30 - 06 - 2024

كيف صنع الكينج محمد منير أسطورته؟ السر في أسوان ورفقاء الرحلة

كيف صنع الكينج محمد منير أسطورته؟ السر في أسوان ورفقاء الرحلة

في 2012 سمعت صوتا يهمس من بعيد "انا لو شكيت وبكيت جبل الحديد هيدوب، الأولة غُربتي والتانية المكتوب" وانفجرت وقتها بالبكاء.  

الحقيقة إنني كنت في سن صغير لم أفهم بعد معني الغُربة، ولا غادرت وقتها بيتنا ولم تصبني من الأساس لعنة النصيب والمكتوب، ولكن ما أصابني حينها صوت منير، إحساسه وجرحه الكبير وغُربته الحقيقية التي بدأت منذ  نعومة أظافره بعدما أضطر الفتي النوبي أن يهاجر مع أسرته للقاهرة بعد غرق معظم قرى النوبة تحت مياه بحيرة ناصر التي خلفها السد العالي، في أواخر الستينيات من القرن الماضي.

ظل منير متأثرًا بغربته ورحلته ومغادرته للنوبة، وكيف لطفل بسيط يعيش بقلب النيل يحيطه الكثير من الهدوء والجمال والإحساس والغناء أن يأتي به المكتوب إلى العيش في صخب القاهرة، يرد منير عن سؤاله عن النوبة قائلًا "النوبة هي كل شيء، هي الطفولة، هي عبق وسحر أسوان، هي فن مميز، وعمارة مميزة لونها أبيض وبيت بسيط، هي بنت سمراء، هي النيل أعظم شيء في مصر".

تحدثت أيضًا بالأمس مع زميلي في العمل بعدما سمعت عن رغبته العودة إلى أسوان، وسألته كيف ستترك القاهرة بكل ما تملكه من فرص وتعود لبلادك مرة ثانية، كيف ستتأقلم مع العيش في أسوان وأنت هنا في عبق المهندسين والدُقي، رد علئ "هنا أشعر بالتوهة والحيرة، لم أجد نفسي أبدا سواء في الجبل والهدوء والنيل، في طعم المياة تخيلي حتي طعم المياة هنا يضايقني".

على مدار أكثر من ستة أشهر ماضية تعاملت مع عمر فيها رأيت عزة نفس مفرطة وذكاء حاضر دائما ونظافة لا تُصدق وأمانة في العمل بدرجة مذهلة وإختلاف لا يُقارن يؤمن هو به قبل إيماني انا والجميع، خلال رحلات كثيرة أيضًا قابلت أصدقاء نوبيين وأسوانيين، أذكر مرة في كورس لتعلم الموسيقي ومرات ثانية في تسلق للجبال في رحلة ما، كل مرة تحدثنا فيها لمست جمال الإختلاف بينهم وبين الجميع.

كان هذا الإختلاف الذي تربي عليه كل فرد في هذه البلاد السبب الأول في نجاح مشروع منير الذي قدم شكلًا غنائيًا متفردا، لا صلة بينه وبين كل الموجود، وأعلن صراحة تمرده على شكل الطرب بداية من أواخر السبعينيات، معتمدًا على الكلاسيكية والهدوء والتلقائية في حركته وظهوره بملابسه الكاجوال بألوانها المختلفة وكلمات غنائه العميقة مما جعله يفرض نفسه على قلوب أجيال متلاحقة بدون مجهود كبير.

ولد الكينج في 10 أكتوبر 1954 في قرية منشيه النوبة بأسوان وتلقى تعليمه المبكر وقضى فترة الصبا في أسوان قبل أن يهاجر مع أسرته للعاصمة أوائل السبعينيات بعد غرق قرى النوبة تحت مياه بحيرة ناصر، أحب منير ممارسة الغناء كهاوٍِ منذ الصغر وذكر في إحدى لقائته أنه كان يغني لرفاقه في الجيش.

تخرج منير من قسم الفوتوغرافيا والسينما والتليفزيون من كلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان، وأثناء دراسته استمع إليه زكي مراد الشيوعي النوبي الذي سرعان ما أوصى عبد الرحيم منصور بالاستماع إليه، ومن ثم يقابل الكينج الصغير الفنان الاسواني أيضا أحمد منيب والذي سرعان ما أخذ الشاب من يده لتدريبه على كل الألحان بمختلف أشكالها سواء كانت نوبية أو غيرها، والذي غني له منيرًا فيما بعد عددًا من أروع الأغنيات، منها الليلة يا سمرة، وأم الضفاير، ويا مراكبى واتكلمى.

وبدأت الطفرة الحقيقية في حياة أبو ألف وش وفي ألف عين وألف ضحكة ملونين بعد ظهور هاني شنودة في حياته، والذي أضاف بألحانه وتوزيعاته الغربية الطابع المُبهر لمشروع منير، وبعد تقديم الألبوم الأول في عام 1977  «أمانة يا بحر»، والذى اجتمعت فيه أفكار عبدالرحيم منصور الشعرية وألحان هانى شنودة، لم يحقق الألبوم النجاح المرجو لكن لم تيأس الشركة المنتجة كما لم ييأس منير، بل كان يثق جيدًا في نفسه بالإضافة إلى ثقة عبدالرحيم منصور وأحمد منيب الذين أدركوا مبكرًا أنهم إمام  أسطورة غنائية حقيقية لا ينقصها شيء، 

وبعد عام أطلق الكينج ثانى ألبوماته «بنتولد»، وكانت الانطلاقة الحقيقية بالفعل له، وحقق الألبوم مبيعات جيدة، مما دفع شركة الإنتاج لإعادة طرح الألبوم الأول مرة أخرى فى الأسواق، ولكن اختارت له اسمًا مختلفًا، فحمل اسم أغنية «علمونى عنيكى» كان هذا فى الثمانينات من القرن الماضى، وهى الفترة التى أسس فيها منير شعبيته الجارفة فى النوبة وعدد كبير من المحافظات، بعد إطلاقه 5 ألبومات غنائية.

وكان الألبوم الأكثر تأثيرًا وانتشارًا ألبوم شبابيك والذي صُنف بإنه أفضل عمل فني حدث في صيف 1981 كما كان شبابيك هي أهم نقلة في مشوار الشاب محمد منير وأكثره وضوحًا في مشروعه الفني ويعد شبابيك الألبوم الذي حقق اعلي نسبه مبيعات في مصر حتي الآن منذ الثمانينات، كما يعد من ضمن أفضل الألبومات الموسيقية العربية والأفريقية في القرن العشرين.

كان منير محظوظًا جدا في رفقاء رحلته منذ البداية "عبدالرحيم منصور وهانى شنودة ومجدى نجيب وأحمد منيب وفؤاد حداد وشوقى حجاب ويحيى خليل وفتحى سلامة" وكانت هذه الأسماء أهم داعم وشاهد على نجاح التجربة وتغيير الأغنية المصرية.

وعلى مدار أكثر من أربعين عامًا صنع منير خلالها قرابة الثلاثين ألبوما غنائيا بالإضافة إلى عشرات من الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية، فبالرغم من عشق منير  للغناء وميوله الموسيقية إلا أنه كان على موعد مع كاميرا يوسف شاهين حيث شارك خلال 1986 في فيلم «اليوم السادس» مع الراحلة داليدا، وشارك أيضاً في نفس العام في فيلم «الطوق والأسورة» مع شريهان للمخرج خيري بشارة، وكان فيلم «المصير» هو التعاون الثالث بين منير وشاهين، وانتج الفيلم عام 1997، وشارك الفيلم في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية، وتم تكريم يوسف شاهين بجائزة خاصة في الذكرى الـ50 لمهرجان كان السينمائي، وقدم منير أغاني الفيلم في ألبوم حمل اسم الفيلم ومن أهم أغنياته «علي صوتك». وقد فاز الفنان محمد منير بجائزة أفضل مطرب في مسابقة MEMA يوليو 2008.

وبخصوص حياته الشخصية ظلت بعيدة جدا عن الأضواء إلى أن خرجت الفنانة نجلاء بدر في أحدى لقاءاتها مؤكدة أنها عاشت معه قصة حب جميلة وغنى لها أغنيته الشهيرة "لما النسيم" وذهب لمنزلها لطلب يدها وفعلاً وافقت، وتم تحديد ميعاد لعقد القران وفي الوقت المحدد اختفى منير، وأغلق هاتفه، وأرسل لها رسالة:"حاسس إني هظلمك معايا وأنا أكبر منك".

على الجانب الآخر أعلن قد محمد منير عن خبر زواجه على فتاة من أصل نوبي، تعيش في باريس تدعى داليا يوسف بتاريخ 18 أبريل 2014،  إلا أنه سرعان ما إنفصل عنها بعد أقل من شهرين من الزواج، يتحدث الكينج خلال لقاء آخر أيضًا  فيقول"أعتز كثيرًا بعائلتي وعندي 18 حفيدا من أبناء شقيقاتي وأشقائي، وكلهم دارسون وحاصلون على مؤهلات عليا، وآخر الأحفاد يدرسون الآن في كندا وببعتلهم فلوس كل فترة".
------------------------
تقرير - رانيا عبدالوهاب






اعلان