة قد أنشأت مركزا متخصصا للقلب المفتوح, حاصل على شهادتين في الطب الجراحي والطب الباطني وأصبحت طبيبا شاملا لأمراض القلب.

خلال دراستي حتى الجامعة، عاصرت حقبة فاروق كلها وكان الكثير من زملائي ينخرطون في العمل الحزبي والسياسي، ولكني رفضت ذلك وركزت كل مجهودي في التعليم.

تخرجت من الجامعة في ديسمبر عام 52، وخلال حرب 56 تم تكليفي كطبيب بشري ومكثت في الجيش 4 سنوات، حصلت خلالها على أعلي أوسمة، وسام الاستحقاق والواجب الوطني، كأحد أفضل الشباب الأطباء الذين خدموا بلادهم في الجيش.

ثم سافرت الي الخارج وجئت محملا بالآمال، ولكن واجهت صعوبات كثيرا لتطبيق ما تعلمته في الخارج، حاولت العودة مرة أخرى إلى الجامعة ولكنها رفضت طلبي، فأرسلت خطابين إلي الرئيس عبد الناصر أشكو فيهما تعنت إدارة الجامعة من عودتي، مما دفع الرئيس عبد الناصر للإنصات إلي رسائلي التي قرأها جيداً وأمر بعودتي إلى الجامعة مرة أخرى، والاستفادة مما اكتسبته من دراستي في الخارج. 

* هل تقابلت مع عبد الناصر وعرضت عليه أفكارك وما رأيك في فترة حكمه؟

- لم أتقابل معه علي الإطلاق، بل حصلت علي الأوسمة خلال تكليفي كطبيب في الجيش وأرسلت له خطابين أولهما بعد عودتي من الخارج حين رفضوا عودتي إلى الجامعة، والثاني بعد تعسف إداري من قبل الجامعة , وأعتبر حقبة عبد الناصر من أعظم الحقبات التي مرت علي مصر فأنا ناصري متعصب أعشق عبد الناصر.

* ماذا عن السادات كيف تري حقبة حكمه؟

- في بداية توليه الحكم كنت أري أن السادات جاء لكي يسلك طريقا مغايرة عن عبد الناصر، ولم تربطني به أي علاقة منذ توليه حتي استشهاده علي يد عدد من أفراد الجماعات الإرهابية، ولكني أرسلت له خطاباً له عندما اتخذ قرارات كانت في اعتقادي خاطئة، وقلت له "يا سيادة الرئيس كنت رفيق عبد الناصر في كل الأوقات، لماذا الآن تتخذ طريقاً مختلفاً" ولكن لم يتم الرد علي رسالتي.

وكنت أرى السادات يريد أن يؤسس جمهورية جديدة بقوانين وقرارات جديدة ولم يخطر في بالي أن يقدم على إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل.

* هل تقابلت مع السادات وجها لوجه؟

- في عام 1979 وأنا نقيب الأطباء، كانت هناك احتفالية بيوم الطبيب في شهر مارس وطلب زملائي مني إرسال دعوة إلى الرئيس السادات لحضور المناسبة، وبالفعل أرسلت دعوة إليه ولبى الدعوة بالحضور وكنت في استقباله، وكان احتفالا مبهجا للغاية وسلم عليّ وقال لي "شكرا علي الدعوة يا نقيب، وعاوزك تحضر معايا اتفاقية السلام مع إسرائيل وتيجي معايا أثناء تسلم العريش". 

حين قال الرئيس السادات ذلك "اتخضيت وقلت في نفسي يا نهار اسود انا مش بحب السلام مع اسرائيل ومش هروح، ولكن زملائي أقنعوني بالذهاب مع الرئيس لحضور (مراسم توقيع) اتفاقية السلام في أمريكا واستلام العريش من الاحتلال" .

* هل دفعك ذلك أن تحب حقبة السادات؟

- في بداية حكمه لا. لكن تبدل موقفي تجاه الرئيس بعد اتفاقية السلام، لمست عن قرب وطنية السادات وحبه لشعبه واستعادة أرضه وتناوله للقضية الفلسطينية خلال خطبته أثناء اتفاقية السلام واعتبر تلك الخطبة من أهم الخطب التي لم أر مثيلا لها على الإطلاق وينبغي أن تدرس في الجامعات.

مبارك كان صديقا مقربا 

* متى تم أول لقاء جمعك بالرئيس الأسبق مبارك؟

- عندما تولي مبارك منصبه كنائب لرئيس الجمهورية التقيت به عندما كتبت تصوراً لبناء مستشفى عين شمس وعرضت عليه فكرة إنشاء المستشفي وقدمت له كافة التفاصيل اللازمة، ولكن خلال الاجتماع كان ينظر إلي بنظرة حادة بسبب جلوسي واضعاً رجلا علي رجل أمامه وقال لي "انت راجل صعب قوي يا دكتور"، في نهاية الاجتماع اعتقدت أنه رفض الفكرة بسبب انه لم يحبني ولا أحب طريقة كلامي، ولكن بعد ذلك وافق على إنشاء المستشفي.

* بعد اغتيال السادات وتولي الرئيس مبارك سدة الحكم هل شعرت أنه يسلك طريق السادات أم اختط لنفسه طريقا مختلفاً؟

بعد تولي مبارك مقاليد الحكم أرسل دعوة لي لحضور أولى اجتماعاته مع عدد من المثقفين والمفكرين وعدد من الوزراء بينهم وزراء الصحة والتعليم والاقتصاد والتخطيط، وقال مبارك نصاً "انصحوني أعمل ايه تحملت مسؤولية ولم أكن جاهزاً لها الآن" وهذا يعتبر أول رئيس تولي مقاليد الحكم يقول ذلك، عرضنا عليه كل القضايا وتكلمنا معه في كل شيء، وأهم القضايا الذي من المفروض أن يتخذ قرارا سريعا فيها, بعد ذلك ربطتني علاقة طيبة مع الرئيس مبارك وكان يعرفني بالإسم "فين حمدي تعالي يا حمدي"

* هل طلبت شيئاً من الرئيس مبارك ولم يستجب له؟

عندما مثلت دائرة مصر الجديدة في مجلس الشعب، كان الرئيس مبارك يتردد على المجلس دائما، وقلت له في إحدى المرات "يا سيادة الرئيس الله يخليك اعمل معروف وأفرج عن مجموعة 15 مايو زى ما افرجت عن معتقلي سبتمبر(1981)، وجدت الرئيس مبارك تحول وأدار وجهه لي وقال: "اسكت يا حمدي أنا عارف كل حاجة وكل حاجة في دماغي, بعدها بأيام تلقيت اتصالا من مؤسسة الرئاسة قالوا لي الرئيس مبارك عاوز يكلمك، كلمته وقال في التليفون: "يا حمدي عايزنى أفرج عن بتوع 15 مايو علشان يقولوا عليا فى بره إنى من أولاد عبدالناصر ويعملوا لى قلق ووجع دماغ؟ .. نام يا حمدى أنا عارف الكبيرة والصغيرة".

* هل قدمت نصيحة إلى الرئيس مبارك ولم يستجب لها؟

- في إحدى المرات، كان هناك اجتماع لقيادات الحزب الوطني في قصر القبة وكنت حاضراً مع كمال الشاذلي وصفوت الشريف وكثير من قيادات الحزب وطلبت الكلمة، وقفت اتكلم موجهاً كلامي للرئيس مبارك وقلت له نصاً: "سيادة الرئيس الجماعات الإسلامية توغلت في البلاد في المساجد والجامعات والمراكز الشرعية والكتب التكفيرية ويجب أن نضع حدا لهذا التوغل، وأن الإرهابي عمر عبدالرحمن حدد 25 سبباً لإغتيال الرئيس الراحل السادات، وأغلب تلك الأسباب تنطبق علي حضرتك يا فندم, نظرت حولي فلم أجد إلا الصمت وكأن سحابة سوداء أظلمت القاعة، بعدها تدارك الشاذلي كلامي وطلب من نائب المطرية الحديث، فقال "الدنيا بخير يا ريس وشبابنا واعي وعارف خطورة الإرهاب". 

بعد الاجتماع قاطعني مبارك أكثر من 6 أشهر، خلال تلك الفترة حدثت ثلاث احداث ارهابية تؤكد صدق كلامي وهي "عملية اغتيال المحجوب ومحاولة اغتيال صفوت الشريف وقتل السياح في الأقصر"، ثم تلقيت اتصالا من مؤسسة الرئاسة ووجدت الرئيس مبارك يقول لي عندك حق يا حمدي".

* ما هي أبرز مواقفك مع الرئيس السابق مبارك؟

- طلبت من مبارك اندماج الإخوان في الحياة السياسية تحت مظلة الدولة بعدما طرقت الجماعة كل الأبواب ورُفضت فكرة اندماجهم وقالي لي "اقعد معاهم انت وبلغني" ولكن شعرت بالندم بعد ذلك.

وثاني موقف عندما طلب مني كبار المسؤولين التنازل عن منصب نقيب الأطباء، وعدم خوض الانتخابات لصالح إبراهيم بدران، وزير الصحة السابق، فرفضت، وطلب بدران مقابلتي فقلت له " يا دكتور، أنا عرضت عليك أن تساعدني فرفضت، وأنا لن أترك نقابة الأطباء، وإذا كنت تريد أن تكون نقيباً نافسنى فى الانتخابات، وبالفعل نزل ضدى وتغلبت عليه بفارق أصوات كبير", ثم تلقيت اتصالا من شخص كبير في الدولة وقال لي: الرئيس مبارك زعلان منك علشان رفضت تتنازل، فقلت له: لا أنا ولا غيري نقدر نتحدي الرئيس مبارك ولا نقف قصادة، وكنت أعتقد أن الرئيس مبارك لا يهتم بهذا الأمر، بل كلام المحيطين به".

* هل اجتمعت مع الإخوان؟

- أول اجتماع كان عندما ألقي القبض علي عصام العريان، حضرت التحقيق معه بصفتي نقيب الاطباء، ووجهت له تهمة قلب نظام الحكم وقال العريان للمحقق: لا نهدف لقلب نظام الحكم، لكن أنا كنت ناوى أترشح قصاد مبارك...  قلت: "يا نهار اسود.. انت اتجننت يلا". ثم ألححت على المحقق ألا يضع هذه العبارة فى التحقيق.

وفي عام 2004 طلب مني عصام العريان التوسط للتصالح مع الحكومة والحزب وأنهم جماعة تدين الإرهاب، كنت أعلم أن العريان "عامل زي الثعبان" ويتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وعلاقته مع السفارات ممتازة , أخذت عرض العريان وطرقت كل الأبواب مع دوائر صناع القرار، منهم يوسف والي, وكمال الشاذلي الذي قال ابعدني عن الكلام ده، وزكريا عزمي قال مش هيحصل إن الجماعة تتصالح مع الدولة، لم أجد أمامي سوى وزير الداخلية حبيب العادلي ذهبت له وعرضت عليه الفكرة، وقال لي نصاً: "يا دكتور حمدى بلاش الإخوان يغشوك، الإخوان مقسمين اللعبة مع الجماعات الإرهابية، واحد يلعب سياسة وواحد يمسك سلاح، ووقت اللزوم هيبقوا واحد وتنضم الصفوف"

ولكن ندمت بعد ذلك، وبعد أن كنت معارضا لما يفعله وزير الداخلية حبيب العادلي تجاه الإخوان، "اكتشفت إنه كان عنده حق"

* هل تقابلت مع مبارك بعد إسقاطه من الحكم وخروجه من السجن؟

- بعد تنازل الرئيس مبارك عن الحكم ودخوله وخروجه من السجن لم اتقابل معه علي الإطلاق، وكنت مكتئباً ونادماً أنني لم أره وكان يجب أن أزوره وأطمئن عليه، ولكن لم تسنح لي الفرصة.

* كيف تري السنة التي تولي فيها الإخوان سدة الحكم؟

- عندما تولى الإخوان مقاليد الحكم شعرت بالظلام علي مصر، وقلت للمقربين: "دول يعلقونا علي الأبواب وينتقموا من الكبير قبل الصغير" ولكن يشاء القدر أن رجلا مخلصا وأمينا يحب بلده وضع روحه علي كفه وأسقطهم، ذلك الفريق السيسي وزير الدفاع وقتها ربنا يبارك له".

* كيف تري مصر منذ تولي الرئيس السيسي السلطة؟

- الرئيس السيسي خطف مصر من جماعة كانت تريد النيل من مصر والمصريين، وقدم إنجازات عدة، طرق وكباري ومصانع وتنمية سريعه , "السيسي يجري بالبلد بسرعة البرق".

* لكن هناك بعض المشككين في تلك الإنجازات، وفي تقدم الدولة في التنمية. ما ردك؟

- مصر طول عمرها يقال عليها كلام، ولكن الشعب يصمت والقيادة تصمت أمام مايتحدث به الأعداء، "واللي يتكلم يتكلم واللي مش عاجبه التنمية يشرب من البحر".
---------------------------------
حوار - طانيوس تمري
من المشهد الأسبوعية







اعلان