23 - 07 - 2024

أسباب غير دينية لاختفاء الفتيات القبطيات ومطالبات بضوابط في إشهار إسلامهن

أسباب غير دينية لاختفاء الفتيات القبطيات ومطالبات بضوابط في إشهار إسلامهن

- لايوجد شيء اسمه اختطاف والحساسية من اعتبار تغيير الدين عارا اجتماعيا 
- مطالبات بإلغاء خانة الديانة من البطاقة وعودة جلسات النصح والإرشاد
جمال أسعد: التحول الديني حق للجميع والنظرة للدين كتراث اجتماعي موروث وليس من باب الإيمان
إبراهيم رضا:  يجب أن نقبل التعددية ونؤمن بالتنوع ونعترف بحق الاختلاف و بالآخر كما هو وليس كما أريده انا
نجيب جبرائيل: علاقات عاطفية ومشاكل زوجية تنتهي بتغيير الدين ولا إجبار على العودة ولا بد من ضوابط في اشهار الإسلام

سادت حالة قلق وتوتر واستياء في البيوت القبطية خلال الفترة الماضية بعد اختفاء فتيات وإعلان إسلامهن وعودتهن في ظروف غامضة، ويعتقد البعض أن وراء اختفائهن وتغيير دينهن علاقات عاطفية ومشاكل زوجية، بينما ادعى آخرون أنهم تعرضوا للاختطاف.

نفتح ملف الفتيات والنساء المختفيات وسبب اختفائهن وعودتهن من جديد، وهو من أصعب الملفات، حيث يعجز الجميع عن إيجاد حلول له.

يقول جمال أسعد، المفكر السياسي والنائب السابق في مجلس الشعب إن التحول الديني حق دستوري وقانوني وديني لأي شخص، وحرية المعتقد هي حرية مطلقة، فالدين علاقة بين الإنسان والله، ولا يحق لأحد أن يتدخل في هذه العلاقة، يقول الكتاب المقدس "أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ"، وفي القرآن الكريم:"فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، تؤكد هذه الآيات أن الأديان ترحب بحرية المعتقد دون إكراه أو ترهيب، ومن الممكن أن يكون هناك تنظيمات وراء ذلك أحيانا من المسيحيين والمسلمين، فهي قضية تآمر على الدين وليس لصالح الدين.

اختطاف الفتيات

وأوضح أسعد أن هناك ادعاء باختطاف فتيات يغيرن دينهن وهذا غير صحيح، وسببه أن التحول الديني في مصر يعتبر عارًا اجتماعيًا، لأن الدين تحول إلى وراثة وأصبح تديناً اجتماعياً شكلياً موروثاً من عائلاتنا،  لقد أصبح الجميع يحافظ على الدين كتراث اجتماعي وليس من باب الإيمان بالدين بل من باب الحفاظ على الشكل الاجتماعي، نحن مجتمع طائفي وهناك صراعات طائفية بين المسلمين والمسيحيين. ليس هناك شك في ذلك، ويخلق المناخ الطائفي صراعا بين المتاجرين بالدين من الجانبين في مواجهة بعضهما البعض، حيث يحاول الجميع إثبات أنهم يدافعون عن الدين رغم أنه لا علاقة لهم بالعقيدة الإسلامية والمسيحية الصحيحة.

وأضاف: يجب معالجة قضية الفتيات اللاتي يعلنن إسلامهن ثم يعدن قانونياً، لانه من حق كل إنسان أن يغير دينه ما دام مقتنعا بذلك دون إغراءات، ويجب ألا يتدخل الأزهر والكنيسة في هذا الأمر، إن الإسلام أو المسيحية إرادة شخصية، ويجب أن ينظم القانون ذلك بالطرق المشروعة.

وتابع أسعد: يجب أن يبلغ المتحول سن الرشد، ويجب أن يكون هناك إجراء قانوني يضمن أن هذا الشخص يريد تغيير دينه على أساس الإيمان الصحيح وبعيداً عن أي ضغوط، وينظم القانون جلسات الإرشاد والمشورة مرة أخرى، ويكون ذلك في إطار الشكل المدني، ومن أراد أن يغير دينه فله الحرية الكاملة، فمن حق الإنسان أن يغير دينه، لماذا الإكراه؟

ويضيف جمال أسعد: أنا مع عدم  وجودخانة الديانة في أي وثيقة رسمية، لكن على أرض الواقع كل شخص معروف بدينه، في المجتمع الشعارات الدينية موجودة في كل مكان، ويجب معالجة المشاكل المجتمعية حتى نقضي على المناخ الطائفي، فالمواطن هو الذي يؤمن بالدين، أما الدولة فليس لها دين وهي لجميع المواطنين على اختلاف طرق عقيدتهم.

واختتم حديثه قائلا: المناخ الطائفي موجود منذ مئات السنين، والمسيحيون حتى عام 1856 كانوا درجة عاشرة يدفعون الجزية ولم يكن لهم الحق في الالتحاق بالقوات المسلحة، وعندما جاء الخديوي سعيد قام بعمل «الخط الهمايونى»، وهي الوثيقة الأولى التي تعطي الحق لغير المسلمين، فهذا التاريخ الطائفي متوارث منذ دخول الإسلام إلى مصر، وآخر هذه الأوضاع الطائفية كان وجود التيارات الإسلامية ولكن بعد 30 يونيو تغيرت الأمور وأصبحت هناك حالة من حق ممارسة العقيدة وهناك قانون بناء الكنائس مفعل، وزيارة الرئيس السيسي للكنيسة كل احتفال بعيد الميلاد أعطت أبعادا أخرى. وفي السياق العام هناك خطوات للقضاء على المناخ الطائفي.

خطاب ديني رجعي

يعلق الشيخ إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر الشريف، قائلا: منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا، وقعت الأمة المصرية أسيرة خطاب ديني رجعي لا يؤمن بالتعددية أو حق الاختلاف، لا يقبل الآخر، حتى لو ادعينا العكس، فمن الممكن أن نتعامل مع بعضنا البعض بشكل لائق في المناسبات، ولكن بمجرد أن يخرج الفرد ويقرر تغيير دينه، يختلف الوضع،  فمن المفترض أن يتعامل مع الدولة وليس مع الأفراد،  لكن ما يحدث هو أنه يتعامل مع جماعات دينية، ونحن الآن أمام أزمة حقيقية، وهي كيفية تخليص العقل العربي من هذه القيود المفروضة، التي (ما أنزل الله بها من سلطان)، وعندما نعود إلى النصوص نجد أن الآية واضحة (لا إكراه في الدين)، (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)، وكانت آخر آية في السورة التي بدأت بمخاطبة ربنا سبحانه وتعالى الكافرين (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ), وفي نهاية هذه السورة أقر الله للآخر بحقه في الاحترام والتقدير، حتى لو لم يكن له إيمان.

ويضيف الشيخ إبراهيم رضا: التطبيق العلمي في دولة المدينة التي كان قائدها نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، كانت تقوم على التعددية واستوعبت "المسلم والمسيحي واليهودي والمشرك "، لقد لجأ إلى دولة القانون وعقد بعض المعاهدات بينه وبين أهل الكتاب، ومن الخطأ الشائع الذي يتداوله البعض القول بأن الخلاف بين النبي واليهود كان على الإيمان، وهذا كذب، لقد كان نزاعاً سياسياً، وتم الاتفاق على أن النبي ومن معه يحترمونه، ولكن الطرف الآخر، اليهود، لم يحترموه وتحالفوا مع المشركين من أعداء النبي، ويخبرنا دستور المدينة بما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات، وإذا تحول شخص ما إلى دين آخر، فمن الضروري أن نسمح للمختلف بهذا الحق، فـنحن الآن أمام أزمة يقودها الشارع،  وللأسف فإن الصوت المتطرف أقوى من الصوت العقلاني، في العالم العربي ما زال الأمر يعتمد على المبادرات الفردية فقط، لا يوجد صوت جماعي، لذا يجب أن نقبل التعددية ونؤمن بالتنوع، ونعترف بحق الاختلاف، ونعترف أيضاً بالآخر كما هو، وليس كما أريد، لذلك أشاهد بعض البرامج مبنية على السؤال: هل المسيحيون يذهبون إلى الجنة؟ ومن أعطى هؤلاء الحق في أن يدخلوا الجنة بأنفسهم ويخرجوا غيرهم أو العكس؟

ويقول رضا: ما زلنا مأسورين بالفكر المنغلق والمتعصب الذي يكره الآخر أحيانا ولا يعترف به ويرى وجوده وكثرته يهدد وجود صاحب هذا الفكر ولا أفهم سبب ذلك، ومن جمال الدين أنه لم يعهد بحفظ الدين إلى علماء ولا إلى رجال دين، بل الذي تعهد بالدين هو الله عز وجل، والعبد المختلف هو عبد الله، ولو كان على دين غير الذي تؤمن به، وفي لحظات الخطر، عندما أراد النبي أن يعهد إلى شخص ما في رحلته ويجعله دليلا على الطريق، وقع الاختيار على رجل ليس من المسلمين، وهو "عبد الله بن أريقط"، وهذا أكبر دليل، أن النبي كان يؤمن بالمنهج العلمي والإيمان بالعلم والدولة الحديثة التي تقوم على التعددية والتنوع، وأكبر مثال على ذلك الولايات المتحدة، التي قامت بثورة صناعية عظيمة لأنها آمنت بالتنوع والتعددية.

وأوضح رضا: انه ينتج عن التعايش علاقات عاطفية وإنسانية، فلماذا نستنكر قوانين الطبيعة؟ أرى أن هناك علاجات أفضل من ذلك، و لكن هناك حالة من التربص، ووسائل التواصل الاجتماعي تساهم في ذلك، فهي الآن تشكل ضمير الشعوب والأمم، ومن هذه التجارب تجربة زكريا بطرس التي لم تخدم المسيحية بل أساءت لها ولاي رجل الدين يوافق على ذلك، ولذلك فإن لكل فعل رد فعل، وخرج اشخاص من الجانب الآخر يظنون أنهم (حماة الحمى).

وتابع: أرى أنه لا يوجد شيء اسمه اختطاف الفتيات، لأنه إذا حدث اختطاف فهذا يعني أنه لا توجد دولة، وللأسف المجتمع لا يتقبل فكرة تغيير الدين سواء من الشباب أو الكبار، المبدأ هو أن كل إنسان ينشأ في تربية صحيحة دينياً وعاطفياً، المشكلة تنشأ من داخل المنازل والبيئات الفقيرة، يخرج الأبناء عن النظام العام ويتزوجون بمباركة الوالدين،  وتصبح الطفلة أماً ومطلوب منها أن تكون حاملة رسالة وتربي، نحن أمام حالة تراجع عن شبكة التلاحم الاجتماعي المبني على العقلانية والرشد والوعي.

الظاهرة موجودة وتهدد الوحدة!

نجيب جبريل، رئيس منظمة الإتحاد المصري لحقوق الإنسان له وجهة نظر مختلفة، فهو يرى أن ظاهرة اختفاء الفتيات المسيحيات بدأت تتزايد، ونجد هناك شهادات اعتناق الإسلام صادرة من الأزهر الشريف، وهذه الظاهرة تستدعي الوقوف والنظر في هذه القضية لأنها قضية تثير الفتن الطائفية وتهدد الوحدة الوطنية، ومن المؤكد أن حرية المعتقد مكفولة للجميع، بغض النظر عن الجنس، وفقا للمواثيق الدولية والإعلانات الدستورية، ولذلك لا نعلق على من يختار الدين بشرط أن تكون هناك جدية في اعتناق هذا الدين وعدم التمييز بين المواطنين فيما يتعلق باعتناق الدين، ولذلك نجد الفتيات المسيحيات، وتحديداً القاصرات، يعلنن إسلامهن ثم يعدن إلى أهلهن مرة اخري.

ويضيف جبرائيل: من خلال دراسة الظواهر من واقع عودة بعض الفتيات نرى أن وراء هروبهن ليس الدين، بل العلاقات العاطفية التي تنتهي بتغيير الدين، كما أن هناك مشاكل زوجية أيضا، وهذا بسبب قانون الأحوال الشخصية الذي لم يخرج للنور بعد، ولم يكن في المسيحية طلاق إلا بسبب الزنا أو تغيير الملة، ويتحمل الطرف الذي يريد تغيير الطائفة مبالغ طائلة، فضلاً عن صعوبة إثبات الزنا،  ولذلك فإن البعض لا يجد طريقة لترك العلاقة الزوجية إلا بتغيير الدين، وهذه الحقيقة نراها في أغلب القصص.

وتابع نجيب جبرائيل: يجب مراعاة الأسرة للفتاة واحتوائها والوثوق بها، كما أن هناك قصورًا من الكنيسة في رعايتها، وربما هناك فئات تعتقد أنها تخدم الدين الإسلامي، لكن للأسف يثيرون الفتن الطائفية، والأزهر بريء تماما من هذه الفتن ومن الذين يزعمون أنهم حماة الإسلام، ولذلك أعتقد أنه لا بد من ضوابط في اشهار الإسلام، ومن أول هذه الضوابط عودة جلسات النصح والإرشاد، التي ألغاها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وكانت هذه الجلسات بمثابة راحة للمسيحيين، ومعرفة مصير بناتهم اللاتي يقررن تغيير دينهن، واقترح أن تكون هناك مدة لا تقل عن ستة أشهر لكل من يريد التحول دينياً ويتم اختباره، للتأكد من أنه درس الدين.

وتابع جبرائيل: لا يوجد أي إجبار للفتيات على العودة إلى المسيحية مرة أخرى، الفتاة البالغة تعود باختيارها، ولها كل السلطات لتفعل ما تريد، وخلال الشهر الماضي هناك نحو 20 فتاة اختفت من أماكن مختلفة، وأغلب هذه الحالات بسبب الخلافات الزوجية والمراهقات والعلاقات العاطفية.
------------------------------
تقرير- مادونا شوقي
من المشهد الأسبوعي