17 - 07 - 2024

"الممر الآمن" "فخ" يستهدف استنساخ نكبة 48

سيل اتصالات لاينقطع يتخفي بأردية إنسانية زائفة، كلها تتحدث عن ممر آمن Safe Passage لأهالي قطاع غزة، وذلك هروبا من مطالبة المعتدي الإسرائيلي بوقف الإبادة الجماعية التي تتحقق حرفيا في القطاع، وتأمين معبر رفح والطريق الممتدة منه حتى شمال قطاع غزة لتصل المساعدات الإنسانية المصرية (طبية وغذائية ووقودا) إلى مبتغاها، ويعينهم على التعايش مع محرقة تتم بتواطؤ عربي وعالمي، دون أن تجد نفسها متورطة في صراع بين محتل غاشم يملك آلة حرب جبارة تسد نواقصها ترسانة الحرب الأمريكية والغربية، وحركات مقاومة عارية الظهر تنافح عن أرضها وشرفها بأدوات ووسائل بدائية ولولا عقيدة قتالية تشبع عقيدة الكاميكازي ما صمدت يوما واحدا.

لماذا أغمضت العيون عن المطالبة باستخدام معبر رفح لنقل المساعدات الإنسانية (سواء كانت مصرية أو ترسلها دول أخرى) والفرق الطبية والمستشفيات الميدانية والوقود لإنقاذ الجرحى وإعادة الكهرباء والمياه إنفاذا للقانون الدولي الإنساني، وكذلك عن مقترح مصري لهدنة إنسانية تستمر من أربع إلى خمس ساعات يوميا، تعبر فيها المساعدات الغذائية والطبية إلى قطاع غزة وينقل فيها الجرحى الفلسطينيون إلى المستشفيات المصرية.

لقد ارتكبت إسرائيل كل المحرمات، ترهيب السكان المدنيين (التي تحظرها المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول; والمادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني) والعقاب الجماعي (المحظور طبق المادة 75 من البروتوكول الأول الإضافي; والمادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني) وتجويع المدنيين (المحظور وفق المادة 54(1) من البروتوكول الإضافي الأول; المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني). وكذلك منعت الإجلاء والإغاثة الإنسانية عبر قصف سيارات الإسعاف وقصف معبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع، ومهاجمة أو تدمير مما لا غنى عنه لبقاء السكان المدنيين مثل مرافق مياه الشرب ومحطات الكهرباء والمستشفيات.

أغمض العالم الغربي كله عيونه عما ترتكبه دولة الاحتلال من إبادة جماعية ومحارق وفتحها على عبارة "ممر آمن" ومع بالغ الأسف تورطت أجهزة إعلام مصرية في الترويج للمصطلح، بل وتقدمت عضوة بمجلس النواب ببيان عاجل للمطالبة به، دون دراية بأن الممر الآمن المدعى تحت عباءة إنسانية كاذبة ، ليس إلا طوق نجاة لإسرائيل يطلق يدها في محو غزة من على الخارطة وتكرار مشاهد نكبة 1948 في النزوح للدول المجاورة هروبا من مجازر العصابات التي أصبح قادتها فيما بعد زعماء لدولة الاحتلال، الذين أصبح يفرش لهم السجاد الأحمر حتى في القاهرة.

فكرة "الممر الآمن" وردت أول ما وردت على لسان بنيامين نتانياهو، ثم تناثرت كقنبلة عنقودية على ألسنة قادة الغرب ووزراء خارجيته، وإن تحققت ستمثل ترجمة فعلية لأمنية رابين "أتمنى أن اصحو ذات يوم لأجد غزة قد غرقت في البحر" وستكون انصياعا لأخطر مؤامرة على القضية الفلسطينية والمقاومة التي تحتاج منا إلى المساندة وليس الخذلان. فهي تحقق هدف "تفريغ" غزة من أهلها حتى يتسنى لإسرائيل الإبادة الشاملة للمقاومين البواسل. وهذا ليس خافيا بل ورد في تقارير صحف أمريكية على صلة بدوائر القرار ، وعلى سبيل الإشارة في تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض (الأربعاء 11 أكتوبر) وفي اليوم السابق له قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان "بدون الخوض في تفاصيل الممر الآمن للمدنيين وما إلى ذلك، سأقول إنه أمر تهتم حكومة الولايات المتحدة في كيفية تنفيذه عمليًا". بينما اعتبر طاهر النونو، مستشار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الممر الآمن للنازحين في غزة مقترحا إسرائيليا "لتفريغ" القطاع.

ولغزة تاريخ طويل مع مبادرات من هذا النوع ، لعل أغرب مافيه مبادرة التوطين التي تمّ الاتفاق عليها بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في 14 أكتوبر 1953، والتي كان ملخصها أنّ تقدّم الحكومة المصرية 230 ألف فدان من الأراضي الصحراوية بهدف خدمة اللاجئين في قطاع غزة، بحيث يتمّ نقل 59500 ألف نسمة في المرحلة الأولى، ويُمكن نقل 85000 نسمة لاحقًا. لكن هذا المشروع أُجهض أيضًا نتيجة الموقف الشعبي الفلسطيني الرافض.

وفي مطلع ستينات القرن الماضي طرح مشروع جونسون: وهو مشروع لم تتمّ مناقشته بعمق واقتصر على نقاشٍ بين الحكومة المصرية ووفدٍ أمريكي أرسله جونسون، بهدف إعمار شمال سيناء وتوطين اللاجئين الفلسطينيين هناك.

عاد الحديث، مرة أخرى بعد نكسة 1967، عبر مبادرة إيجال آلون والتي طرحت فكرة توطين اللاجئين من سكان قطاع غزة في شمال سيناء دون النظر إلى قبول مصر أو رفضها للمشروع نظرًا لسيطرة الاحتلال على سيناء. وتبلورت أكثر مع خطة غيورا إيلاند عام 2004 والتي تقوم على تنازل مصر عن مساحة 600 كم² من أراضيها لضمّها إلى قطاع غزة مقابل تعويضها ب 200 كم² من النقب المحتلّ شمال غرب أم الرشراش (إيلات)، وفي عام 2010 طرح بنيامين نتانياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال على الرئيس حسني مبارك مقترحا بمنح الفلسطينيين أراضي من سيناء ليقيموا عليها دولتهم، لكنّ الرئيس مبارك رفض في وقتها الفكرة ورفض الحديث في القضية برمتها.

بعدا بثلاثة أعوام وفي 2013 طرح هيشوع بن آرية الرئيس السابق للجامعة العبرية خطة لتبادل الأراضي بين مصر والاحتلال الإسرائيلي وفلسطين، وتقوم على تنازل مصر عن أراضي لنقل السكان اللاجئين من قطاع غزة إلى المنطقة الواقعة بين رفح حتى العريش، وأنّ تحصل مصر على أراضي مماثلة في صحراء النقب، في المقابل يحصل الاحتلال على ما يقارب 40-60% من مساحة الضفة الغربية.