30 - 06 - 2024

الجذور المصرية القديمة .. للمولد النبوي الشريف!

الجذور المصرية القديمة .. للمولد النبوي الشريف!

 رغم كل الظروف التي تمر بالشعب المصري، فهو لايزال حريصا على إعلان مظاهر الاحتفال بمختلف الأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية، كما تخبرنا الأستاذة عزة سليمان الباحثة في الحضارة المصرية القديمة، مؤكدة أن جميع هذه المظاهر الاحتفالية..لم تخرج إلا من رحم تلك الحضارة! فلا الفاطميون ابتدعوا حلوى المولد، ولا عيدية العيد، ولا الكحك ولا طريقة الاحتفالات التي نحياها، ولا الأوربيون ابتكروا شجرة الميلاد، ولا زينتها، ولا ترانيم الميلاد! فارفع رأسك أنت مصري، وبالمناسبة ... حتى هذا الشعار وجد في مصر القديمة، كما تقول الأستاذة عزة.. حيث أجدادنا المصريون القدماء هم فجر ضمير الإنسانية كما كتب المؤرخ الأمريكي "ﭼيمس بريستد"!

والمعروف أن مسلمي ومسيحيي مصر يختلفون عن باقي المسلمين والمسيحيين بالعالم كله، لما يحملونه في چيناتهم الوراثية من صفات وموروثات حضارة الأجداد، التي لاتزال ملامحها تظهر في الكثير من تصرفاتنا ومفردات كلامنا اليومية.. حتى طريقة احتفالنا بأعيادنا القومية والدينية توارثناها عن أجدادنا القدماء المصريين، دونما نعلم أننا نكمل مسيرتهم! بالدلائل التي تثبت أنهم من أوائل الشعوب التي آمنت بديانة التوحيد الإخناتوني.. ما يسر إيمانهم بالمسيحية فالإسلام، بعد ذلك! وقد طوعوا جميع مظاهر عباداتهم وطقوسهم السابقة ليمارسوها ضمن ممارسات أديانهم السماوية الجديدة!

نحن -إذن- أمام حالة شعب متميز، صَدَرَ للعالم تميزه، دونما يدرك هو نفسه قيمة الحضارة التي لديه، ما جعله يفقد هويته بفضل أسباب كثيرة، من أهمها دعاة الفتنة، الذين يتصورون أن الإيمان بالدين الإسلامي الحنيف يتنافى مع إعلان الهوية والانتماء والولاء للحضارة المصرية، أو ينتقص من انتساب مصر للعالم العربي الأصيل ..كما يقول الكاتب د."طه عبد العليم"! "! بينما لا يقل المسلمون عن المسيحيين قربا من المصريين القدماء، كما ذكر د."سليمان حُزين" في كتابه "حضارة مصر أرض الكنانة"، مؤكدا: إن معظم مسلمي مصر هم معظم مسيحيي مصر، الذين أسلموا بالأمس، ومسيحيي اليوم هم مسيحيو الأمس، الذين استمروا علي عقيدتهم. "


أجدادنا المصريون وحلاوة المولد

فليس صحيحا أن الفاطميين هم الذين ابتكروا لنا مظاهر الطعام والشراب، وشكل الاحتفالات التي نراها في مناسباتنا وأعيادنا الدينية الإسلامية المعروفة، إنما يعود الفضل إليهم لقيامهم بتشجيع المصريين على إحياء عاداتهم وتقاليدهم بطريقتهم وبحسب عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم، فأحب المصريون الفاطميين.. كما تقول الأستاذة "عزة سليمان"، مستطردة: فعروسة المولد بزينتها التي تزين رأسها، وذراعيها الملفوفتين حول خصرها في أبهى ثياب، ليست اختراعا فاطميا، بل هي "الست ايزيس" رمز الخير والعطاء والأمومة التي عاشت بوجدان المصريين منذ آلاف السنين في مصر القديمة، بقرص الشمس الذي يعلو رأسها، وجناحيها الملونين. كذلك الحصان الحلاوة، الذي يعلوه شاب يحمل سلاحه، هو الإله "حورس" الذي صوره المصريون القدماء خارجا ليحارب الإله "ست" رمز الشر! حتى أقراص حلاوة المشبك، والكنافة لم تكن سوى رموز قدماء المصريين لقرص الشمس، وغيرها من مظاهر احتفالاتهم، التي وجدت فوق جدران المعابد القديمة!

وعلى من يريد التعرف على جميع أشكال احتفالات أجدادنا القدماء المصريين بأعيادهم، أن يتأمل مظاهر احتفالاتنا نحن أحفاد الأحفاد التي نقوم بها ليومنا هذا، وهي كثيرة، كالعيدية -على سبيل المثال- وكحك العيد، والملابس الجديدة، حتى موائد الرحمن، وذبائح العيد، والحج الذي كانوا يقومون به إلى معبد "أبيدوس"، وغيرها من أشكال الاحتفالات التي عرفها أجدادنا القدماء!

أما أطرف عادة لن تجدها إلا بين المصريين، تواصل الأستاذة عزة كلامها: فهي كتابة الطلبات والأمنيات في أوراق صغيرة، وتركها عند أضرحة ومقامات الشيوخ وأهل البيت، مزارات القديسين بالكنائس والأديرة، كذلك! وجميعها عادات فرعونية، كان الشعب يقدمها لأوزوريس. ومثلما رأينا كيف كان الملوك الفراعنة يهتمون بتسجيل وتوثيق تاريخ حياتهم فوق المسلات والمقابر، ضمن ابتهالاتهم وتضرعاتهم، التي شكلت إحدى وسائل التوثيق التي مكنتنا من التعرف على أفكارهم، وتحركاتهم وإنجازاتهم ..إلخ! هكذا أيضا، شاهدنا كيف ورث المصريون الاهتمام بالتوثيق المكتوب لأهم تحركاتهم، وإنجازاتهم ومطالبهم من الله حيث كشفت هذه المطالب عن طبيعتهم الطيبة.

أما فكرة المولد نفسها، فلم تكن إلا احتفال المصريين القدماء بعيد ميلاد "أوزوريس" إله الشمس والزرع والتحنيط، بما صاحبها من الذِكر، والغناء الديني والابتهالات، وخروج جماعات المداحين في الشوارع، وحمل الأعلام الملونة، والطعام والشراب والحلويات، وغيرها من المظاهر التي لا نزال نراها حتى اليوم، في احتفالاتنا بالمولد النبوي الشريف في البيوت والشوارع والقرى المصرية، وجميعها مستوحاة من تاريخنا المصري القديم!

عزة سليمان الباحثة في الحضارة المصرية القديمة

أوزوريس .. المسيح الأول

ولعل المسيحيين لا يعلمون أن "المسيح".. لم يكن "المسيح" الأول الذي عرفته البشرية! فقد سبقه "أوزوريس" بآلاف السنوات، كما توضح الأستاذة "عزة"، باعتباره أول من قام المصريون بتحنيطه ومسحه كاملا بالسبعة زيوت المقدسة أثناء التحنيط، فأطلق عليه المسيح أو الممسوح أو المتمسح؛ وجميعها مشتقات من كلمة "التمساح"، الذي يمسح الأرض بكامل جسده أثناء حركته! حيث كانت التماسيح تمثل الهيبة والقوة والخصوبة بشكل قاهر، فانتشرت عبادة التماسيح في الدولة الوسطى، حيث كانت مصرفي فترة ازدهار كبيرة. وقد جاء في كتاب "التمساح فى الفن القبطى" أن التمساح كان يعبر عن الإله الصالح "أوزوريس"، وأخيه الشرير "ست"، فى نفس الوقت، بل وكان يمكن أن يُمثل أيضا الإله "رع"! مع ملاحظة أننا لانتكلم عن يسوع المسيح في الديانة المسيحية .. بل عن المسيح بمفهوم كلمة الممسوح!


شعب روحاني بطبعه

ولعل القليلين يعلمون أن المصريين كانوا يحتفلون بعيد الانقلاب الشتوي، والانتهاء من عملية بذر البذور، بعد انتهاء فيضان النيل! فيظل الشعب ساهرا على إقامة الصلوات طوال الليل حتى الفجر وبزوغ الشمس، معتقدين أنه بمقدار الصلوات التي يؤديها الشعب صائما قبل العيد، بقدرما ستتحقق أمنياتهم وطلباتهم من الرب "أوزوريس" حينما تشرق الشمس، ويتوحد معها! فنحن المصريون أول من قام بتكريس فعل الصيام قبل العيد.. منذ آلاف السنين!

وقد احتفظ المصريون بطقوسهم تلك، ونقلوها للعالم كله، فصار الصيام عادة تسبق الأعياد الدينية المسيحية والإسلامية. مثلما احتفظت الكنيسة القبطية بطقوس الصلاة الليلية المعروفة بـ "تسابيح كيهك"، والتي تتلى منذ الليل حتى شروق الشمس؛ تمجيدا لاسم الله والفرح بالعذراء التي استقبلت السيد المسيح في أحشائها، في إشارة للسيد المسيح بكونه"شمس البر". والاحتفال بعيد ميلاده في 25 ديسمبر، ذلك التاريخ الذي ظلت الكنيسة تأخذ به، حتى الفترة التي سبقت دخول الانجليز لمصر، كما جاء بموقع "القديس تكلا"! والذي على أساسه، استمر الغرب يحتفلون بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، ربما دونما يعلمون أنه في الأصل عيد ميلاد "أوزوريس"!

** تثير كلمات الأستاذة عزة سليمان تأملي بما سردته من صور تؤكد الطبيعة الطيبة لهذا الشعب.. والتي  ربما من خلالها تولدت الجملة الشهيرة التي تقول أننا شعب متدين بطبعه! والأصح  -في رأيي- بعد كل هذا التاريخ العظيم.. هو أننا شعب روحاني بطبعه.. لكنه تطبع منذ عقود طويلة بفحوى الدعاوى الوهابية لتفسير الدين، فحولته إلى شعب متشدد، متدين أي يهتم فقط بقشور الممارسات الطقسية للدين، بينما الروحانية هي الحالة الداخلية النقية الموجودة بالطبيعة داخل روح البشر.. التي تصل الإنسان برب هذا الدين.
----------------------------------
كتبت: ابتسام كامل

 

 

مقالات اخرى للكاتب

الجذور المصرية القديمة .. للمولد النبوي الشريف!





اعلان