30 - 06 - 2024

عالمة الاجتماع "إيفا إيلوز": حماس أطاحت بالأوهام.. وإسرائيل لم تعد كما كانت

عالمة الاجتماع

إيفا إيلوز ... أستاذة علم الاجتماع الشهيرة – فرنسية إسرائيلية - وهى تدرس في الجامعة العبرية في القدس، ولها العديد من المؤلفات الهامة، كان أخرها كتاب بعنوان "المشاعر غير الديمقراطية: إسرائيل.. كمثال"، الذي صدر هذا العام، وكرس لمزيد من تحليل مخططات نتنياهو الشعبوية والترويج لكراهية الأخر للحفاظ على حكمه، بحسب رؤيتها ..كتبت "إيلوز" مقالاً للرأى بصحيفة "Neue Zürcher Zeitung" السويسرية بتاريخ 14 أكتوبر على خلفية الأحداث التى وقعت مؤخراً والاشتباكات الأخيرة بين حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وجهت فيه انتقادات مباشرة للنظام الحالي في اسرائيل، معتبرة أن هجوم حماس لم يسقط مئات الضحايا، فحسب، لكنه أطاح أيضاً بالأوهام التى أشاعها النظام داخل المجتمع الإسرائيلي، وترى أن الصدمة التي أعقبت الهجوم الإرهابي ستترك تغييرات دائمة في المجتمع الإسرائيلي. ويتعين علي إسرائيل أيضاً أن تدرك أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فشلت في حماية مواطنيها وأن التخلص من إشكالية الفلسطينيين لن تحقق مخططات "الشرق الأوسط الجديد ".

وهذا نص المقال:

قبل أسبوع من وقت كتاباتي هذا المقال، شهد الإسرائيليون رعباً خالصاً: عدو استهانوا به واعتبروه ضعيفاً، لكنه نجح في اقتحام هدوء ساحاتهم ومطابخهم وغرف نومهم، وأعلن عن غضبه بقسوة لا يمكن فهمها. إن النظام الأمني الإسرائيلي الذي يفترض أنه معصوم من الأخطاء ومازال يعيش وهم أنه لا يُقهر، والذي كان يتعين عليه أن يدافع عنّا، قد اختفى  وتبخر في الهواء، وكأننا وحدنا في كابوس، إذ لم يتمكن الجيش ولا الشرطة من الوصول في الوقت المناسب لمنع وقوع المذبحة.

الجريمة التي وقعت في إسرائيل ليست كغيرها . لقد أدى اختراق العدو العميق لخصوصية السكان المدنيين إلى الكشف عن حقيقة الشلل المستمر للنظام بأكمله، ما خلق تجربة (إرهابية) مؤلمة. ومن المرجح أن تغير هذه الصدمة الثقافة السياسية في إسرائيل بطرق لا رجعة فيها. فلن تعود إسرائيل كما كانت حتى 7 أكتوبر 2023. فهناك شكل آخر من أشكال الرعب، ألا وهو، إدراك أن انهيار الجهاز الأمني برمته ليس حادثاً استثنائياً، لمرة واحدة، بل نتاجاً لفشل كبير في النظام. نحن نفهم الآن كوننا نعيش في منازل فوق الرمال، إذ تعطي الرمال المتحركة انطباعًا بوجود أرض صلبة، ولكن بمجرد أن نقف عليها، تبتلعنا وتقتلنا، في النهاية.

لقد تجسد هذا الفشل المنهجي  في النظام على ثلاثة مستويات؛ لنبدأ بالأبسط: الحكومة التي حدث في ظلها هذا الانهياروالتصويت على بند الملاءمة، الذي هو جزء من الإصلاح القضائي المثير للجدل والذي يمنع السلطة القضائية في المستقبل من التحقق من “ملاءمة” قرارات مجلس الوزراء والقرارات الوزارية، الذي سبقه رفض بنيامين نتنياهو الانضمام في 24 (يوليو) إلى لقاء مع رئيس الأركان العامة هرتسي هاليفي. لقد أراد رئيس الوزراء إبلاغه عن تدهور الوضع الأمني. لم يكن هاليفي وحده مَن أراد لفت الانتباه. فقد ترددت أنباء أن الجانب المصري أبلغ نتنياهو أن حماس تستعد لشيء ما. وقد أشار الرؤساء السابقون لجهاز المخابرات الداخلي والموساد وكبار المسؤولين العسكريين مثل غادي آيزنكوت إلى أن الإصلاح القضائي يقيد القوات وبالتالي يمثل تهديدًا أمنيًا.. وحتى بعدما أصبح الرعب متجسداً على أرض الواقع عقب أحداث السابع من (أكتوبر)، لم يتمكن نتنياهو  ووزراؤه من صياغة كلمات إنسانية لتقديم الاعتذار والمواساة. إن ظهور نتنياهو في إعلان حالة الحرب لم يكن مخيفاً، فحسب، بل كانت لهجته الآلية تفتقر إلى الإنسانية والتعاطف تجاة أرواح المدنيين.لم يكن بإمكان أي شخص يحترم واجباته أن ينام أو يواصل خدمته بعد مقتل 1300 مدني وجندي (بوحشية). لن يكون أي شخص عادي غير قادر على النوم فحسب، بل سيشعر أيضًا بالخزي والخجل. ولنتذكر الإحباط الذي أصاب بيجن بسبب الوفيات العديدة التي سببتها حرب لبنان الأولى، بينما قدم لنا ساستنا مشهداً لنضالاتهم السياسية النرجسية من أجل حكومة وحدة وطنية.

أما المستوى الثاني من الفشل المنهجي في النظام الحالي يتعلق بالجيش والمفهوم السياسي وراء الاستراتيجية العسكرية. فعلى مدى عقود من الزمن، أراد نتنياهو منّا أن نصدق أن إيران هي العدو الحقيقي لإسرائيل، وأن حماس يجب أن توضع في مواجهة السلطة الفلسطينية لمنع التوصل إلى حل الدولتين. لقد جعلنا نعتقد أن الصراع يمكن إدارته كـ"نزاع عسكري" منخفض الحدة مع اندلاعه بين الحين والآخر، وأن الشرق الأوسط يمكن أن يتحول ويتشكل من خلال محو القضية الفلسطينية - بحكم فرض سياسة الأمر الواقع - من خريطة الشرق الأوسط الجديد. وكان من المفترض أن تعزز التكنولوجيا والأسلحة المتطورة والصفقات التجارية الضخمة مع الدول العربية هذا الحلم.

وقد ثبت أن هذه العقيدة الأمنية جوفاء. رئيس الأركان العامة هرتسي هاليفي، الذي يعيش في مستوطنة  "كفار هأورانيم"، مسؤول جزئياً عن العملية التي غيّر فيها الجيش هويته. فهل ينبغي أن نفاجأ أنه، تحت قيادته، تم سحب هذا العدد الكبير من الجنود من المنطقة الجنوبية ونقلهم إلى الضفة الغربية؟ فهل نتعجب أن ترى سلطات المستوطنات ضرورة تركيز الموارد العسكرية في مناطقها؟ ومن الذي أعطى الأمر بالسماح لهذا العدد الكبير من الجنود بالعودة إلى منازلهم لقضاء العطلة الدينية؟

إن النظام الدفاعي الإسرائيلي الذي ينهار بهذه السرعة فاسداً من الداخل ومشوهاً من الناحية الأيديولوجية. ولا يمكن ربط مثل هذا الفشل الهائل إلا بالنظرة السياسية للعالم التي شكلت الجيش على مدى العقدين الماضيين. وهو عقد اجتماعي غير مقبول بعد هذه الصدمة، وسيتعين علينا أن نسأل أنفسنا أسئلة كثيرة مرة أخرى: كيف يفكر اليسار في السلام؟ وهل من الممكن العيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين؟ سيكون من الضروري أيضًا إعادة التفكير في أسس العقد الاجتماعي الذي ينظم التعايش بين السكان العلمانيين والمتدينين".
-------------------------
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
رابط الموضوع:
https://www.nzz.ch/feuilleton/angriff-auf-israel-soziologin-eva-illouz-uebt-kritik-an-netanjahu-ld.1760682?reduced=true






اعلان