18 - 07 - 2024

المعجزات والفكر الدينى

المعجزات والفكر الدينى

ماهى حكاية الفكر الدينى التى نتحدث عنه كثيرا؟ هو الفكر الحاكم والمسيطر على كل المتدينين وفى كل الأديان بكل مسمياتها، سواء كان هذا الفكر يتوافق مع المقاصد العليا لهذه الأديان بقيمها وأخلاقياتها ومبادئها، أو كان هذا الفكر يفسر ويجتهد ويؤول النص الدينى حرفيا لا مجازيا. ناهيك عن تأثر هذا الفكر بالموروث التدينى المرتبط بعادات وتقاليد مجتمعية وقبلية وتراثية لاعلاقة لها بالمقدس أو بصحيح مقصود النص روحيا. 

وما بالك لو أضفنا على ذلك من يحافظون على فكر دينى خاطيء أقرب للخرافة متأثرا بالأساطير، حفاظا على مكانة المؤسسة الدينية وعلى مكانتهم الشخصية استغلالا للعاطفة الدينية المصرية التى تضع رجال الدين فى وضع مقدس لاعلاقة له بقداسة الدين والمعتقد. ويتضح هذا فى المعجزات!. 

بداية فالمعجزة تعنى حدوث شيء يتجاوز الواقع والمعهود والمعروف، ولكن لايعنى هذا تكرار هذا الحدث المعجزي، حيث أن تكرار المعجزة يحولها إلى الطبيعى والعادى. فلو نظرنا للإنسان خلقا وحياة ومماتا، لو تأملنا فى عمل الأجهزة العقلية والعصبية طوال الوقت بهذا الانضباط نجد أن هذا وغيره كثير هو معجزة المعجزات. ولكن لأن هذا يتكرر بشكل طبيعى لاننظر له على أنه معجزة. ولذلك الحديث والادعاء بتكرار مايسمى بالمعجزات طوال الوقت ينفى المعجزة ولا يثبتها. 

فماذا يحدث فى هذا الإطار؟ هناك معجزات قد جاءت نصا فى الانجيل مثل إقامة اليعازر وشفاء الاعمى ...الخ . هنا لم تكن هذه المعجزات بهدف الاستعراض والتمايز بقدر ما كانت تهدف إلى ناحية تعليمية مقصودة من كل معجزة على حدة، كما أن المسيحى لم يؤمن بالمسيحية لأن السيد المسيح قد صنع تلك المعجزات، وإلا لايكون للعقيدة والديانة المسيحية وجودا وتواجدا.

ولكن ارتبط المسيحى بالمعجزات الكتابية، وهذا مطلوب فى إطار فهم المعجزة فى إطارها الزمانى والمكانى والمناسبة التى كانت من أجلها المعجزة. ولكن وفى ظل الاضطهاد التاريخى الذى عانى منه أقباط مصر من الاحتلال المتعدد وهجرت الأقباط إلى الصحراء هروبا من هذه الاضطهادات. كان من الطبيعى الاعتماد على ما يقوى ويعضد النفوس على تحمل تلك الممارسات، فكانت تلك المعجزات المختلقة والمتصوره حالة من التقوية والتمايز على الآخر الذى يقوم بالأضطهاد. 

ولذا فاستمرار التعامل مع المعجزات وعلى هذه الأرضية قد أصبحت (خطأ) جزءا من العقيدة، خاصة أن الكنيسة فى كثير من العصور كانت تمارس ذلك السلوك بهدف التقوية والتمايز والتمسك بأبناء الكنيسة، وفى إطار هذا الاستغلال العاطفى حتى لو كان لا يتوافق مع صحيح العقيدة أو مع المفهوم الصحيح والروحي للمعجزة، وجدنا عند الإحساس بممارسات طائفية ضد  الأقباط يقومون باختلاق معجزات بهدف التمايز على الآخر . يقابل ذلك مزيد من السلوك الطائفى من الآخر الدينى غير الأرثوذكسى وغير المسيحى لأن كليهما لايؤمن بالمعجزات على هذه الأرضية.

مع العلم أن هذا يتم استغلالا مايسمى (حسب ايمانك يكون لك) وهذا بالطبع لاعلاقة له بصحيح الإيمان الواجب على المؤسسة الدينية القيام به، وإلا نجد كل من يؤمن بشئ يكون هو المسيحية وإلا ماذا سيكون دور تلك المؤسسة؟

الأخطر أن المؤسسة ذاتها هى التى تنشر الجهل والخرافة باسم المعجزة، فهل يعقل أن تقول إن الرمل الذى يأتون به حول قبر أحد القسس يشفى المرضى (يأتون بالرمل من الصحراء عندما يقل) الأروع أن اسقف هذه المعجزة عند مرضه ذهب إلى لندن للعلاج!!

هذا فى الوقت الذى حددت فيه قوانين الكنيسة أنه لا يجب الاعلان عن أى معجزة فى أي مكان ومن جانب أي من كان قبل دراسة هذه المعجزة من مجمع الأساقفة بعد دراستها على كل المستويات. أخيرا نقول إن تلك الممارسات قد انتهى زمانها الذى كانت تسيطر عليه الأسطورة والخرافة. والآن اكتشفت الإنسانية كلها بجميع معتقداتها أن عقل الانسان الذى ميز به الله هذا الإنسان هو المعجزة وهو صانع المعجزات، فاين مايسمى بمعجزة الرمل! بالثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي أو بالتقدم فى المجال الطبى الذى تجاوز كل طبيعى سابق وكل معقول موروث؟

 انفضوا الخرافة عن الإيمان الصحيح . أسقطوا الفكر الدينى الخاطئ والمتخلف حتى نستطيع أن نساير التقدم والتطور الذى يفيد الإنسان معجزة الله فى هذا الكون. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم.
-----------------------------
بقلم : جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٦)