03 - 07 - 2024

بعد 10 سنوات من فض رابعة .. ملامح تقرير لجنة رسمية لتقصي الحقائق عما جرى

بعد 10 سنوات من فض رابعة .. ملامح تقرير لجنة رسمية لتقصي الحقائق عما جرى

لجنة برئاسة فؤاد عبدالمنعم رياض وأمانة وزير العدل الحالي تؤكد: أخطاء شابت عملية الفض ورفعت أعداد الضحايا
عدد الأسلحة النارية المضبوطة أثناء وفي أعقاب الفض  51 قطعة سلاح من بينها 32 سلاح خرطوش

في يوم 23 نوفمبر 2014 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وفد "اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الأحداث التي واكبت ثورة 30 يونيو وما أعقبها من أحداث"، والتي كانت فترة عملها قد انقضت قانونيًا قبلها بيومين، بعد أن قضت ما يقرب من عام في توثيق وقائع العنف الرسمي والأهلي على مدار الفترة التي بدأت بخروج المسيرات المليونية العارمة للمطالبة بعزل الرئيس السابق محمد مرسي في يونيو 2013 وحتى تنصيب السيسي رئيسًا في يونيو 2014.

تسلم الرئيس السيسي يومها التقرير النهائي للجنة من الوفد الذي ضم كلاً من رئيسها فؤاد عبد المنعم رياض، أستاذ القانون والقاضي الدولي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغسلافيا السابقة، ونائب رئيس اللجنة المستشار إسكندر غطاس، مساعد وزير العدل السابق، والأمين العام للجنة القاضي عمر مروان، الذي يشغل حاليًا منصب وزير العدل.

وذكر بيان رئاسة الجمهورية الصادر في نفس اليوم أن الرئيس السيسي وجه بإحالة التقرير النهائي إلى مجلس الوزراء "لدراسته وإرساله إلى كافة الجهات المعنية والقضائية المختصة لاتخاذ اللازم فيما جاء بالتقرير من وقائع". 

كانت اللجنة قد تشكلت في ديسمبر السابق بقرار رئيس الجمهورية (رقم 698 لسنة 2013) برئاسة فؤاد رياض وعضوية خمسة آخرين هم اسكندر غطاس واثنان من أساتذة القانون وممثلين عن كل من المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة. ونص القرار على تعيين عمر مروان - وكان وقتها مساعدًا لوزير العدل- كأمين عام للجنة، والذي قام بدوره باختيار 17 قاضيًا للعمل كأمانة فنية للجنة، فضًلا عن الإداريين المنتدبين أيضًا من "الجهات والهيئات القضائية". وقال عمر مروان لاحقًا أن الدولة خصصت لعمل اللجنة اعتمادات مالية بلغت 732 ألف جنيه.

انتهى عمل اللجنة -التي كان مقرها بمجلس النواب - بتسليم تقريرها النهائي للرئيس السيسي؛ فالقرار الجمهوري بتشكيلها اقتصر على تكليفها بجمع المعلومات والأدلة عبر "عقد اللقاءات والمقابلات…وإجراء المناقشات…وتحليل الأحداث…وبيان الوقائع" وهكذا. وبالرغم من ذلك فقد كان الجميع في انتظار صدور التقرير، بوصفه التوثيق الرسمي الوحيد - حتى اليوم- بشأن الأحداث الدامية لصيف 2013، وعلى رأسها عملية فض اعتصام أنصار مرسي في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس من ذلك العام، وبحسب الأرقام الرسمية النهائية فقد أسفرت عملية فض اعتصام رابعة وحدها وفي يوم واحد عن مقتل ثلاثة ضباط وأربعة مجندين من قوات الشرطة وما لا يقل عن 618 مدنيًا، وهو رقم تقر السلطات بأنه يقتصر فقط على الجثث التي وردت إلى مصلحة الطب الشرعي ولا يشمل الضحايا المدنيين الذين استخرج أقاربهم تصاريح بالدفن ونقلوهم بمعرفتهم من مقر الاعتصام.

بعد ثلاثة أيام من اجتماعها بالسيسي عقدت اللجنة مؤتمرها الصحفي الأخير لإعلان التقرير، والذي قال رئيس اللجنة إنه جاء في 766 صفحة، فضلاً عن 11 ألف صفحة من الملاحق والمرفقات والوثائق، بخلاف الأسطوانات المحتوية على أدلة وصور وفيديوهات. لكن اللجنة لم تنشر يومها سوى ملخص تنفيذي من 57 صفحة، من بينها سبع صفحات فقط حول فض رابعة، وقام بإعداده وعرضه في المؤتمر عمر مروان بصفته الأمين العام. 

قدم ذلك الملخص التنفيذي تقريبًا نفس الرواية الرسمية التي رددتها السلطات الرسمية في أعقاب الفض، وهي ذات الرواية التي اعتمدتها النيابة العامة لاحقًا كأساس لاستجواب ومقاضاة 739 شخصًا- جميعهم من المعتصمين- في محاكمة جنائية بتهم التجمهر والقتل والعنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة.

تتلخص تلك الرواية الرسمية في عدة عناصر أساسية: أن اعتصام رابعة كان "بؤرة مسلحة"، وأن قوات فض الاعتصام أنذرت المعتصمين عبر مكبرات الصوت وحاصرتهم ومنحتهم مهلة للمغادرة الطوعية عبر ممر آمن خصصته لذلك الغرض، وأن المعتصمين قاوموا قوات الفض التي لم تستعمل سوى سيارات الطنين وخراطيم المياه وبواعث الغاز المسيل للدموع، ثم بادر المعتصمون بإطلاق الأعيرة النارية على القوات التي سقط منها قتلى وجرحى فاضطرت القوات للرد بالذخيرة الحية "بالقدر الضروري والمتناسب" قبل أن تحكم السيطرة على الميدان، ثم سمحت بخروج أغلب المعتصمين بعد أن ألقت القبض على المتورطين منهم في العنف، وعثرت في مكان الاعتصام على 51 سلاحًا ناريًا وكمية من الذخائر.

لم ينشر التقرير النهائي حتى اليوم. وتوفي رئيس اللجنة فؤاد رياض في يناير 2020 عن عمر ناهز 92 عامًا، وكان آخر ما كتبه قبل شهر من وفاته على صفحته بموقع فيسبوك تضمن شكوى من أن تقرير اللجنة "لا زال طي الكتمان".

خمس حقائق بعد عشر سنوات

بعد مرور 10 سنوات ، كشفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن المحتويات والنتائج الكاملة لتحقيق اللجنة القومية بشأن فض رابعة. وتقدم محتويات التقريرالاستخلاصات والأدلة التي جمعها قضاة مصريون وقدمتها لجنة قومية مشكلة بقرار جمهوري إلى الرئيس السيسي الذي أحالها رسميًا لمجلس الوزراء والجهات القضائية. ويتخذ التقرير أهميته ليس فقط من كونه التحقيق الرسمي الوحيد في فض الاعتصام حتى الآن، وإنما أيضًا في استناده لوثائق رسمية لم تنشر أو يكشف عنها من قبل، من بينها خطة الفض التي أقرتها غرفة عمليات مشتركة من وزارتي الداخلية والدفاع، والتي قدمت الداخلية نسخة منها إلى اللجنة، وتقرير الوزارة عن عملية الفض بعد انتهائها، والذي استند إلى محضر تحريات قطاع الأمن الوطني. كما يتضمن التقرير إفادات رسمية لمسؤولين التقتهم اللجنة، من بينهم قائد عملية فض الاعتصام مدير العمليات الخاصة بالأمن المركزي وقتها، ورئيس مجلس الوزراء وأحد نوابه، فضلاً عن إفادات مصلحة الطب الشرعي بوزارة العدل وهيئة الإسعاف بوزارة الصحة وعدد من الضباط الذين شاركوا في عملية الفض.

وكشف التقرير عن خمس حقائق أساسية:

أولًا- استخدام الذخيرة الحية تم بشكل غير متناسب

كان المسؤولون عن قرار إنهاء الاعتصام وتنفيذ عملية الفض- وعلى مستويات عدة- على علم مسبق بأعداد القتلى المتوقعة بين المعتصمين في حالة فض الاعتصام في يوم واحد؛ بل إن المسؤولين عن وضع خطة الفض ناقشوا عدة سيناريوهات متوقعة لعملية فض الاعتصام، كانت من بينها احتمالات استخدام عناصر مسلحة للذخيرة الحية، أو استعمال النساء والأطفال وباقي المعتصمين السلميين "كدروع بشرية"، أو إرغام المعتصمين على عدم المغادرة، أو وصول  "مسيرات غير سلمية" لمؤازرة المعتصمين أثناء الفض، وهي جميعًا من بين السيناريوهات التي تقول الرواية الرسمية أن القوات فوجئت بها فاضطرت للرد عليها دون تخطيط مما تسبب في سقوط القتلى من المعتصمين.

فقد تضمنت خطة الفض التي قدمتها وزارة الداخلية للجنة، والتي لم تنشر من قبل، 10 سيناريوهات متوقعة أو جائزة الحدوث، تحت عنوان "المخاطر والعدائيات التي يمكن تنفيذها بمعرفة الإخوان ضد القوات والمواطنين:

الحواجز والحوائط الأسمنتية والكتل الخرسانية وأجولة الرمال…وإزالتها باللوادر المدرعة.

وضع العوائق في مركبات الشرطة لتعطيلها، وإزالتها باستخدام معدات كسح الأرض.

إشعال النيران في إطارات السيارات والأخشاب لمنع تقدم القوات، واستخدام سيارات الإطفاء لإخماد النيران.

توقع تحريض قيادات الإخوان والعناصر المسلحة للمتجمعين لإرغامهم وعدم السماح لهم بالخروج والاستمرار في التواجد بمنطقة التجمع.

محاولة تفجير اسطوانات الغاز أو قنابل الصوت لإثارة المتجمعين وتحريضهم ضد قوات الفض.

محاولة تفجير بعض العبوات الناسفة عند الحواجز حول منطقة التجمع لإبعاد القوات وفك الحصار.

استخدام النساء والأطفال كدروع بشرية مع إطلاق النيران من خلف السواتر علي القوات، وتكون الأولوية لسلامة الأطفال والنساء واستخدام الغاز المسيل للدموع فقط وبالقدر اللازم.

احتمال قدوم مسيرات غير سلمية من بعض المحاور خلف القوات لمناصرة المتجمعين والاعتداء على قوات الشرطة لتشتيت جهودهم، ويستخدم لمواجهتها قنابل الغاز المسيل للدموع.

محاولة المتجمعين المسلحين إطلاق النيران على المتجمعين السلميين لقتل عدد منهم والادعاء على قوات الشرطة بقتلهم

السعي إلى تهريب المحرضين وقيادات الجماعة وترك عناصر إجرامية للقيام بأعمال النهب والسرقة للمساكن والمنشآت بالمنطقة."

وعلى الرغم من تناول خطة الفض لهذه التوقعات ودراستها والاستعداد لها قبل العملية، فإن تقرير اللجنة انتهى إلى نتيجة واضحة، وهي أن إطلاق قوات الفض للنار باستخدام الذخيرة الحية كان عشوائياً وغير متناسب، وذلك على الأقل في الساعات الخمسة بدءاً من الواحدة ظهرًا، حين أصدر القائد الميداني قرار استدعاء المجموعات القتالية الاحتياطية المسلحة وفقًا لخطة الفض، وحتى السادسة مساء، حين تمكنت القوات من الدخول لقلب الاعتصام وفرض السيطرة والبدء في إخلاء المعتصمين، وهي الفترة التي شهدت وقوع أغلب القتلى والإصابات، حسبما تشير الإفادات التي وثقتها اللجنة القومية خاصة من المسعفين والأطباء بمستشفى رابعة العدوية ومستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر.

في تحليله النهائي طرح تقرير اللجنة سؤال التناسب:

"هل حافظت قوة الفض على التناسب في إطلاق النار من حيث نوعية السلاح وكثافة النيران ونتائج فض التجمع من قتلى وجرحى وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة؟"

وقال التقرير: "في تقدير لجنة تقصي الحقائق أن الحكم على ما إذا كانت قوات الأمن قد أفرطت في استخدام القوة مما أفضى إلى هذا العدد الكبير من الضحايا في صفوف المتجمعين يتوقف على عدد من المعايير الفنية الواجب بحثها"، كعدد الضحايا وعدد المسلحين وعدد قوات الفض ونوع أسلحتها ومدى تكدس الأفراد وتوقيت ومدة الإنذار.

ويخلص إلى أن "أن هيئات إنفاذ القانون، وإن توافر لها السبب المشروع لفض التجمع، وحالة الضرورة في استخدام الأسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعي بين الأسلحة المستخدمة، إلا أنها أخفقت في تقدير أعداد الضحايا عند الرد على مصادر النيران الآتية من قبل العناصر المسلحة".

وأضاف أن اختباء عناصر مسلحة وسط المعتصمين والدخان الكثيف الناجم عن الحرائق والغاز "حجب الرؤية أمام قوات الأمن مما حال من دقة التصويب، إذ كان يتعين وضع الآليات والعلاج اللازم لذلك الأمر سيما وأنه قد ورد ضمن توقع وزارة الداخلية للمخاطر التي يمكن تنفيذها من جانب جماعة الإخوان لحماية المتجمعين السلميين".

وقال التقرير: "صحيح أن المسلحين من المتجمعين قد تعمدوا التنقل وإطلاق النيران من وسط المتجمعين…إلا أن ذلك كان يجب التحسب له مقدمًا من هيئات إنفاذ القانون قبل بدء الفض، وفقاً للخطة الموضوعة سلفًا".

"وساد إطلاق النار العشوائي بكثافة تحديدًا بعد سقوط أحد الضباط قتيلاً برصاصة في الرأس من ناحية المتجمعين، وهي اللحظة التي أشار لها التقرير بتعبير "انفرط عقد النظام". ليخلص في موضع آخر إلى أن قوات الشرطة "أخفقت في التركيز على مراكز إطلاق النار". "ولا تشك لجنة تقصي الحقائق في أنه كان من الممكن إنهاء تجمع رابعة دون أن تسال كل هذه الدماء".

ثانيًا- استبعاد بدائل الفض بخسائر بشرية أقل

وثق التقرير للمرة الأولى بشكل رسمي أن المسؤولين عن وضع خطة الفض ناقشوا قبل العملية بدائل أخرى لفض الاعتصام دون اللجوء لاستخدام القوة، كان من شأنها تقليل عدد المعتصمين ومنع سقوط هذا العدد الهائل من القتلى، فقد حصلت اللجنة القومية المستقلة على إفادة رسمية من قائد عملية فض رابعة وهو اللواء مدحت المنشاوي، مدير الإدارة العامة للعمليات الخاصة بقطاع الأمن المركزي بوزارة الداخلية في ذلك الوقت، والذي أكد في إفادته أنه قاد العملية على رأس تشكيلات من الأمن المركزي مدعومة بقوات أمن من مديرتي القاهرة وحلوان، وبتأمين ومساعدة من وحدات القوات المسلحة. وتضمنت إفادة القائد الميداني إلى اللجنة ما يلي نصًا:

"هذا وقد قرر بمناقشة وزارة الداخلية لعدة بدائل لفض تجمع رابعة العدوية بخلاف استخدام القوات في الفض، ومن تلك البدائل:

(١) قطع المياه والكهرباء وفتح الصرف الصحي على منطقة التجمع لإجبار المتجمعين على إخلاء وفض التجمع وهو ما تم التراجع عنه لما له من أثر على المواطنين المقيمين بالمنطقة وزيادة معاناتهم والمتمثلة في وجود التجمع ذاته.

(2) وتم مناقشة بديل آخر تمثل في محاصرة التجمع من الخارج ومنع وصول المؤن الغذائية وكذا منع دخول أفراد جدد إلى منطقة التجمع والسماح بالخروج منه فقط إلا لقاطني المنطقة إلا أن ذلك البديل قد تم استبعاده لما له من أثر على سكان المنطقة في منع وصول ذويهم والمواد الغذائية إليهم.."

وظل الاعتصام متروكًّا تمامًّا بدون أي محاولة للتدخل أو للتنظيم من الأمن أو من الدولة لمدة 47 يومًا. وأن خطة محاصرة الاعتصام، أو على الأقل محاولة إغلاق أغلب المداخل والمخارج بحيث لا يسمح لأعداد المعتصمين أن تتضخم إلى الحد الذي يجعل من محاولة فضه أو إنهائه أمرًا بهذه الصعوبة ، وقد وجه التقرير اللوم إلى "الإدارة المصرية" بسبب: "ترك بؤرة التجمع تتسع وتتحصن، وكان فضها في المهد أقل كلفة من فضها بعد 47 يومًا، وإن كان قد حال دون ذلك المحاولات المتكررة الساعية للفض والإخلاء السلمي وتدخل الوساطات الخارجية، ولكن كان يجب مع ذلك الحرص على عدم زيادة الأعداد ومساحة التجمع."

وقالت اللجنة : إن "الإدارة المصرية فقد جانبها الصواب هي الأخرى في سياستها في فض التجمع وذلك للأسباب الآتية:

…ارتباك الحكومة بين فض التجمع بأي ثمن في وقت قصير أو فضه بثمن أقل ومدة أطول. لقد انحازت الحكومة إلى الخيار الأول، بسبب تجاوز قادة التجمع حدود المعقول واللائق. ولقد كان بمقدور الحكومة عدة بدائل منها تجفيف مصادر العنصر البشري في التجمع، وتقليل خدمات الإنارة والمياه، بهدف تقليل الأعداد إلى مجموع يمكن لقوات الأمن التعامل معه بكفاءة أعلى، وشن حملة واسعة على نطاق الإقليم المصري بأن الحكومة عازمة على فض التجمع ولو بالقوة حتى يشترك الشعب معها في إرجاع أبنائه، ماديًا أو معنويًا عن المشاركة في هذا التجمع غير السلمي."

كما أكد تقرير اللجنة أن انحياز المسؤولين عن القرار إلي خيار استعمال القوة في فض الاعتصام لم يكن مبنيًا على ظن منهم بأن في الإمكان تنفيذ الفض دون خسائر بشرية. فقد حصلت اللجنة القومية كذلك على إفادة من رئيس الوزراء حازم الببلاوي، ذكر فيها نصًا "أن عدد القتلى كان أقل مما هو متوقع"، وهو تصريح قدمه للمرة الأولى في إفادة رسمية تثبت العلم المسبق للسلطات بحجم الخسائر المتوقع في حال اللجوء للقوة.

ثالثًا- المسلحون هربوا وغالبية القتلى من المعتصمين السلميين

أكد تقرير اللجنة القومية المستقلة لتقصي الحقائق أن "العدد الأكبر من ضحايا رابعة من المدنيين الأبرياء الذين كانوا على الأرجح من المتظاهرين السلميين، أما من حملوا السلاح وروعوا المواطنين فقد تمكنوا من الهروب من ميدان رابعة".

بدأت اللجنة القومية عملها باستدعاء الهيئة العامة للمساحة وطلبت منها تقدير حجم الاعتصام وفق نطاقه المكاني. وبالاستعانة بالخرائط المساحية قدرت الهيئة القدرة الاستيعابية لمنطقة التجمع بنحو 182,100 فرد كحد أقصى لا يأخذ في حسبانه وجود الإشغالات كالخيام والممرات والسيارات

 وأكد تقرير اللجنة القومية أن عدد الأسلحة النارية المضبوطة أثناء وفي أعقاب الفض لم يتجاوز 51 قطعة سلاح من بينها 32 سلاح خرطوش. وانتهى تقرير مصلحة الطب الشرعي إلى أن الإصابات بالخرطوش في الجثث التي تم تشريحها لم تتعد 2% فيما بلغت نسبة الإصابات بالأعيرة النارية 90%. وأضاف التقرير أن الغالبية الساحقة من الإصابات بالأعيرة النارية كانت من عيار 7.62*39 مم. وطبقًاللوثائق الرسمية، لم تعثر قوات الفض ومصلحة الأدلة الجنائية ومن بعدها معاينة النيابة العامة لمكان الاعتصام سوى على تسع بندقيات آلية فقط من ذلك العيار. أما قوات الأمن المركزي، سواء وحدات مكافحة الشغب أو الوحدات القتالية فإن قوام تسليحها الأساسي هو البندقية الآلية عيار 7.62*39 مم.

رابعًا- "الممر الآمن" لم يكن محميا من قوات إنفاذ القانون

يظهر التقرير الرسمي أن عملية تخصيص وتأمين ممر آمن لخروج المعتصمين الراغبين في المغادرة الطوعية قد فشلت سواء على مستوى التخطيط أو على مستوى التطبيق العملي، رغم دراسة القائمين على الخطة للسيناريوهات المتوقعة، وأن الممر لم يكن مفتوحًا ولا آمنًا لخروج المعتصمين على مدار أغلب اليوم، على الأقل من الساعة 7:45 صباحاً وحتى الثالثة مساء، وهو ما يشمل الساعات التي شهدت سقوط الغالبية الساحقة من مئات المعتصمين القتلى.

فيقول:"طوقت قوات الشرطة مكان التجمع في السادسة صباحًا تقريبًا، وأعلنت عن ضرورة الإخلاء والخروج من الممر الآمن في طريق النصر باتجاه المنصة والممرات الفرعية الأخرى، والتأكيد على عدم ملاحقة الخارجين من هذه الممرات".

"وعجزت هيئات إنفاذ القانون عن حماية ممرات الخروج الآمن من تعمد مسلحي المتجمعين العمل على إغلاقه ومثل هذا السلوك من جانبهم كان يتعين توقعه من جانب هيئة إنفاذ القانون والعمل على وضع الخطة المضادة له مسبقًا وليس وقت الفض حتى وإن كانت هناك ممرات أخرى قد لا يعرفها البعض، لأن إقفال هذه الممرات تحت أي ظرف معناه الموت للمتظاهر السلمي الذي كان يعتقد بحسن نية أنه يقوم بعمل مشروع وهو التظاهر السلمي".

وأورد تقرير اللجنة: أن "التركيز على ممر واحد بصفة أساسية، وممرات فرعية لم يتم الإعلان عنها بمدة كافية أربك حسابات قوات الأمن والمتظاهرين، ولقد كان من الأولى وضع لوحات إرشادية ونشرها عن الممرات الآمنة الرئيسية والفرعية."

كما أن "صعوبة تقديم الإسعافات اللازمة للجرحى، بسبب عدم تمكن سيارات الإسعاف من الدخول إلى الميدان إلا بعد انتهاء عملية الفض والإخلاء في الساعة السادسة مساء يوم 14 أغسطس، وقد كان يتعين على هيئات إنفاذ القانون وضح خطة بديلة حال حدوث مثل هذه الظروف الطارئة…"

كانت خطة الفض التي قدمتها وزارة الداخلية للجنة تتضمن "تأمين الممر الآمن لخروج المعتصمين عبر أكبر وأوسع الشوارع بالنطاق الجغرافي للتجمع وذلك بمعرفة قوات فض الشغب بالاشتراك مع أجهزة البحث الجنائي بمديرية القاهرة مع تسهيل ومساعدة خروج المتجمعين دون تعقب أمني". ورغم أن عددًا من المعتصمين قد تمكن بالفعل من المغادرة في الصباح، وأن الآلاف منهم قد تمكنوا من الخروج بعد الخامسة مساءً، فإن الإفادات الموثقة في تقرير اللجنة القومية ذاته تظهر تعرض مواطنين وصحفيين للقبض عليهم أثناء أو عقب استخدامهم للمخرج الآمن الرسمي، فضلًا عن تعرض بعضهم للضرب والاحتجاز من قبل سكان المنطقة ثم تسليمهم لسيارات الترحيلات. بل إن محضر تحريات قطاع الأمن الوطني نفسه الذي جرى تحريره بعد الفض وجاء فيه نصًا: "أضافت المعلومات والتحريات بأنه قد أمكن تحديد بعض المتجمهرين الذين امتثلوا لتعليمات ونداءات القوات بمغادرة مكان التجمهر إلا أنهم لم يتمكنوا من المغادرة والخروج من الممر الآمن نظرًا لكثرة الأعداد وتدافع المتجمهرين".

خامسًا- الحاجة للجنة تحقيق قضائية

وأوصى تقرير اللجنة بأنه "يجب إعادة فتح هذا الملف بواسطة لجنة مشكلة من قضاة تحقيق تأمر باستدعاء الشهود ممن عاصروا هذه الأحداث ومن المسؤولين، حتى يقف الجمهور على الحقيقة، وحفاظًا على وحدة الوطن، وعدم تحول هذا الانقسام السياسي إلى انقسام مجتمعي ينذر بالخطر على وحدة الدولة.






اعلان